رئيس التحرير
كانت الدنيا مسرحاً لكل أنواع الصراع.. صراع بين الكبير والصغير... ففي عالم الكبار لا وجود للصغار.. إلا بما يخدم مصلحة الكبار.. وصراع بين الأبيض والأسود... ففي عالم البيض، إما أن يكون السود عبيداً لهم أو لا يكونوا.. وصراع بين كل قوم مع القوم الآخرين، بسبب أو بلا سبب، فحيث تسود شريعة الغاب يخطئ من يبحث عن الأسباب.
وكانت قوافل البشر تسرع باتجاه الهاوية.. فلا أمل بالنجاة في هذا البحر من الظلمات الذي تلاطمت أمواجه حتى حجبت الحقائق عن أغلب البشر، إلا قلة قليلة من أصحاب القلوب الوالهة، الذين أصابهم القنوط من هذه الأكداس البشرية، ولكن بقيت قلوبهم معلقة بالسماء ترنو إليها، حيث تعرفوا ببصائرهم إلى رب الأرباب، إذ هو وحده قادر على تغيير وجهة التاريخ، ويتحقق ذلك الحلم الذي بشرت به السماء من خلال سفرائها الكرام الذين طالما توسلوا بذلك السر الإلهي الكبير، وقدموه بين يدي طلباتهم وحاجاتهم.
وتتزلزل قصور الأكاسرة والقياصرة إيذاناً بمولد سيد الكائنات، ذلك أن هذه القصور سوف تكتب على يديه نهايتها... ليبدأ عصر النور الإلهي الذي لا يفرق فيه بين كبير وصغير، ولا بين أبيض واسود، ولا بين عربي وعجمي، ولا يسعى فيه الحاكم لزيادة ملكه وسلطاته إلا بما يخدم مصلحة الناس المستضعفين، وليتحقق فيما بعد قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾َ ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
إنها المنّة الإلهية الكبرى على البشر، فلم يكن مولد الهدى مجرد حدث عابر يمكن تجاوزه، بل كان منعطفاً تاريخياً عظيماً، سيكون له الأهمية العظمى في ما يلي ذلك التاريخ، ولم تكن تلك الأحداث التي رافقت المولد الشريف لسيد الكائنات، إلا مؤشرات ودلائل على هذه العظمة.
ولم يكن ذلك "الشيء" مجرد حادثة تاريخية مضت، بل أنه تاريخ دائم التجدد، فالأمة التي لا يوحدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لن يوحدها شيء، بل سوف تبقى التفرقة تمزق حتى أشلاءها المبعثرة، والتاريخ حاضر بيننا ويشهد على هذا.
لقد تمكنت أمة الإسلام التي لم تكن تمتلك شيئاً أن تصبح خير أمة أخرجت للناس.
بينما لم يستطع "وارثو" هذه الأمة رغم الإمكانات الهائلة أن يوقفوا تراجعهم فضلاً عن أن يتقدموا خطوة إلى الأمام.. وتبقى الوحدة الإسلامية مطلوبة في كل حال، فهي وإن بعدت المسافة، سوف تتحقق، ولن تتحقق إلا إذا كنا نحن على مستوى الأمانة.