الشيخ محمد توفيق المقداد
من أهم الأهداف التي يصبو إليها التشريع الإسلامي هو إيجاد وتحقيق التوازن في الحياة الإنسانية بشكل عام بما يخدم التوجهات الإلهية المحددة، باعتبار أن الحياة الدنيا هي وسيلة للوصول إلى المقصد النهائي وهو "حياة الدوام والبقاء" في عالم الآخرة وفق المسار الذي اختاره الإنسان.
وهذا ما يفترض بالمجتمع المسلم أن يكون في سلوكه الاجتماعي العام متوافقاً ومنسجماً بل ناتجاً عن تلك التوجهات الإلهية، وهذا ما يعني أن يكون المجتمع ملتزماً بالإسلام عقيدةً وسلوكاً وهدفاً، وأن يكون السعي العام من خلال مجموع تحركات الأفراد في كل المجالات وعلى كل المستويات هو السمة الظاهرة للوصول إلى إمكانية وصف المجتمع الإسلامي بالملتزم والمتوازن.
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات المباركة التي تؤكد هدفية والتزام المجتمع المسلم كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾
والمردود الايجابي لالتزام المجتمع المسلم لا بد أن يكون بشكل العمل الصالح الذي يرضاه الله ويكون نافعاً لمن قام به ولمن حوله من الأفراد الآخرين، ويعكس الصورة الجميلة والمشرقة للحياة الاجتماعية العامة البعيدة عن اللغوية والعبثية والسفاهة والرذيلة وما شابه ذلك من هذه الأوصاف القبيحة التي لا تليق بمجتمع المسلمين الذين وصفهم الله كأمة بقوله: ﴿كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..﴾
وقد ورد في القرآن الكريم بالخصوص العديد من الآيات الكريمة التي توضح أن المجتمع الملتزم لا يمارس أمور اللغو والعبث لأنها على الطرف الآخر البعيد عن مسار ذلك المجتمع، ولذا ورد قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ وكذلك في آية أخرى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾.
وقد ترجم علماؤنا ومراجعنا العظام عبر تاريخ الإسلام هذه التوجهات الإسلامية للمجتمع الملتزم إلى فتاوى وأحكام تحدد للفرد المسلم الموقف الشرعي والوظيفة الإلهية تجاه كل الأمور، سواء في المجال الايجابي المتوافق مع الأغراض الإسلامية، أو في المجال السلبي المتناقض معها، بحيث يتمكن الفرد المسلم الملتزم من التعامل بوضوح مع كل تلك الأمور، فلا يترك ما هو ايجابي لنفسه ولصفة مجتمعه، ولا يفعل ما هو سلبي لنفسه ولسلبية صفة مجتمعه، ويضمن بالتالي من خلال هذا الجو المنضبط الاستقامة في السير مع الخط الإلهي المرسوم للحياة الإنسانية.
واللغو على ما فسروه هو "الفعل الذي لا فائدة فيه"، وهو بتعبير آخر وفق مقياس الإسلام هو "العمل المباح الذي لا نفع منه في الآخرة أو الدنيا ولا ينتج عنه سوى تضييع الوقت وهدره في قضايا وأمور غير نافعة".
وأما اللهو فهو على ما فسروه ما لهوت به ولعبت به وشَغَلكَ من هوى وطرب ونحوهما فغفلت به عن غيره، أو هو ما تسليت به وتركت ذكر شيء آخر بسببه، وبالجملة فمعنى اللهو هو الأمور الباطلة التي تستهلك وقت الإنسان ويترتب عليها تبعات التحريم عند الله واستحقاق ألقاب وما إلى ذلك من المنافاة والتضارب مع حالة التوازن والالتزام في الشخصية الفردية من جهة أو الشخصية الاجتماعية للإنسان المسلم من جهة أخرى، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "اللهو قوت الحماقة" و "اللهو ثمار الجهل".
وللهو كما تشير إليه معانيه اللغوية أو الشرعية عدة أنواع من الأمور المندرجة تحت لفظه وعنوانه كالغناء والطرب والموسيقى والكلام الباطل.
ولا شك في أن الزمن الحاضر الذي نعيش فيه يحتوي على الكثير من المظاهر الفاسدة والمفسدة التي تندرج تحت عنواني "اللغو واللهو" والتي يعتبر وجودها وانتشارها خطراً على التزام وهدفية المجتمع الإسلامي، ولذا كان لا بد من مواجهة هذه الأجواء المنحرفة بالفتاوى والأحكام الرادعة التي تستطيع أن تقف حاجزاً وسداً منيعاً بينها وبين المسلم لحمايته من شرورها وأخطارها ومفاسدها على المستويين الخاص والعام.
وقد تكفل بذلك فقهاؤنا العظام وخاصة سماحة القائد آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" حيث افرد باباً كبيراً تصدى فيه لهذه الأمور، ومن فتاواه في هذا المجال: (لا يجوز التكسب بالأمور المحرمة شرعاً من قبيل بيع لحم الخنزير أو الخمر أو إنشاء ملاهٍ ليلية أو مراكز للفساد والفحشاء وسرب الخمور وأمثال ذلك، ولا تُملَك الأجرة المأخوذة في مقابل ذلك العمل المحرم).
* ما هو حكم بث الموسيقى والأغاني المفرحة والمثيرة للبهجة في حفلات الأعراس.
- لا تجوز فيما لو كانت من الغناء أو من الألحان اللهوية المطربة المناسبة لمجالس اللهو والعصيان أو كانت مما يترتب عليها مفسدة من المفاسد.
* هل صحيح ما يقال من أن للموسيقى جذوراً في الإسلام، وبالموسيقى يمكن الوصول إلى الله؟ المراد من الموسيقى هنا "الموسيقى العرفانية"؟
- ليست الموسيقى من طرق الوصول إلى الله واكتشاف عظمة عالم الوجود ومعرفة الخالق المتعالي، ولا يُنال ذلك من خلال الموسيقى، على أن الترويج للموسيقى والاهتمام والاشتغال بها يتنافى مع أهداف الحكومة الإسلامية.
* هل يجوز للزوجة أن تغني في حضور زوجها فقط؟
- يحرم التغني وإن كان من الزوجة للزوج أو بالعكس.
* ما هو حكم الحضور في مجالس الأعراس؟
- إذا لم يكن المجلس بنحو يصدق عليه مجلس لهو محرم ومجلس معصية فلا إشكال في المشاركة والجلوس.
* ما هو حكم بيع وشراء وإجارة أفلام الفيديو المبتذلة؟
- إن كانت الأفلام مما تحتوي على الصور الخلاعية المثيرة للشهوة الموجبة للانحراف والفساد أو على الغناء أو الموسيقى اللهوية المناسبة لمجالس اللهو والعصيان فلا يجوز إنتاجها ولا بيعها وشراؤها ولا إجارتها ولا إجارة الفيديو للانتفاع بها في ذلك.
* ما هو حكم الاستفادة من جهاز الالتقاط من القمر الصناعي للاطّلاع على البرامج العلمية؟
- البرامج التي تُبثّ عن طريق الأقمار الصناعية الغربية وأكثر الدول المجاورة بما أنها تحتوي على تعليم الأفكار الضالة وعلى تزييف الحقائق وتشتمل على برامج اللهو والفساد ومشاهدة مثل هذه البرامج مضافاً إلى كونها تضييعاً للوقت تسبب الوقوع في الفساد والابتلاء بالحرام، فلذا يحرم شرعاً الاستفادة من جهاز الالتقاط لمشاهدة تلك البرامج - نعم لو كانت البرامج علمية مفيدة أو قرآنية وشبههما ولم تكن مشاهدتها تستلزم أي فساد ولا الابتلاء بأي عمل محرم فلا بأس بمشاهدتها باستخدام الجهاز المذكور.
* ما هو حكم قراءة الكتب والأشعار المبتذلة المثيرة للشهوة؟
يجب الاجتناب عنها.
* هل يجوز للمرأة أن ترتدي في حجابها ولباسها ما يلفت أنظار الغير أو يثير الشهوة؟
- لا يجوز لها لبس ما يكون من حيث لونه أو شكله أو كيفية لبسه مما يجلب نظر الأجنبي ويوجب الفتنة والفساد.
* هل يجوز ضرب الرأس - في ذكرى عاشوراء - بالسيف حتى يخرج الدم منه أم لا؟
- هذا العمل ليس من مظاهر الحزن والعزاء التقليدي وليس له سابقة من السلف الصالح من أصحاب الأئمة عليه السلام، ويكون مما يوهن المذهب في الوقت الراهن فلا يجوز.
* في بعض الأحيان يقام حفل ضيافة جماعية من جانب أساتذة أو جامعة إحدى البلدان الأجنبية ومن المعلوم مسبقاً وجود المشروبات الكحولية في تلك المجالس، فما هو التكليف الشرعي للطلبة الجامعيين الذين يريدون المشاركة في هذا الحفل؟
- لا يجوز الحضور في مجلس تُشرب فيه الخمور، ودعوهم يعرفوكم بما أنكم مسلمون تعارضون شربها.
هذه الفتاوى والاستفتاءات هي مجرد نماذج عن بعض أمور اللغو واللهو والعبث التي يريدنا الإسلام أن نتجنب عنها أو نتحرز منها، لأن الانغماس في هذه الأجواء قد يؤدي إلى المفاسد الاجتماعية والأخلاقية التي تضرب وبعمق التوجهات والأهداف الإلهية للحياة الإنسانية، وتجعل من حياة الإنسان حياة عبث ولغو يفقد فيها الإنسان القيم والمُثُل والمبادئ، ويتحول مع هذا الاتجاه المنحرف لأن يصبح مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾