مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام السيد موسى الصدر: سيرة حياة ومواقف





تبدأ ترجمة حياة الإمام السيد موسى الصدر إلى ما قبل قرنين من ولادته فهو سليل عائلة علمية معروفة في لبنان والعراق وإيران، كان لها إسهامات علمية وجهادي وخصوصاً في جبل عامل حيث ولد جد العائلة السيد صالح شرف الدين الصدر عام 1710م في قرية شحور العاملية، والذي واجه الاستعمار التركي واعتقله أحمد باشا الجزار والي عكا وزج به في السجن مدة تسعة أشهر نجح بعدها بالإفلات والذهاب إلى النجف الأشرف، ولحقته عائلته، وجرى ولداه صدر الدين ومحمد علي على سنته فدرسا لدى كبار علماء النجف، إلا أن صدر الدين يمم وجهه شطر إيران إلى أصفهان بعدما وصل إلى رتبة الاجتهاد فاستقر في المدينة وخلف خمسة أولاد أصبحوا كلهم علماء وترك أصغرهم السيد إسماعيل أصفهان مرة أخرى ليستقر في النجف ويصل إلى مرتبة علمية رفيعة، وقبل أن يرتحل إلى الرفيق الأعلى مخلفاً أربعة أولاده أحدهم والد الإمام الصدر السيد صدر الدين الذي توجه إلى قم مجدداً بدعوة من الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائري.

ولد الإمام الصدر في مدينة قم المقدسة في 15 آذار 1928، وتلقى علومه الأولى في حوزتها وفي مدارسها العصرية، وكان لهذه الدراسة العصرية، وكان لهذه الدراسة العصرية والدينية أثراً هاماً على شخصية الإمام الصدر الفكرية والعلمية بدت واضحة بعد حين لدى انطلاقة عمله حيث تميز بشخصية حوارية هادئة تستفيد من العلوم الحديثة لتدعم طروحاتها الإسلامية وتطوع تلك العلوم لخدمة الدعوة التي انطلق فيها مبكراً. ومن كلية الحقوق في جامعة طهران حاز الإمام الصدر على إجازة في الحقوق وكانت عِمَّته على ما تقول بعض المصادر أول عمامة تدخل حرم هذه الكلية وتدافع بصبر وبشراسة عن الدور الذي تمثله هذه العمامة وتطرح الفكر الذي تحمله دون حواجز أو تعقيدات.
ولقد أتقن الإمام الصدر اللغتين العربية والفارسية وألمّ باللغتين الفرنسية والإنكليزية قبل أن يعود للتدريس في حوزة قم لمادتي الفقه والمنطق لطلاب المرحلة الأولى والثانية.. وفي قم أنشأ الإمام الصدر مجلة "المدرسة الإسلامية" باللغة الفارسي وكانت تعد من المجلات الدينية الكبرى في إيران في ذلك الوقت.

عام 1954 انتقل الإمام الصدر إلى النجف الأشرف ودرس المرحلة المتقدمة على المراجع الدينية، السيد محسن الحكيم السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ محمد رضا آل ياسين.. وتوطدت علاقته مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر..
تزوج الإمام عام 1955 وتزامن الزواج مع ذكرى عزيزة على قلبه وهي زيارة لبنان للمرة الأولى فحل ضيفاً على الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الذي أعجب بشخصيته وملكاته وأفكاره وفي لبنان زار موطن أجداده وتلمّس خلال اللقاءات ا لتي جمعته مع عدد كبير من الوفود الجنوبية حجم مشكلة الشيعة في لبنان والغبن اللاحق بهم مستشعراً الخطر الكبير على مستقبل الجنوب كمركز للاعتداءات الصهيونية وكساحة خصبة للحرمان الرسمي المتعمد، عاد الإمام بعدها إلى النجف سرعان ما أدركه الحنين فعاد مرة أخرى إلى لبنان عام 1957 مستطلعاً هذه المرة دقائق الأمور ليجد في هذا البلد طاقات كافية من الممكن تفجيرها فيما لو انتهج مشروع ممنهج طويل الأمد لاستقطاب هذه الطاقات وترشيدها.

وفي العام 1958 فجع المسلمون بوفاة السيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان حضوره القوي سداً لثغرة كبيرة في حياة العامليين، ولا سيما أن السيد شرف الدين كان رائداً للمقاومة العاملية ضد الاحتلال الفرنسي وكان له مواقف جريئة ضد المحتلين فضلاً عن دوره المميز في تجنيد آلاف العامليين لمواجهة نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 والتصدي للمحاولات الصهيونية المبكرة للمساس بالقرى العاملية المتاخمة للحدود اللبنانية. الفلسطينية، فكان لا بد من عالم يسد فراغ غياب السيد شرف الدين، وقرَّ القرار على الإمام موسى الصدر فوجه أهالي صور والجوار رسالة إلى المرجع الديني الأعلى في النجف السيد محسن الحكيم يطالبون بإيفاد السيد موسى الصدر إماماً لمدينة صور والجوار، وهذا ما حصل حيث انتقل الإمام الصدر ليعيش نهائياً في لبنان عام 1959 متخذاً من مدينة صور مقراً دائماً له ليبدأ مشوار التغيير الكبير في تنظيم الطائفة الشيعية في لبنان وفي المغتربات معتمداً على شخصيته الفذة وعلى بساطته وتواضعه فضلاً عن حركته التي لا تهدأ وزياراته المكثفة إلى القرى اللبنانية العاملية ومن بعدها البقاعية.

ومنذ اللحظة الأولى لنزوله صور بدأ يعمل على برامج اجتماعية وخدماتية وتربوية ذات أثر مستقطباً جمعاً من المثقفين والعلماء الذين توافقوا مع نهجه ولم تكد تمر سنة واحدة على استقراره في لبنان حتى منع التسول نهائياً في مدينة صور إيماناً منه أن المسلمين لم يخلقوا لمد اليد

ولهذا قصة طريفة لا بد من ذكرها إذ أن الإمام الصدر لاحظ انتشار ظاهرة التسول بكثافة في صور ولا سيما نهار الجمعة حيث تقام الصلاة جماعة في مساجد المدينة وعلى أبواب مساجدها كنت تجد عشرات المتسولين، فدعا الإمام الصدر الفعاليات إلى اجتماع عام في إحدى حسينيات المدينة لتدارس هذه الظاهرة وطلب دعماً مادياً من القادرين الميسورين للقضاء على هذه الظاهرة نهائياً، بعض الحضور شكوا بقدرة السيد على الأمر إلا أنه طلب مهلة شهر وهذا ما حصل.. وفي اليوم الثاني استدعى مجموعة من الأطباء إلى مسجد حي الرمل الذي كان يقيم فيه الصلاة يومها وكلف مجموعة من المؤمنين باستدعاء كل المتسولين في صور وجلس ينتظر، ظن المتسولون أن الإمام الصدر يدعوهم إلى وليمة أو أن لديه مساعدات مالية فتوافدوا بكثافة، ليجدوا بانتظارهم مجموعة من الأطباء بدأت تعاينهم واحداً واحداً، وترفع للإمام الصدر تقارير طبية حول صلاحية فلان أو فلان الجسدية، وفي النهاية تحدث الإمام الصدر معهم كاشفاً عن خطته، سوف يطلب من السلطات الأمنية المحلية منع كل قادر على العمل من هؤلاء المتسولين يتمتع ببنية صحية جيدة مع مساعدته على تحصيل عمل شريف له. أما الذين كشفت التقارير تدهور حالتهم الصحية أو إعاقتهم الصحية فمن الآن يجب أن يلزموا بيوتهم وسوف تصلهم مخصصات مالية شهرية ومساعدات غذائية، لأنهم هم أيضاً سوف يمنعون من التسول، وهكذا كان ولم يمض 15 يوماً على لقاء الحسينية حتى انعدم وجود المتسولين بشكل شبه نهائي في مدينة صور.

عموماً تميزت شخصية الإمام الصدر بخصوصية جرت عليه الكثير من المشاكل، هذه الخصوصية كانت انخراطه السريع في العمل السياسي وممارسته السياسة باحتراف، مما ألّب عليه أعداء كثيرون أهمهم ثلاث فئات وهي:
1- الإقطاع السياسي الذي اتهمه بأنه عميل إيراني يحضر لثورة في لبنان.
2- رجال الدين التقليديون المتحالفون مع الإقطاع السياسي والذين اتهموه بالانحراف وبتشويه صورة رجل الدين.
3- الماركسيون والملحون الذين اتهموه بمحاباة النظام وبأنه أحد رموز الطائفية السياسية في لبنان.

إلا أن الإمام الصدر كان له رأي خاص في هذه الاتهامات التي بقيت تلاحقه وتؤذيه حتى اختطافه عام 1978.
أسس الإمام الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كإطار يجمع طاقات الشيعة ويحد من التفاوت والحرمان الذي مس هذه الطائفة فتأسس في 17 أيار 1969 في عز الأزمة الوزارية في لبنان.
وقد ولد المجلس مبتور الصلاحيات فاقداً لموازنته الداخلية، إلا أن الإمام الصدر كان يريد من المجلس الإطار والعنوان الذي ينطلق منه في عملية بناء كبيرة لمؤسسات تربوية واجتماعية وصحية كمنطلق لتكوين نواة قوية تمكن من خوض المرحلة الثانية. والجدير ذكره أن المجلس جمع عدداً كبيراً من رجال الدين وأدى دوراً بارزاً وتاريخياً في جمع كتلة علمائية هامة لها حضورها في القرى والمجتمع.
أسس معه الإمام الصادق في صور للدراسات الدينية، وأتبعه بمؤسسة جبل عامل المهنية في برج الشمالي، ثم مدينة الزهراء (ع) في خلدة وغيرها الكثير من المشاريع ذات الطابع المحلي والقروي والتي كانت تستهدف أمداد القرى بالري، أو بالكهرباء أو السعي لشق طرقات وتعزيز صمود الجنوبيين الذين كانوا يدخلون يوماً فيوماً في قلب الصراع العربي الصهيوني.

وبالتزامن مع هذا كان الإمام الصدر يفتتح علاقات متميزة مع سائر الطوائف اللبنانية مشجعاً على تفاعل الطوائف من خلال مرجعياتها الروحية وأطرها الفركية والثقافية، وممهداً لجماعة ضغط كبيرة لمصلحة الجنوب تأسست عام 1970 تحت عنوان هيئة نصرة الجنوب وضمت غالبية رؤساء الطوائف اللبنانية وهدفت إلى إسماع صوت الجنوب محلياً وإقليمياً وعالمياً..

وفي العام 1971 بدأ يحضر لحركة شاملة بمواجهة حرمان الدولة لفئات اجتماعية متعددة فنادى بحق عرب وادي خالد بالتجنس وقاتل لإعادة العمل بقوة في المشروع الأخضر، وشدد على مظلومية البقاعيين والجنوبيين أمام التجاهل الواضح لهمومهم وقضاياهم ومطالبهم ليتحول عام 1974 إلى أحد أبرز وجوه السياسة في لبنان مجنداً الجمهور العريض في الهرمل وبعلبك وصور ومحذراً من ثورة اجتماعية آتية أسبابها الرئيسية، العدوان الصهيوني المتمادي على الجنوب، والتجاهل المقصود من قبل دولة الامتيازات الطائفية تجاه شرائح اجتماعية واسعة.
وفي أيام 1974 دق ناقوس الخطر مشهراً شعاره الخطير "السلاح زينة الرجال" متبعاً هذا الشعار بتساؤل مستند إلى الاختراقات الجنوبية حيث قال: "لماذا ننتظر حتى يحتل العدو الصهيوني أرضنا ثم نشكل فرق المقاومة لاستعادة هذه الأرض المحتلة، أليس المفروض منذ الآن أن نستعد ونحمل السلاح ونتصدى للعدو الصهيوني قبل تفاقم خطره"، وفي هذه السنة أعلن عن تأسيس حركة المحرومين.
وعندما انفجرت الحرب الأهلية عام (75- 76) أسهم الإمام الصدر أكثر من مرة بنزع فتائل التفجير وخصوصاً الطائفي فاعتصم عام 1975 في مسجد الصفافي رأس النبع احتجاجاً على تطويق زحلة واجتياح القاع ودير الأحمر.

وخلال الحرب أيضاً ظل يحذر بشكل كيف من الخطر الصهيوني الزاحف جنوباً قبل أن تنحرف المقاومة الفلسطينية وتتجه نحو مشروع لاستيطان مساحات واسعة في لبنان حيث تصدى لهذا المخطط بقوة فواجه حمل مركزة من الحركات الإلحادية اللبنانية والفلسطينية وصلت في ذروتها إلى تنفيذ محاولة اغتيال ضده إلا أن الله سلم وبقي يحذر من مخاطر تحول المنظمات الفلسطينية عن هدفها الرئيسي باتجاه لبنان، حتى بعد توقف الحرب عام 1977- 1978.

وفي العام 1978 عندما اجتاح العدو الصهيوني لبنان صب الإمام الصدر جل غضبه على الأنظمة العربية المتآمرة معتبراً أن الجنوب أصبح تحت رحمة مخططات خطيرة ليس أقلها مقايضته بفلسطين وجعله وطناً نهائياً للفلسطينيين، ورمى اللوم على العرب الذين منعوا من تسليح الجنوبيين وشجعوا منظمة التحرير على تغيير وجهتها النضالية. وهذا ما أدى إلى اختطافه بعد أشهر إذ أن النظام الليبي وجه له دعوة رسمية للمشاركة في ذكرى الفاتح من سبتمبر وهو عيد وطني ليبي فلبى الإمام الصدر الدعوة مصطحباً رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. وفي ليبيا انقطعت أخباره ولم يعثر له على أثر منذ عشرين عاماً.

يذكر أن الإمام الصدر وفي السنة الأخيرة قبل اختطافه عمل بما يملكه من علاقات وصداقات على نقل صورة وحقيقة الثورة الإسلامية المباركة إلى الدول العربية والمنظمات الإسلامية، وثمة معلومات أن الإمام الصدر كان ينوي السفر إلى باريس لزيارة الإمام الخميني بعد إنهاء زيارته لليبيا والتي انقطعت أخباره فيها.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع