د. سمر بدر الدين لبقية الله: الرشح ليس حكراً على الشتاء
حوار: حسن ريا
الرشح ليس مرضاً خطيراً، لكنه أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، ومن منا لا يصاب به، فمن النادر أن تمر سنة ولا يصاب أحدنا به، ومن الشائع أن الإصابة به تكثر في الشتاء، ومن باب لقاء الضوء على هذا المرض من ناحية آثاره، عوارضه، خطره، كيفية معالجته ومدى انتشاره، التقت مجلة بقية الله الأخصائية في الأمراض الجرثومية والداخلية الدكتورة سمر بدر الدين خريجة الجامعة الأميركية في لبنان في الطب العام والمختصة في جامعة Waine State Universite الأميركية وحائزة على شهادة الـ BOARD الأميركية وهي أعلى شهادة في الطب ومقدرة في كل دول العالم.
* تعريف بالمرض:
* ما هو مرض الرشح أو الزكام وما هو منشأ التسمية؟
- مرض الرشح هو مجموعة من الأمراض الثانوية، يسببها أي من مئتي فيروس مختلف، ومنشأ تسمية الرشح هو فعل رشح أي الأنف الراشح.
* إلى أي عائلة من الفيروسات ينتمي الرشح؟
- عادة الرشح ينتمي إلى ثماني أو عشر عوائل رئيسية من الفيروسات منها الادينوفيروس والراينوفيروس والأفافيروس وهذه الفيروسات بدورها يتفرع منها عدة عائلات كلها تنتشر بنفس الطريقة وكلها تسبب ذات العوامل - باستثناء فيروس الانفلونزا التي تسبب الرشح البسيط لكن فيروس الأنفلونزا ممكن أن يسبب مرضاً خطيراً وقوياً نسميه عادة بالرشح القاسي.
* الأعراض:
* ما هو الفرق بين الرشح والأنفلونزا وما هي عوارض كل منهما؟
- الرشح هو المرض العام الذي تسببه عشرات الفيروسات والأنفلونزا هي فيروس تدخل تحت إطار هذا المرض العام، لكن الأنفلونزا نسمعها أو نذكرها أكثر لأنها أقسى من الرشح والمصاب بها هو مريض فعلاً حيث تضطره للنوم في الفراش وتنتابه رعشات من البرد ويصاب بصداع في الرأس وألم في كل أنحاء الجسم والعضلات وارتفاع في الحرارة. وفي بعض الحالات لا يستطيع المريض فتح عينيه وتسبب أحياناً بالتهابات حادة في الرئتين قد تكون قاتلة أحياناً، فهذه هي عوارض الانفلونزا، أما الرشح فعوارضه عبارة عن أنفٍ راشح - يكون الإفراز الأنفي في بداية الإصابة مائياً ثم يتكثّف وينحصر لونه قليلاً - وعيون دامعة، وتعطيس، وممكن أن تصل إلى التهاب في الحلق وبحة في الصوت وسعال، ومن عوارضه أيضاً صداع خفيف، إذاً الرشح بخلاف الأنفلونزا فالمصاب به يستطيع أن يقوم بكل أنشطته وأعماله، من هنا فإنه عندما يأتينا مريض عنده حرارة مرتفعة مصحوبة برعشات بردية وألم في العضلات وفي كل أنحاء الجسم وفاقد الشهية فنستنتج أنه مصاب بالأنفلونزا، لذا انصح المصابين بهذه العوارض أن يستشيروا الطبيب الاختصاصي ليساعدهم على تخطي الأزمة دون الإصابة بالالتهابات الحادة في الرئتين.
* التأثيرات الجانبية:
* ما هي التأثيرات الجانبية للرشح وهل هناك خطورة في بعض الأحيان؟
- الرشح ليس خطراً وهو إجمالاً مرض بسيط، غير أنه يزعج المريض وممكن أن يجبره على البقاء في المنزل يوماً أو يومين، وله تأثيرات وعوارض جانبية فهو يؤثر على كل أجزاء الجهاز التنفسي كإصابة الجيوب الأنفية والقناة التنفسية العليا بالالتهابات وممكن أن يهيج القصبة الهوائية فتسبب السعال أو الحنجرة فتسبب البحة في الصوت.
وهناك أنواع من فيروسات الرشح إذا أصابت حديثي الولادة فإنها تسبب لهم نوع من الحساسية تشبه حساسية الربو، ومن التأثيرات الجانبية أيضاً أن المريض يشعر بعد شفائه من الرشح أن بعض التغيرات في جسمه والتي سببها الرشح ما زالت موجودة مثل التغيرات في الجيوب الأنفية والرئتين. إذاً الخطورة بمعنى الخطورة تكمن فقط في التسبب بالالتهابات الرئوية وحساسية الربو عند حديثي الولادة.
* أسباب الإصابة ووسائل الانتشار أو العدوى:
* عادة نسمع من البعض وما هو سائد في المجتمع أن الخروج بعد الاستحمام والتعرض للهواء والبرد القارس أو عدم ارتداء الجوارب في الشتاء وغسل الوجه واليدين بالماء الشديد البرودة، هي من مسببات الرشح، فهل هذا صحيح؟
- هذا غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد وغير مثبت علمياً، حتى أكل البوظة في الشتاء أو الانتقال من جو دافئ إلى جو بارد أو التغير في الحرارة المحيطة في الجسم، لا تسبب الرشح إنما تسبب تشنج في العضلات، أما الحالات التي يرشح فيها من الأنف بعض السوائل والإفرازات الأنفية والتي تكون بسبب تقلبات الحرارة المحيطة بالجسم وتعرض الأنف للهواء البارد تارة وللساخن تارة أخرى، وصحيح أن هذا الأمر يسبب بعض الإزعاج لكن ليس دلالة على أنه رشح كما يقول البعض، فالمسبب الوحيد للرشح هو التقاط الفيروسات.
* كيف يتم التقاط الفيروسات وانتقال العدوى؟
- إن أهم وسائل التقاط الفيروسات وانتقال العدوى هي:
1 - عبر النفس، أي إذا سعل المصاب أو عطس في وجه الآخرين فهم معرضون في هذه الحالة للإصابة بفيروس الرشح الذي يحمله المصاب.
2 - الوسيلة الثانية والتي لا ينتبه لها الناس عادة هي عبر الأيدي أي أنه عندما يستعمل المصاب منديله لإزالة ما يرشح من أنفه أو عندما يسعل أو يعطس ويضع يده على فمه ثم يصافح أحدهم الذي بدوره يضع يده على أنفه أو فمه بشكل اعتيادي فإنه تلقائياً سيصاب بالفيروس وتنتقل إليه العدوى، لذلك أنصح المريض المصاب بأن يغسل يديه بالماء دائماً لكي لا ينقل العدوى إلى غيره.
* ما هو مدى انتشار مرض الرشح؟
- الرشح هو من أكثر الأمراض انتشاراً في العالم ولا يوجد شعب لا يصاب به.
* الأعضاء المصابة:
* ما هي الأعضاء الأكثر تعرضاً للإصابة بالرشح عادة؟
- الأنف والغشاء الذي يحيط به الأكثر إصابة ثم ينتشر بالجيوب الأنفية والقناة التنفسية العليا وصولاً إلى الحنجرة والرئتين في حالة الرشح القاسي.
* ألا يصيب الأعضاء الضعيفة كالمريض بداء المفاصل مثلاً؟
- فيروس الرشح له تأثير خفيف على المفاصل ومن عوارض الرشح أيضاً ظهور ألم في المفاصل والأرجل، والحرارة بحد ذاتها تساهم بزيادة الألم.
* لكن هذه عوارض الأنفلونزا؟
- حتى في بعض حالات الرشح القوي تظهر هذه العوارض، أما في حالات الأنفلونزا فيكون الألم في المفاصل أقوى بكثير، وليس من الصحيح كلما رشح المريض وشعر بألم في المفاصل فيعتقد أن الرشح قد سقّط على رجليه فهذا الاعتقاد خاطئ وغير مقبول علمياً، فالصحيح أن الرشح قد يسبب أحياناً بعض الإزعاج من ألم خفيف في المفاصل والأرجل ويختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام.
* المدة الزمنية:
* ما هي المدة الزمنية الطبيعية التي يستغرقها الرشح في الجسم؟
- الثابت علمياً أنه في الأحوال الطبيعية إذا عالجته يستغرق سبعة أيام وإذا لم تعالجه يستغرق أسبوعاً أيضاً، لأن فيروس الرشح ليس له علاج حتى الآن، وهناك أخطاء شائعة يكرسها ويقوم بها بعض الأطباء والصيادلة، وهي أنه كلما أتاهم مريض عنده رشح وارتفاع ضعيف في الحرارة يصفون له مضادات حيوية AnTibiotique وهذا خطأ لأن فيروس الرشح لا ينفع معه anTibiotique وعندما تصف لمريضك دواء لا يفيده فهذا الدواء يضره. إذاً فالرشح لا يستمر أكثر من سبعة أيام كحد أقصى، إنما في بعض الحالات يستمر السيلان من الأنف لمدة أسبوعين أو ثلاثة وهذا من آثار المرض، حتى الأنفلونزا حدها الطبيعي سبعة أيام إذا لم تؤدي إلى التهابات في الرئتين أو لم تقتل المريض.
* اللقاح والعلاج:
* ما هي أفضل وسيلة لمحاربة الرشح وما هي أبرز اللقاحات التي تؤمن للجسم المقاومة التي يحتاجها؟
- اللقاح يختلف عن العلاج ولا يوجد دواء للرشح في بلادنا إنما يوجد في الخارج بعض الأدوية لكن لم تثبت فعاليتها وهي غير عملية أما علاج المضادات الحيوية فلا يؤثر على فيروس الرشح، إنما ينفع مع البكتيريا، ومريض الرشح الذي يصف له الطبيب انتيبيوتيك إنما يدفع أمواله ويتعرض للعوارض الجانبية دون أن يستفيد.
أما بالنسبة للقاحات فهناك لقاح ضد فيروس واحد من ضمن عشرات الفيروسات التي تسبب الرشح وهو فيروس الأنفلونزا، وهناك انطباع خاطئ عند الناس حيث يتساءل البعض لماذا أصيب بالرشح وقد تلقح ضده، فاللقاح يحمي فقط من فيروس الأنفلونزا لكن لا يحمي من عشرات الفيروسات التي تسبب الرشح، حتى أن فيروس الأنفلونزا ممكن أن يتعرف إلى اللقاح ويتأقلم معه بحيث لا يستطيع اللقاح محاربته، لذلك نجد أن اللقاح يتجدد ويتغير كل عام، ففيروسات الأنفلونزا ذكية جداً وتعرف كيف تحمي نفسها بطريقة علمية، لذلك يقوم سنوياً مجموعة من الخبراء من كل أنحاء العالم بالاجتماع في الصين واليابان ويقومون بدراسات حول هذا الأمر حيث يعتقدون أن فيروس الأنفلونزا بحاجة إلى مناخ وأجواء فيها إلى جانب البشر، حيوانات كالبقر والطيور لكي تستطيع أن تغير ثوبها أو ماهيتها، وصدق أو لا تصدق أن الصين هي التي توزع الأنفلونزا إلى كل أنحاء العالم، لأن المزارعين يسكنون معهم البقر والطيور وغيرها من الحيوانات، وهؤلاء الخبراء يستخرجون كل سنة لقاحاً جديداً ويعممونه على كل أنحاء العالم، لذلك على المريض أن يأخذ اللقاح كل سنة.
* هل يجب على كل الناس أن يتناولوا اللقاح؟
- أنا أعارض ذلك وأقتصر باعطاء اللقاح لكبار السن الذين تتخطى أعمارهم الستين والذين لديهم مشاكل في مناعتهم أو في صحتهم كمرض الربو والسل. ومن المؤسف أن هذا الأمر أصبح تجارة في لبنان.
* هل نستطيع أن نقول لمريض الرشح أن يبقى في منزله ولا يذهب للطبيب؟
- نعم نستطيع ذلك شرط أن يتناول الكثير من السوائل لأن الجسم يخسر الكثير من السوائل في حالة الاصابة بالرشح وهذا يؤدي إلى نشفان والذي بدوره يؤدي إلى ضعف المناعة، ولكي يعود الجسم إلى طبيعته يجب أن يتناول السوائل، وأن يتناول مخفضات الحرارة مثل Panadol، ودواء ضد السعلة إذا ترافق الرشح مع سعلة لكن لا يعتقد المريض أنه سيقضي على الجرثومة إذا تناول الدواء.
* ماذا إذاً عن الفيتامين (C)؟
- غير مثبت علمياً أن الفيتامين (C) يخفف الرشح ولا توجد دراسة مخبرية تؤكد أنه علاج، لكن هناك بعض النظريات في الطب والتي أصبحت شائعة تقول أن الفيتامين (C) يقوي المناعة قليلاً، وبالتالي يساعد بالتغلب على المرض.
* حالة الأنف المسدود:
* نسمع أن الاستحمام بالمياه الساخنة يخفف حدة الرشح فماذا يقول الطب؟
- الحمام الساخن يولد بخاراً في محيط الجسم وإذا كان المريض عنده انسداد في الجيوب الأنفية فالبخار يساعد على فتحها، أيضاً التداوي بالتهبيلة يساعد على ذلك (أي الماء المغلي مضاف إليه ورق الكينا أو الفيكس، ثم نضع رأسنا في البخار المتصاعد) وذلك في حالة الأنف المسدود أنصح المريض بالتداوي بالتهبيلة أو بالحمام الساخن.
* ما هو الفرق بين عوارض الالتهاب الحساسي للأنف وعوارض الرشح؟
- عارض الحرارة هو الفارق الأساسي بينهما، لأن فيروس الرشح دائماً تصاحبه حرارة إلا في حالات نادرة، بينما باقي العوارض فهي متشابهة من عطس وسيلان في الأنف وتهيج في الغشاء الأنفي.
* هل المصاب بداء الالتهاب الحساسي للأنف يكون معرض للإصابة بالرشح أكثر وتأثيراته عليه أقسى، وعليه أن يحمي نفسه أكثر؟
- هذا غير صحيح فإذا أتته الفيروسات سيلتقطها مثله مثل غيره لكنه يتأثر بها أكثر وتكون العوارض أسوء كالمصاب بجيوب أنفية مزمنة أو بالربو حيث يكون رشحه عليه أقسى من غيره بكثير حتى أن بعضهم يضطر لدخول المستشفى، لذلك أنصح هؤلاء عند التقاطهم للفيروس أن يسارعوا لزيارة الطبيب.
* ما هي الأعمار الأكثر إصابة بالرشح وتأثيراته أخطر عليها؟
- الرشح يصيب كل الأعمار لكنه منتشر عند الأطفال أكثر لسهولة التقاطهم الفيروس لكن قدرة تحملهم لآثار الفيروس أكبر وخطرها عليهم أقل، أما الخطورة فتكمن عند كبار السن واحتمالات الوفاة عندهم أقوى خصوصاً الذين يعانون من أمراض ومشاكل في القلب والرئتين.
* كم تبلغ نسبة الوفيات بسبب الرشح بشكل عام؟
- قد تبلغ نسبة الوفيات عند المسنين 10% من المصابين إذا أدت الأنفلونزا إلى الإصابة بالتهاب الرئتين، وبشكل عام نسب الوفيات عند كبار السن أكثر من نسبتها عند الصغار، ويقال أن نسبة الوفيات عند كبار السن في بريطانيا بسبب الرشح هي واحد في الألف، وفي الولايات المتحدة قانون يلزم باللقاح ضد فيروس الأنفلونزا للذين تجاوزت أعمارهم الستين عاماً.
* يقال إن الشتاء هو موسم الرشح فهل هذا صحيح؟
- لدى الناس انطباع أن الرشح يأتي دائماً في الشتاء، وهذا اعتقاد خاطئ فهناك فيروسات تنشط في فصل الشتاء، وفيروسات تنشط في فصل الصيف (والعديد منها يسبب الرشح في الصيف) لكن ما يحصل أننا في الشتاء نتعرض للإصابة أكثر بسبب العوامل المساعدة، منها البقاء داخل المنزل لمدة أطول مع إغلاق الأبواب، فنحتك ببعضنا أكثر وتصبح فرص انتشار وانتقال الفيروسات من المصاب إلى الآخرين أكثر.
إذاً فالرشح ليس حكراً على فصل الشتاء.