كان سماحة الإمام السيد موسى السيد مصدر إشعاع، نموذجاً رفيعاً للعالم الرباني المجاهد، الذين تجود بهم الحوزات العلمية بين حقبة وأخرى من حقبات التاريخ، فقد انتهج ذاك المعمم القادم من قم، نهجاً جديداً، رسم معالمه باجتهاداته البكر التي كثرت حولها التحليلات بين مؤيد ومعارض ومشككٍ ومحايد، غير أنك سواءً أيدت أم عارضت خطه ونهجه، لا تستطيع إلا أن تعجب بالشخصية الصدرية التي حدثنا عن أهم خصائصها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة سماحة السيد إبراهيم أمين السيد بالإضافة إلى محطات أساسية في نهج الإمام الصدر.
عن الانطباعات التي تكونت لديه من خلال لقاءاته بالإمام الصدر وعن مميزات شخصيته القيادية قال:
لا أذكر أول لقاء مع الإمام، إلا أن لقاءات عدة حصلت كوّنت من خلالها نظرة تحمل الكثير من المضمون فيما يتعلق بشخصية الإمام الصدر، هذه الشخصية المميزة التي أحضرت رجل الدين في الساحة السياسية وفي الاهتمامات المجتمعية وفي قلب المعادلات السياسية الكبرى بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا الناس، بهذا تميز الإمام الصدر عن غيره من العلماء الكبار.
فهم الإمام الصدر الإسلام تعدى كونه فكراً خالصاً ليشمل القضايا الثقافية والعقائدية والاجتماعية، لذلك أعطى الإمام الصدر قيمة جديدة للعالم في لبنان، هذه القيمة تتمثل في العمل من أجل قضايا الإسلام السياسية حيث بدأ الإمام العمل السياسي الرسمي من موقعه كرئيس للمجلس الإسلامي الشيعي قبل الحرب اللبنانية وعاصر الوضع في أثناء الحرب وقام بمجموعة نشاطات على الصعيد الداخلي بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين والمسيحيين من جهة أخرى بالإضافة إلى نشاطه على صعيد العلاقات الخارجية الذي كان أكبر من نشاط الدول والحكومات، فقد دفع العالم الإسلامي والعربي إلى الاهتمام بالقضية اللبنانية فيما يتعلق بموضوع إسرائيل بنشاطه وحركته في العالمين العربي والإسلامي.
في ذلك الوقت كنا شباباً متحمسين نرى أن الإسلام حركة ثورية داخل المجتمع فوجدنا في الإمام الصدر نموذج العالم الديني والقائد السياسي الذي يملأ الفراغ ويناغم هذا الطموح، وهذه الشخصية قلما تحدث في التاريخ، مر نماذج من هذا النوع بفعالية كبيرة كالشهيد الثاني والسيد عبد الحسين شرف الدين.
تضافرت في شخصية الإمام الصدر عوامل القوة فمن قوة الفكرة إلى قوة المنطق وجاذبية الحضور والطلة إلى الأسلوب السلس الطيب، فقد كان يغطي على المكان الموجود فه بعبارته الأدبية، لقد كان ساحراً حقاً، يبهر من يجلس معه سواءً أكان من الرؤساء أو من الناس العاديين والشواهد على ذلك كثيرة، شيء آخر يحضر في الذاكرة عندما نتكلم عن هذه الشخصية العظيمة هو تواضعها وحفاظها الدائم على العلاقات الوطيدة مع الشرائح المسحوقة والمستضعفة.
* وعن مدى نجاح السيد الصدر في استنهاض الساحة الإسلامية عموماً والشيعية على وجه الخصوص في لبنان قال:
حمل الإمام الصدر قضايا المحرومين (واعتقد أنه أول من أصدر كتاباً من خلال المجلس يتضمن إحصائية دقيقة للقدرات الشيعية العلمية والمالية وغيرها..) ورأى أن خدمتهم تقتضي إنشاء مؤسستين واحدة إدارية وأخرى جهادية.
فيما يختص بالأولى: أنشأ المجلس الشيعي لإيجاد مؤسسة تنظيمية تمثل المرجعية الدينية والرسمية للطائفة الشيعية، أسوةً بباقي الطوائف الموجودة في لبنان، ومن هنا كان لنا رؤية معينة تختلف قليلاً عن رؤية السيد فيما يختص بالمشاركة في الهيئة العامة للمجلس فقد كان السيد حريصاً على أوسع مشاركة في الهيئة العامة وكان يصر على اجتذاب الشخصيات العلمائية الكبيرة لأن تفكيره كان ينصب على الوضع الشيعي العام.
هنا اختلفنا معه لأننا كنا نرى أن معظم هذه الشخصيات كانت ضده، أما المؤسسة الثانية فقد تمثلت في حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية لمقاومة الاحتلال، هذه المؤسسة كانت جنباً إلى جنب مع المجلس الشيعي وتعمل في اتجاهين:
الاتجاه الأول: سياسي شعبي يضغط على السلطة من أجل تحقيق مطالب المحرومين.
والاتجاه الثاني: تمثل في العمل المسلح ضد إسرائيل.
لقد نجح الإمام الصدر نجاحاً سريعاً وباهراً لأسباب كثيرة تتعلق بشخصيته وبنمط قيادته وأخرى تتعلق بطرحه وبرؤيته السياسية وقدرته على استقطاب الناس واجتذاب الطاقات واستثمارها في الاتجاه الصحيح بالإضافة إلى أن الوضع الشيعي كان مهيئاً حينها.
الأمر الآخر يتعلق بالإسلام لأن الإمام الصدر طرح حركة تعتمد على الإسلام القرآني الشمولي تتعاطف مع الشخصية الإسلامية الدينية، لذلك لم يواجه عوائق في العلاقة بينه وبين الناس.
النجاح كان كبيراً إلى حد شعر البعض بأن السيد موسى يسحب البساط من تحت أقدامهم، وعندما لم يقدروا على مواجهته بالمنطق أطلقوا عليه سيلاً من الشائعات فمرة اتهموه بأنه عميل إسرائيلي ومرة بأنه جاسوس لكي يشوهوا صورته ويحدّوا من حجم الاستقطاب الذي حصل عليه، إزاء هذه الشائعات قال الإمام الصدر: "أنا أشكوهم إلى الله".
استطاع الإمام بعظمة أن يرفع شعبه من الحساسيات ولم يستطع الآخرون أن ينزله إلى تلك الحساسيات.
* وفيما يتعلق بموقف الإمام الصدر من الثورة الإسلامية المباركة في إيران قال:
ليس لدي معلومات تفصيلية عن علاقته بالإمام الخميني، لكن ما فعله الإمام من أجل الثورة الإسلامية كان واضحاً وقول الإمام الخميني في السيد موسى كان واضحاً أيضاً. وإلغاء الشاه لجنسية السيد موسى كان دليلاً واضحاً على تألمه من نشاطه الخارجي لمصلحة الثورة، كما كانت علاقته مع الإيرانيين الموجودين في أوروبا متينة، مثلاً علاقته مع الشهيد شمران (الذي كان من أنشط الرجال الممثلين للثورة في أميركا) كانت قوية جداً إلى حد أصبح يده اليمنى بعد مجيئه إلى لبنان.
* وفيما يختص بموقفه من الاحتلال الإسرائيلي للبنان وعن موقع المقاومة الإسلامية في خط وفكر السيد موسى الصدر أجاب السيد قائلاً:
إن الذي يقرأ فكر الإمام الصدر يعرف أمرين أساسيين:
الأمر الأول: كان تعيين المشكلة الأساسية في المنطقة المتمثلة في التهديد الإسرائيلي الذي يلقي بتأثيراتها السلبية على كل المنطقة، وقد عبر عن رؤيته بقوله: إسرائيل شر مطلق، لذلك كانت الأولوية في نظره لمواجهة هذا التهديد.
الأمر الثاني: عبَّر عنه بكلمته الشهيرة: "قاتلوهم بأسنانكم وأظافركم" هذا القول يؤسس لثقافة الصراع ويتضمن دعوة لقتال إسرائيل من الداخل ولهذا قال لياسر عرفات: اعلم يا أبا عمار أن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين. وعلى ذلك فإن المقاومة الإسلامية تمثل أمل الإمام الصدر وما يحصل الآن على جبهة المقاومة يمثل الشيء الذي كان يرغب الإمام الصدر بالوصول إليه.