صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

شهيد الدفاع عن المقدّسات أحمد ديب(شريف سرور)

نسرين إدريس قازان
 

شهيد الدفاع عن المقدّسات أحمد علي ديب(شريف سرور)
اسم الأمّ:
هناء ناصر.
محلّ الـــــــــولادة وتاريخها: حاريص 20/5/1991م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
رقم السجل: 120.
مكــــــــان الاستشهاد وتاريخه: يبرود 15/3/2014م.

 

أمسك أحمد بقدمَيّ والده الذي أسلم الروح، بعد صراع مرير مع مرضٍ عُضال، وأجهش بالبكاء مشتاقاً إلى وجهٍ كان شمس نهاره وضياء ليله. وقد وضعت تلك اللحظات الأليمة نقطة ختام لرحلة مع الألم، كان فيها أحمد خير رفيق وأنيس، وعضداً وصديقاً، ولكنّ الرحيل جرح قلبه، وظلّ ينزف حزناً حتّى قضى.

لم يعرف أحمد متى وكيف كبر، فقد وجد نفسه فجأة في دائرة من المسؤوليّات التي لا بدَّ من التصدّي لها، وإن لم يكن الابن الوحيد لوالدَيه، ولكنّه كان ركناً في تحمّل أعباء تشاركها مع إخوته المتزوّجين.


•بوّابة الخير
أحياناً تكون المعاناة بوابة الخير كلّه، لأولئك الذين يدركون أنّ باطن البلاء رحمة، فيبتسمون برضى، ويستبشرون بوعد الله. فكيف إذا ما كانت هذه المعاناة في تأدية الوصيّة الإلهيّة بالوالدَين؟

أن يخدم والده المريض جرّاء تعرّضه لإصابة عندما قُصف مسجد السيّدة الزهراء عليها السلام في صيدا في حرب تمّوز العام 2006م، وأن يسبق أمّه تارةً إلى المتجر الخاصّ بهم؛ لتأخذ هي قسطاً من الراحة، أو تعود إلى البيت لتجده قد رتّب كلّ شيء تارةً أخرى، ليس بالشيء السهل على شابّ في مقتبل العمر، يحلم بآمال كبيرة. ولكنّ اللافت فيه أنّه لم ينظر إلى الأمر على أنّه تضحية، بقدر ما عاشه بسعادة، وكأنّ حياته الحقيقيّة تتجلّى في نظرة السعادة والرضى في عيونهما.

•خدمة الناس والأهل
هذا البرُّ لم يقتصر على والدَيه، فما لبث أن صار معروفاً في الحيّ، بالقرب من المتجر، بهمّته وخدمته للناس، ولم يكن ليقدّم أيّ شيء على خدمة الآخرين؛ لأنّه أدرك أنّ قضاء حوائج الناس إنّما يقع في يد الله. وليس للخدمة شكل أو وقت، فهو يقوم بما يراه ضروريّاً كيفما كان؛ فلمّا قصد أخوه وزوجته المقامات المقدّسة، تكفّل أحمد بأولادهما، وقام بدور الأب والأمّ بجدارة؛ إذ حرص على تحضير الطعام لهم صباحاً، وإرسالهم إلى المدرسة، وتحضير الغداء قبل وصولهم، ومتابعة دروسهم، حتّى وضعهم في أسرّتهم، واعتذر عن عدم تلبية أيّ دعوة إلى سهرة مع الرفاق. أمّا مناسبات إخوته الخاصّة، وخصوصاً أخته الوحيدة، فلا يمكن أن يدعها تمرّ من دون لمساته المميّزة.

•الصغير المدلّل
لم تكن ظروف الحياة مثاليّة مع أحمد؛ فقد عاصر الحرب وهو طفل في القماط، وهربت به أمّه وإخوته الأربعة من مكان إلى آخر قبل أن تلتحق بزوجها في أفريقيا، حيث نشأ أحمد وترعرع. وقد أسمته بهذا الاسم تيمّناً بشقيقها شهيد القبضة الحديديّة إبّان الاحتلال الاسرائيليّ للجنوب، والذي بشّرها من خلال رؤيا أنّها تحمل صبيّاً.

كان صغير إخوته، مدلّل أمّه، تصطحبه أينما ذهبت، حتّى وجدت صعوبة بالغة عندما التحق بالمدرسة؛ فقد شعرت بالفراغ يشدّ عليها، وكانت تنتظر عودته بفارغ الصبر، وإن خرج ليلعب، وقفت على الشرفة تراقبه. وربّما ظنّت تعلّق قلبها به؛ لأنّه الصغير الحنون الهادئ المطيع المجتهد، فالمثاليّة التي تميّز بها كانت تملأ قلبها فخراً، ولم تدرِ أنّ الشهداء يُختارون منذ صغرهم.

•جبهة الوالدين
كانت تقف للصلاة وأولادها بالقرب منها صغاراً يصلّون معها، ويقرؤون الدعاء، فنشؤوا ملتزمين بالأحكام الشرعيّة، مراعين حدود الله، وتأثّر الصغير بالكبير، فما مشى أحدهم درباً إلّا وأخذ بيد شقيقه. وبعد أن عادوا إلى لبنان، وسكنوا في منطقة صور، ترافق أحمد مع مجموعة من الشباب أغلبهم من المقاومة، وبعضهم بات شهيداً، وتوطّدت أواصر الصداقة حتّى أوصى أن يكون قبره في الحوش بالقرب من رفاقه، كما كانت حياته هناك.

على إثر مرض والده، تغيّرت حياة أحمد. كان عندما يطمئنّ إلى والده، يذهب لمؤازرة أمّه في المتجر، والاهتمام بها. وقد حفظ تفاصيل راحتهما، فلا يكادان يطلبان أيّ شيء أو يتأفّفان من شيء بحضوره، لقدرته على تأمين سبل الراحة لهما، حتّى إنّه لم يكن يسمح لأحد بدخول المتجر وبيده "سيجارة"؛ لأنّ دخانها يؤذي والدته ويزعجها. وليتسنّى له الجلوس مع رفاقه، كان يجمعهم بالقرب من المتجر، ليظلّ بالقرب منها ولمساعدتها في وقت استراحته.

•جذبة نورانيّة
بعد حرب تمّوز 2006م، كان أحمد في الخامسة عشرة من عمره، وبدأ أخوه الكبير يواكب أموره الدينيّة والثقافيّة، تمهيداً للالتحاق بدورة المقاتل. وإن كانت البيئة التي كبر فيها متديّنة، فإنّ ما تأثّر به في دورة الجنود الثقافيّة غيّر من نظرته للحياة، فتعرّف على مفاهيم جديدة جذبته لاستكمال هذه الطريق، وقد سرح بتلك الجذبة النورانيّة التي فاضت في قلبه، وهو يخبر أخاه عمّا لمسه من تغيّر في حياته، وكان ذلك سبباً أساسيّاً لالتحاقه بالمجاهدين.

•المبدأ الحاسم
بعد أن أنهى الدورات المطلوبة، التحق بالمجاهدين، وصار يقسّم وقته بين مسؤوليّاته الحياتيّة وعمله الذي لم يكن سهلاً، وخصوصاً لشابّ مثله يعاني من مرض الربو، الذي يمنعه من الحضور في بعض الأماكن، ولكنّه كان يكابر على ألمه، ويبقى حينما يُطلب منه ذلك، إلى أن انهارت مكابرته ذات مرّة وأُدخل المستشفى بحالة طارئة لتعرّضه للاختناق. وقد نُصح وقتها بترك المقاومة، ولكنّه كان حاسماً في خياره؛ فالمبدأ الأساس عنده لهذا العمل هو التمهيد لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونتيجة لذلك، فإنّ كلّ ما يتعرّض له المرء يمكن تحمّله.

•فراغ القلب
بعد اندلاع الحرب في سوريا والتحاق أحمد بالمجاهدين هناك، تغيّرت أمور العائلة؛ إذ صارت غيباته تترك أثراً في القلب. وكان ما إن يعود حتّى يزور الجميع ويطمئنّ إلى أخبارهم وأحوالهم. وقد خصّص وقتاً لنفسه في ركن في روضة الشهداء في مدينة الحوش، حيث كان يجلس متفكّراً قارئاً للقرآن، مترنّماً بالدعاء. 

عند غروب يومَ جمعة آذاري، كان أحمد يشارك في مهمّة في منطقة مزارع ريما – يبرود، ويتنقّلُ بخفّة كعصفور من غصنٍ إلى غصن، يرمي الصواريخ، ويتحيّن اللحظة المناسبة للانتقال من مكان إلى آخر، ولكنّه وقع في تشريكة ألغام أدّت إلى استشهاده.

غطّى رداء حنانه كلّ من اجتمع لوداعه؛ أخته التي شاركها تفاصيل الحياة، إخوته وأبناءهم، رفاقه والجيران، وقلب أمّ لطالما وقف على الشرفة ينظر إليه حين يلعب خوفاً عليه من شيء يجرحه، وها هو قلبها الآن يقف أمام ضريح، ما إن يودع فيه حتّى تهتزّ أغصان أشجار الجنّة، أن أبشروا عباد الله الصالحين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع