مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: من أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم


الشيخ بسّام محمّد حسين


لقد تميّز رسول الإسلام محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بأخلاقه العظيمة، كما وصفه الله تعالى بها قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4). وقد شكّلت هذه الشخصيّة الاستثنائيّة قدوة للبشريّة، بما حملته من رسالة كان عنوانها مكارم الأخلاق.

يحدّثنا أعظم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أعني أمير المؤمنين عليه السلام، عنه قائلاً: "ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه صلى الله عليه وآله وسلم، مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً، أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ، لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه"(1).

وقد حظيت أخلاق هذا النبي العظيم بالمكانة الأبرز في سيرته المباركة، حيث عُرف قبل بعثته بالصادق الأمين، وأمّا بعد البعثة، فكان خلقه تجسيداً للقرآن الكريم، الذي وصفه اللّه سبحانه بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).

وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).

ولقد رأينا كيف تعامل صلى الله عليه وآله وسلم مع مشركي قريش يوم فتح مكة، وهم الذين آذوه واعتدوا عليه، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت"(2)، حيث قال لأهل مكة: "ما تروني صانعاً بكم؟"، فقالوا: أخٌ كريم وابن أخ كريم، فقال: "أقول لكم كما قال أخي يوسف لإخوته: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (يوسف: 92)، أنتم الطلقاء"(3).

ونلاحظ في سيرته المباركة أنّه كان يعطي لحسن الخُلق قيمةً في تعامله مع غير أتباعه؛ ليكون حافزاً لهم على التحلّي بها. تقول الرواية: لمّا أُتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبايا طيء، وقعت جارية في السبي، فقالت: يا محمّد، إنّ رأيت أن تخلِّي عنّي ولا تُشمت بي أحياء العرب، فإنّي بنت سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذمار، ويفكّ العاني، ويشبع الجائع، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قطَّ، أنا ابنة حاتم طيء، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا جارية، هذه صفة المؤمنين حقّاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه، خلُّوا عنها، فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، وإنّ اللَّه يحبّ مكارم الأخلاق"، فقام أبو بردة بن دينار فقال: يا رسول اللَّه، اللَّه يحبّ مكارم الأخلاق؟ فقال: "والَّذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة إلا حَسَن الأخلاق"(4).

اللّهم أعنّا على الاستنان بسنته، والتأسّي بأخلاقه، وارزقنا زيارته وشفاعته، إنّك سميعٌ مجيب.

1- نهج البلاغة، الخطبة المعروفة بالقاصعة، رقم 192. 
2-المجلسي، بحار الأنوار، ج39، ص56. 
3-رسائل المحقّق الكركي، ج1، ص259. 
4- المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، الفيض الكاشاني، ج4، ص121. 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع