أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

ثقافة وفكر: "العولمة"

 


بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كثر الحديث عن "العولمة" التي تكرّس زعامة القطب الواحد وتُعنى بتعميم نمطه الحضاري، وعادة ما يتم الحديث عن العولمة بمستوياتها الثلاثة: السياسة، الاقتصاد، والثقافة.
وبما أن التحدي الحقيقي ليس تحدي الأدوات التقنية والطموحات السياسية بقدر ما هو تحدي الثقافة والحضارة، فإننا سوف نتوقف على أبعاد العولمة ثقافياً في صفحة "قضية" من هذا العدد. 
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾َ.

العولمة في معناها اللغوي تعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله وهي تعني في المجال الثقافي، العمل على تعميم النمط الحضاري الأمريكي على بلدان العالم أجمع.
وهي بذلك تختلف عن العالمية، فالعولمة Globalisation إرادة للهيمنة والقمع وإلغاء الخصوصي، أما العالمية Universality فهي طموح إلى الرقي بالخصوصية إلى مستوى عالمي واغتناء للهوية الثقافية بها وإخصابها وتوسيع مجالاتها وآفاقها.
وهذا يختلف عن التشويش على نظام القيم وتوجيه الخيال وتنميط السلوك وتكريس الاستتباع الحضاري الذي تعنيه العولمة.
وبغض النظر عن المراحل التاريخية التي قطعتها "العولمة" كمفهوم حتى وصلت إلينا على ما هي عليه من رؤى وأفكار، فإن مخاطر وسلبيات تطبع علاقة العولمة بالمسلمين على المستوى الثقافي أبرزها:
ـ أن العولمة نظام يعمل على إفراغ الهوية الثقافية الأصيلة وبث الثقافة المحمّلة بإيديولوجية معينة، ايديولوجية التسطيح وتغيير نظام القيم وتنميط الذوق وتوجيه الخيال نحو الأنماط الاستهلاكية الغربية الأمريكية على وجه التحديد.
ـ تكرّس العولمة الثنائية والازدواجية في الهوية الثقافية الإسلامية الأمر الذي اعتبره حتى بعض علماء الغرب عائقاً أساسياً أمام التقدم والتطور بسبب الاحتكام بعلوم وقيم حضارية خاصة بالمجتمعات الغربية التي لا تنسجم مع مجتمعاتنا الإسلامية بسبب اختلاف الظروف والبيئة الاجتماعية.
هذه الثنائية تكرّس الانشطار في الهوية الثقافية الإسلامية أمام خيارين:
أولاً: نفي التراث والقيم والتنحي عنها لأخرى بديلة وافدة لا تنسجم مع مجتمعاتنا الإسلامية.
ثانياً: تحديث التراث بالوسائل الحضارية المستوردة التي لا تنسجم إرشاداتها مع واقعنا، وهذه الثنائية لا تقتصر على اللحظة التاريخية الراهنة بل تتعداها إلى الأجيال اللاحقة.
ـ إن تأصيل الثقافة وإخصابها عادةً ما يكون من الداخل الجوهري لا من الخارج السطحي الذي يستخدم الصورة السمعية والبصرية لترويج الذوق الاستهلاكي.
فقد رصد الباحث بنيامين باربر قائمة بأهم الأفلام التي عرضت عام 1991 وسيطرت على الأسواق في اثنين وعشرين دولة حول العالم تمتد من البرازيل إلى بولندا وماليزيا وبين أنها أفلام أمريكية شهيرة في الوقت الذي يعاني إنتاج السينما المحلي في هذه البلاد أزمات حادة.

وقد تصاعد الهاجس الثقافي في بلدان العالم كافة بما فيها أوروبا نفسها التي لم تخف قلقها من "أمركة" اللغة والأدب والفن وحتى الذوق والغذاء والزي الأمر الذي اضطر السلطات الفرنسية لمواجهة ذلك إلى حظر استخدام المفردات الانكليزية في وسائل الإعلام أو في الإعلانات والمحال التجارية.
وإلى ذلك الكثير مما ركز عليه بعض المفكرين من مظاهر العولمة كالسطحية والتنميطية والمخاطر التي تهدد الموروث الثقافي والحضاري والتماسك الاجتماعي والسياسي.

على أنه لا يجب أن يفهم مما سبق أننا إزاء تحليلات تهويلية تدعو إلى القوقعة والانعزال بقدر ما أردنا تبيان تأثيرات العولمة على الهوية والانتماء لكي لا نتصرف على أساس أنها قدرٌ لا مفر منه، ولكي لا نقبل سلفاً بالتخلي عن خصوصياتنا الحضارية بذريعة مواكبة العصرنة.
علينا أن نسعى إلى فهم حقيقي لـ"العولمة" بتناقضاتها وايجابياتها حتى يتسنى لنا الاستفادة من الايجابيات وتلافي السلبيات، وقبل ذلك وبعده علينا الارتباط بهويتنا الأصيلة المنبثقة من تاريخنا وواقعنا حتى نغدو أمةً فاعلة في الحاضر، صانعةً للمستقبل.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع