اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

أدب الأنبياء: النبي هارون‏ عليه السلام‏


سكنة حجازي‏


بعد أن ذكرنا في حلقاتنا السابقة أدب عدد من الأنبياء الصالحين عليهم السلام في أسلوب خطابهم لله عز وجل، نتناول في هذا العدد أدب النبي الوزير هارون أخي النبي موسى عليه السلام - علنا نقف ونتأسى ببعض أدبه في شدة التزامه بأوامر القيادة واحترامه لها، باعتبار أنها أوامر الله تعالى إذ لا مبدل لكلماته - ونبدأ ببعض الآيات التي تذكر هذا النبي العظيم.

 ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ (الفرقان: 35).
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ (القصص: 34).
 ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ (الصافات: 114).
 ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُون﴾َ (الصافات: 120).
 ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي  *  هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي  * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي  *  كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *  إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ (طه: 29 - 35).
 ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾  (مريم: 53).
 ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (الأنبياء: 48).
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين﴾َ  (الأعراف: 142).

عندما يرسل الله تعالى نبياً إلى قوم كقوم بني إسرائيل أشد الناس جدلاً ومعاندة.

وعندما يطلب الله تعالى من نبي أن يذهب إلى حاكم ظالم مدّعٍ للألوهية كفرعون، وأقباط متجبرين كأقباط اليهود، لا شك أن الرسالة تحتاج، بالإضافة إلى القائد الصلب الذي يحملها ويتابعها، إلى وزير معين يملك شخصية مميزة وحجة بيّنة، ولساناً فصيحاً يعاضد ذلك النبي المرسَل لتكون محبة الله أبلغ وإيصالها أعمق وأوسع، ولا يبقى أمام القوم سوى التسليم والرضوخ أو التمادي في الغي والطغيان المؤديان إلى الهلاك والفناء في الدنيا، وفي الآخرة أشد العذاب.
وكان ذاك النبي هارون عليه السلام وزير أخيه كليم الله موسى عليه السلام، كوزير النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام علي  عليه السلام
كلّ يشد عضد أخيه ويؤازره في دعوته ولا بفضل عن الآخرة في فعل أو قول - هكذا هي الرسالة الواسعة تحتاج القيادة فيها مع الأقوام إلى مؤازرة وإلى مرشد وإمام يقودها ويرشدها مع غياب القائد.
هذه هي حال النبي هارون عليه السلام الذي اقترن ذكره بذكر أخيه موسى عليه السلام، والذي شدّ عضد أخيه في مواجهة فرعون وملأه من بني إسرائيل الذين عتوا عن أمر ربهم وعبدوا العجل وهارون بين أظهرهم ينهاهم عن تصديق ذلك السامري المدعي بالمعرفة.

كان النبي هارون فصيح اللسان عظيم البيان شديد الحجة - ولم يرد مخاطبته لله تعالى وحدهُ ولا المخاطبة الفردية من الله له، إلا ما اقترن من توجيه الأمر الإلهي للنبي موسى عليه السلام ودعائه له ولأخيه  ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾(يونس: 75).
وما دعا به النبي موسى عليه السلام عندما طلب ما طلب لإعانته في تبليغ الرسالة والقيام بالدعوة - (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري..).
وعلل هذا الطلب أو ما ينتج عنه من تسبيحهما الكثير لله تعالى كنتيجة حتمية في مقابلة التوفيق الإلهي لهما، وربما كان التسبيح والذكر الكثير هو ذكر الدعوة ونشرها بشكل أوسع  ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا  * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾  (طه: 33 - 35).
ولا شك فقد أطاع القائد النبي أخاه مع أنه أكبر منه، فلم يكن يتكلم إلا فيما تسمح له الدعوة والمؤازرة، أو في غياب أخيه بحيث كان يتابع بني إسرائيل ولا يتركهم لتضليل فرعون ومن حوله - ومع ذلك ضلوا - وما سمعوا إلا قليل منهم وبعد الكثير من الانذارات والآيات الباهرات من الله تعالى.
 ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾  (طه: 90).
فلم يكن يقوم إلا بما يكلفه به أخوه على ما ورد في آيات القرآن الكريم: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾.
وبالرغم من فصاحته، وانطلاق لسانه، إلا أن بني إسرائيل استضعفوا النبي هارون عندما بقي وحده معهم واتبعوا السامري ولم يسمعوا أمره، وكادوا يقتلونه، وعندما عاد النبي موسى عليه السلام من ميقاته ووجدهم قد ضلوا وبدأوا يعبدون العجل غضب تلك الغضبة لله وعاتب أخاه، ثم دعا ربه ليغفر له ولأخيه ليدخلهما في رحمته حتى لا يصيبهما آثار ذنوب بني إسرائيل العاتين.
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾  (الأعراف: 150 و 151).

لين الجانب هذا من النبي الصابر والصادق هارون عليه السلام تجاه أخيه وتجاه الله تعالى يظهر عدم احتجاجه على أخيه وعدم تأففه حتى مما بدر من أخيه مما يُستوهَم منه أنه غضبٌ عليه، بل نبّه أخاه إلى ما قد يفهمه الأعداء، خطأ، من غضب موسى عليه السلام، وطلب من أخيه أن لا يأخذه بذنب الظالمين.

وهذا يعلمنا أدب احترام القيادة والامتثال لأوامرها حتى لو كان الآمر والناهي نبيين ولكن القيادة لأحدهما فعلى المأمور أن ينفّذ دون اعتراض أو تأفف وتذمر، هكذا هي الرسالة في التكليف وفي الأداء.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع