مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

القيم الأخلاقية في نهج البلاغة

 


أ- تعريف الأخلاق:
من أجل الاطلاع والتعرف إلى القيم الأخلاقية، ينبغي أولاً معرفة الأخلاق والأخلاق الإسلامية وتعريفها:
فما هي الأخلاق الإسلامية؟

إن الأخلاق والقيم الأخلاقية تعلمنا: كيف نتصرف في حياتنا الاجتماعية مع أصدقائنا، وكيف يتصرف بعضنا مع بعضنا الآخر.
وتعلمنا كيف نسلك ونتصرف مع المعلم والأستاذ حتى نرى ابتسامة الرضا والارتياح على شفاههما.
وكيف نعيش مع زملائنا في الدراسة، وكيف نعاشر جيراننا ونتصرف معهم؟
وتعلمنا بأي سلوك حسن يمكننا الاستحواذ على قلوب والدينا وأساتذتنا ومربينا وأصدقائنا وزملائنا في الدراسة وجيراننا وسائر معارفنا، وإدخال السرور عليهم، وجعلهم يرضون عنا وإذا سلك أصدقاؤنا معنا سلوكاً حسناً وأحسنوا إلينا، وقدموا لنا الهدايا، فأي واجب نتحمله تجاههم. وإذا لم يتلاءموا معنا وأساؤوا إلينا وهجرونا، فماذا ينبغي علينا فعله وكيف يمكننا الاستحواذ على قلوبهم.
إن كل الشعوب والمذاهب الفكرية ترغب في معرفة القيم الأخلاقية وتربيتها في نفوس أفرادها ومجتمعها وقلوبهم، لكي يبلغ الجميع السعادة المنشودة، لكننا نريد حضور درس الإمام علي عليه السلاموجعل كتاب "نهج البلاغة" مرشداً لحياتنا، وتعلم القيم الأخلاقية من هذا النبع الإسلامي الصافي الدائم.

إننا نريد الاستماع إلى أقوال أمير المؤمنين عليه السلاملكي تصطبغ قلوبنا ونفوسنا بلون الحقيقة، ونبني مستقبلنا بالكلمات النيّرة التي نطق بها ذلك الإمام الشهيد، ونكون في عداد الصناع الناجحين لمستقبل الثورة الإسلامية، يقول الإمام علي عليه السلام:
"فَلْيَكُنْ تَعَصّبُكُم لِمكارِمِ الخِصالِ، وَمَحامِدِ الأفعال، وَمَحاسِنِ الأُمُورِ"
إننا باكتساب القيم الأخلاقية نبلغ السعادة والتكامل الحقيقي ونصلح مجتمعنا.
يقول الإمام علي عليه السلامفي إشارة عامة:
"... وَلاَ قَرِينَ كَحُسْنِ الخُلُقِ، وَلاَ مِيراثَ كالأدَبِ".

ب- ضرورة القيم الأخلاقية:
بعد الاطلاع على تعريف القيم الأخلاقية والدور القيّم للأخلاق الإسلامية في تحقيق سعادة الإنسان، بقي علينا التعرف إلى القيم الأخلاقية، إذ أن الأخلاق الفردية أو الاجتماعية لا تخرج إلى الواقع الموضوعي من دون قيم.
كما تجب معرفة القيم المضادة، والعقبات التي تحول دون ظهور الأخلاق الإسلامية وما ينبغي علينا لإزالتها عن طريق تكاملنا إذ إن قلوبنا كالأرض المعدة للزراعة. فللحصول على المنتوج السليم والوافر منها، لا بد من الاهتمام بقضيتين مهمتين ومصيريتين هما:
أولاً: إلتقاء البذور السليمة والنافعة وغرسها وتوفير مستلزمات نموها وتكاملها مثل: السقي والتسميد.
ثانياً: تطهير الأرض المخصصة للزراعة من الأعشاب الضارة والأشواك المؤذية بواسطة رش السموم واقتلاع الحشائش الطفيلية، لكي تنمو البذور المزروعة نمواً يومياً، وللحيلولة دون إعاقة الأعشاب والأشواك الضارة عملية نموها وتكاملها.
إن استعراضاً سريعاً لما ورد في "نهج البلاغة"، بهذا الشأن يدلنا على أن الإمام علياً عليه السلام أشار إلى العاملين الرئيسين المتمثلين بنضج البشرية، وبلوغها السعادة، وتحقق الأخلاق الإنسانية، فهو يشبّه البذور والحبوب النافعة بالقيم الأخلاقية وكذلك يدلنا على الأعشاب الطفيلية والأشواك النفسية المعوّقة، ويهدينا إلى سبل مكافحتها؛ ثم يقول:
"التُّقى رَئيسُ الأخلاقِ" وبذلك يربط بالتقوى كل القيم. وفي موضع آخر يشير إلى الآفات النفسية التي تصيب الإنسان فيقول:
"... وَالحِرصُ وَالكِبرُ والحَسَدُ دَواعٍ إلى التقحُّم في الذُّنوب".

نستنتج من ذلك أن اكتساب القيم الأخلاقية عاجز بمفرده عن تحقيق سعادتنا وتكاملنا، لذا ينبغي علينا، إلى جانب اكتساب القيم، الانتباه بشكل كامل للآفات الأخلاقية، والقيم المضادة، وسبل مكافحتها، لكي نتوصل إلى الأخلاق الإسلامية بهاتين العمليتين الرئيسيتين "بذر البذور ونثر السموم" أي:
لو أننا سعينا إلى غرس صفة التواضع القيّمة في نفوسنا، لوجب علينا بذل جهود أخرى لترك العادات الذميمة المتمثلة في التكبر والإعجاب بالنفس، ولكي نكون صادقين ونقتلع جذور الكذب في آنٍ واحد، وأن نتخلق بالعفو والصفح ونقضي في الوقت نفسه على روح الانتقام في أنفسنا.

ج- القيم والقيم المضادة:
1- الأمل بالله: ينبغي لنا، عند مواجهة المشاكل والصعاب، الاعتماد على قدرة الله الأبدية وعدم الخوف من المشاكل، بل نتغلب عليها جميعاً بالتوكل على الله وبروح الأمل، يقول الإمام علي عليه السلام:
"لا يَرجُونَّ مِنكُمْ إلاَّ رَبَّهُ".
فكل مفكري العالم يؤمنون بأن التفاؤل هو الشرط الأول لإحراز النجاحات الكبيرة، كما ينبغي إلى جانب عزيز روح الأمل، مكافحة كل أشكال اليأس والتشاؤم.

2- احترام آراء الآخرين: من سبل اكتساب المعارف والنفوذ إلى لقلوب، وممارسة التحركات السليمة والبناءة، احترام أفكار الآخرين وآرائهم، والامتناع عن أي شكل من أشكال الغرور والأنانية. يقول الإمام علي عليه السلام:
"وَلاَ مُظاهَرَة أَوْثَقُ مِنَ المُشَاوَرَةِ".
وقال في كلام تحذيري آخر له:
"مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ".

3- التواضع: إن التواضع من القيم الأخلاقية المستحسنة التي يمكن بها التغلغل إلى كل القلوب، حتى قلوب الأعداء، وطرد الشيطان والأعمال الشيطانية من المجتمع، ويمكن بالتواضع والبشاشة إجبار الذين جفونا وقاطعونا على العودة إلى المحبة والمودة، وزرع زهرات الرضا والابتسام على كل الشفاه، يقول الإمام علي عليه السلامبهذا الشأن: "... وبالتواضع تتمّ النعمة".
أي أن التواضع يجلب السعادة والارتياح.
ثم يشير الإمام إلى خطر التكبر والإعجاب بالذات، فيقول:
"... فَالله الله... وَسُوءَ عَاقِبَةِ الكبرِ".

4- الاعتدال: الاعتدال يعني أن نشاهد الحقائق على حقيقتها وننقلها إلى الآخرين كما هي، من دون إفراط ولا تفريط في أقوالنا وأحكامنا وفي إخبارنا وتقاريرنا.
والذين لا يتمتعون بهذه القيمة الأخلاقية لا نجد في سلوكهم وأعمالهم نظاماً ولا حساباً دقيقاً، فسرعان ما تراهم يعشقون شيئاً ثم لا يلبثون حتى ينفرون من ذلك الشيء نفسه، يبالغون في تقاريرهم، ويقولون ما يفوق ما رأوه بكثير. وهكذا نرى أن مجانبة الاعتدال، والإفراط والتفريط في الأمور، من شأنها إنزال أشد الضربات النفسية والاجتماعية بنا.
فلا بد إذاً من التزام الاعتدال، والتحرك ضمن نظام معين وحساب دقيق، ومراعاة ذلك في السلوك والعمل، يقول الإمام علي عليه السلام في كلام تحذيري له:
"لاَ تَرَى الجاهِلَ إِلاَّ مُفرِطاً أَو مُفْرّطاً".
ثم يشير إلى نتيجة ذلك بالقول.
"ثَمَرَةُ التَفْرِيطِ النَّدَامَةُ، وَثَمَرَةُ الحَزْم السَّلاَمَةُ".

5- كتم السر وحفظ كرامة الآخرين: ينبغي لنا أن نلتزم مبدأ "كتم السر" عند مواجهة زلاّت الآخرين وأخطائهم، وتنبغي ا لمحافظة على سمعتهم وكرامتهم، وبذلك نتمكن من تخليص مجتمعنا من كل دنس والحيلولة دون نشر الشائعات السام، وكتمان السر من المبادئ القيّمة في الأخوة والصداقة، يقول الإمام علي عليه السلام بهذا الشأن:
"... فَاسْتُرِ العَورَةَ ما استَطَعْتَ، يَسْتُرِ اللهُ مِنكَ ما تُحِبُ".
فنحن الذي قد نكون في أية لحظة عرضة للخطأ والزلل، أو يصدر عنا سلوك قبيح أو فعل سيّىء، علينا تجنب العادات السيئة، مثل الغيبة وذكر عيوب الآخرين لكيلا نلوث أجواء المجتمع السليمة. يقول الإمام علي عليه السلام. "أكبرُ العَيبِ أن تعيبَ ما فيكَ مِثلُهُ".

6- العفو والصفح: ألسنا ننتظر من الآخرين أن يغفروا لنا أخطاءنا، ويصفحوا عنا ويعطونا فرصة نصلح بها أنفسنا ونجبر فيها أخطاءنا؟... إذا كان الجواب بالإيجاب، فالآخرون يتمنون منا الشيء نفسه. فينبغي لنا عند مواجهة إساءاتهم وزلاتهم عدم اللجوء إلى الانتقام ولا الرد بالمثل بحيث نجعل الجميع أعداءً لنا. إننا لا حيلة لنا في هذه الحياة الاجتماعية إلا العفو والصفح، لكي نقرب بهما بين القلوب، وننال الأجر المعنوي من الله تعالى. يقول الإمام علي عليه السلام:
"فَاعفُوا ألا تُحِبُّون أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم؟".

7- الصدق وتجنب الكذب: ما أجمل كلمة "الصدق"! وما أروعها من نغمة!، كل الناس يريدون أن يعاملوا بصدق، وكلهم ناقمون على الكذب وقوله.
فهل يسعى الجميع كي يقولوا الصدق ويمتنعوا عن الكذب؟
إذا كنا نحب أن يكون الناس صادقين معنا، فينبغي لنا أن لا نكذب على أحد، وفي ذلك يقول الإمام لمالك الأشتر:
"... والْصِق بِأَهل الوَرَعِ والصِّدْقِ".
وفي موضع آخر من "نهج البلاغة" يشير الإمام علي عليه السلامإلى قبح الكذب وكونه من القيم المضادة، فيقول:
"جانِبُوا الكَذِبَ فإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلإِيمانِ".
أي أن الذي يؤمن بالله لا يكذب أبداً.

8- النظرة الواقعية وترك الأماني: إن الذين لا يملكون نظرة واقعية، وتراهم يحلقون على أجنحة الخيال ويتعللون بالآمال البعيدة التحقق، لا يتمتعون بأخلاق حسنة ونهم يصابون بالإفراط والتفريط، وأحكامهم الخاطئة تفقدهم قيمتهم في المجتمع وتحط من منزلتهم بين أصدقائهم، لذا ينبغي للإنسان أن يدرك الحقائق بمعونة العقل والنظرة الصائبة، وأن يقتلع الآمال السلبية من قلبه، لأن الآمال السلبية تضعف القدرة على التعقل والتفكر لدى الإنسان، يقول الإمام علي عليه السلام:
"... وَاعلمُوا أَنَّ الأمَلَ يُسهي العَقلَ".
ويقول عليه السلام في موضع آخر:
"مَن أطالَ الأمَلَ أَساءَ العَمَلَ".

9- حب الخير وترك الحسد: تقتضي الأخلاق الإسلامية أن نحب الخير للآخرين ولأصدقائنا وزملائنا في الدراسة، ونفكر دوماً بمصلحتهم وسلامتهم وسمعتهم الطيبة. فهم إن نجحوا وحازوا على درجات عالية، واشتروا الألبسة والأحذية والسيارات، فعلينا أن نفرح لذلك ونحمد الله على أن أصدقاءنا في حالة من التحسن والتكامل متنامية يوماً بعد آخر، وهذا هو الذي يسمونه "حب الخير" للآخرين.
أما إذا أحزننا تقدم الآخرين وتكاملهم وتنعمهم، وقلنا: لماذا يملكون هم ولا أملك أنا؟ ولماذا يفرحون؟ ولماذا ينجحون؟ فهذا هو الحسد الذي يحرق الإنسان كنار محرقة ويجعله مريضاً. فينبغي التحرز من هذه الصفة القبيحة والذميمة وإحياء صفة حب الخير للآخرين في نفوسنا وقلوبنا. يقول الإمام علي عليه السلام:
"... وَلاَ تَحاسَدُوا فَإِنَّ الحَسَدَ يَأكُلُ الإِيمانَ كَما تَأكُلُ النَّارُ الحَطَبَ".
ويقول في كلام توجيهي آخر له:
"صِحَّةُ الجَسَدِ مِن قِلَّةِ الحَسَدِ".

10- التأدب في الحديث: يرغب الجميع في أن لا يسمعوا من أحد كلاماً مُرّاً، وأن لا ينال من شأنهم أحد، وأن لا يكونوا عرضة للسعات ألسن الآخرين.
ويريد الجميع أن يتصرف معهم الآخرون في علاقاتهم الاجتماعية بأدب ولين وأن يتحدثوا معهم باحترام.
فهل لاءمنا نفوسنا مع هذه الرغبة المستحسنة؟ وهل عودنا ألسنتنا على التفوه بالكلام الحسن دائماً؟ وعلى ألا نجر مشاعر أحد؟ وألا نستهين بأحد؟ ولا نريق ماء وجه أحد؟ إذا كنا نؤمن جميعاً بأدب الحديث، فإلى أي مدى راعينا هذه القيمة الأخلاقية في كياننا؟
يشير الإمام علي عليه السلامإلى الإنسان الكامل بتأدّبه في الحديث فيقول:
"(المتقي) بعيداً فُحْشُهُ، لَيّناً قَولُهُ".
وحين سمع أن أنصاره يسبون أعداء الإسلام والقرآن، نصحهم بمراعاة الأدب في الحديث حتى مع الأعداء، إذ قال عليه السلام:
"إنّي أكرَهُ لكُم أن تَكُونُوا سَبّابِينَ".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

لبنان

اماني

2021-12-01 20:10:15

حتى ان هذه المقاله لو دققنا لوجدنا فيه بعض التناقض كأن نكون متأملين في حين وحينا آخر أن لا نتعلق بالأمل ،وبالنسبة لمن يخطؤون بحقنا وبحق هذه الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم ويغيرون وجهة قلبه ووجهة نفسه بل ويشكلونه بحقدهم وأنانيتهم، هل يستحقون المسامحه،لابأس فلنسامحهم وليتحمل هذا المجتمع أفراداً بدون هدف ودون إراده ،يسيروا في هذه الحياة برحمة الهيه قد أفلتوا أيديهم في فضاء الله ووكلوا أمرهم إليه وهو خير سند ووكيل