تحقيق: غدير مطر
جميلةٌ هي تلك اللحظات عندما يجلس الإنسان بين يدي خالقه، طالباً رحمته الواسعة، وجميلةٌ هي عندما تتكلّل بإخلاص كلّ الجوارح، لِمن خلق هذه الروح التي تزداد نقاءً عند التقرّب منه. أبواب إجابته ومغفرته مشرّعة لقاصديها فليطرقوها، وليجعلوا من أيامٍ أرادها الله له، سبيلاً للتقرّب منه، ومنزلةً لهم عند العزيز الجبّار.. هي الأيام تتوالى، وفي أيام الله فرصة لإرضائه، فمن ذا يغفل عن دعاء يُعيد الطمأنينة إلى قلبه، أو دعاء فيه شفاء من الهموم والكروب؟ من ذا الذي لا يحلم بدواءٍ لعلّته؟!
كل الأيام له، فكيف بأيام خصّصها له ولطاعته؟
*هي أيام الله..
"كلّ الأيّام هي أيّام الله، لا يوجد يوم لله ويوم لغير الله، لكن يُطلق هذا المصطلح على الأيام التي لها خصوصيّة عند الله عزَّ وجلّ، والتي أمرنا بإحيائها بالعبادة وبالصلوات.." يقول الشيخ خضر الديراني مدير الرقابة الدينية في تلفزيون المنار، معرّفاً أيام الله: "هذه الأيّام أيامٌ محدّدةٌ لها علاقة بمناسبة إمّا زمانيّة أو مكانيّة، كأيام ولادات الأنبياء والأئمة عليهم السلام، أو أيام خاصّة كأيام كونها أشهر النور: رجب وشعبان ورمضان، وكذلك الأعياد والجمعة..".
أمّا المتخصّص التربوي الدكتور محمد علّيق فيرى أنّ أيام الله "محطّات رئيسة لتأكيد مسارنا"، معتبراً أن "المسار الطبيعي للتربية الدينيّة والاجتماعية يتمّ فيه التركيز على هذه الأيام".
*كيف نحييها؟
تختلف طرق إحياء أيام الله بين الناس، فبالنسبة للحاجة صبحيّة (43 عاماً) "أيام الله هي الأيام التي أمضي معظم وقتي فيها بالتقرّب إلى الله، مؤدية ما أستطيع من الأعمال الخاصة بكلّ يوم منها". أمّا الحاجة زينب (52 عاماً) فتقوم "بتزيين" منزلها في أيام ولادات الأئمة والأنبياء عليهم السلام، "إضافة إلى تأدية الأعمال الخاصة بهذه الأيام".
الشيخ الديراني يرى أننا "نستطيع أن نتلمّس أهميّة هذه الأيام من نفس تسميتها بأيام الله"، مضيفاً أن "نسبتها إلى الله، تُعبّر عن خصوصيّة ليست في بقية الأيام"، معتبراً أنّ "هذه الخصوصية تقوم على عناصر، لها بُعد عبادي خاص، كيوم عيد الأضحى أو الفطر، وهناك أيام ليست أعياداً بالمعنى المعروف ولا تحمل البُعد الذي يحمله مثل يوم الجمعة".
ويُفسر الشيخ الديراني كيفية إحياء هذه الأيام "بالأدعية والأذكار، وزيارة قبور المسلمين وصلة الأرحام في الأعياد، أو بزيارة المسجد لتأدية الأعمال"، ويُركز على "الأشهر الثلاثة رجب، شعبان ورمضان التي وردت فيها أعمال عباديّة خاصة"، مشيراً إلى "أهمية شهر رمضان الذي جعل الله فيه خصوصيّات ليست في باقي الأشهر... ففيه الدعاء مستجاب والأعمال مقبولة والنوم فيه عبادة... وفيه أراد الله أن يقول للعبد: أنت في ضيافتي، ومن يكون ضيفي فأنا أكرم الأكرمين"، كما اعتبر الشيخ أن "ليلة القدر هي ذُروة الكرم الإلهي، وهي أعظم ليلة وأعظم زمن، لذلك ورد في إحيائها كثيرٌ من العبادات المعروفة".
*في إحيائها فائدة للجميع..
تُحيي ندى (23 عاماً) أيام الله "لأهميتها وللتقرّب من الله أكثر". هي تشعر أن "في هذه الأيام أبواب السماء مفتوحة، يُستجاب فيها الدعاء وتُقبل فيها الأعمال". أما فاطمة (19 عاماً) فتعتبر الالتزام بهذه الشعائر "أمراً واجباً كالصلاة، لما تحمله من رحمة إلهيّة ونورانيّة".
الدكتور عليق أردف قائلاً: "كلّما عرفنا هذه المناسبة أكثر، أحببناها أكثر"، معتبراً أن "كل عمل تربوي ينبغي أن يراعي انسجام ستة أبعاد هي:
1 - البُعد التعليمي، أي أتعلم من المناسبة معرفة ما.
2 - البُعد الاجتماعي - السياسي، أي ملاحظة كيف تؤثّر هذه المناسبة اجتماعياً وسياسياً على حركة المجتمع.
3 - البُعد الديني - الأخلاقي، أي الملَكات النفسية.
4 - البُعد الاقتصادي - المهني المتعلق بكيفية التعامل مع هذه المناسبة من ناحية التدبير الاقتصادي، مثلاً.
5 - البُعد الحياتي - البدني، النابع من تأثير هذه المناسبة على علاقة النفس والجسد بها.
6 - البُعد الجمالي - الفنّي، كيف أرى جمال هذه المناسبة، وأقدمها بلغة الفن".
*تقرّبٌ إلى الله
الشيخ الديراني أكّد على أهمية مشاركة جميع الأفراد بأعمال هذه الأيام، لأنّ "الإنسان بحاجة لإحياء هذه المناسبة، خصوصاً في الجوانب التي عادة يعيش فيها نوعاً من الغرور والكِبَر"، معتبراً أنّ على الإنسان "اتخاذ قرار بالتقرب من الله في هذه الأيام ولو خطوة، لأن من يخطُ باتجاه الله خطوة، فالله يتقرب منه خطوات مضاعفة، وخاصة في هذه الأيام، لفضيلتها".
يشدّد د. عليق على أهمية "إيصال وإفهام معنى هذه الأيام للأطفال، وذلك بشكل قصّة أو نشاط، وتزيين هذه المناسبات له، لأن الطفل يحب كل ما هو جميل"، مشيراً إلى "إحياء هذه الأيام بطريقة تلائم جميع أفراد الأسرة، الإحياء للكبار، فيما يشارك الأطفال في التحضير للمناسبة فيزيد حبهم لهذه الشعائر".
ويتفق كلّ من الشيخ الديراني والدكتور عليق على أن هذه الأيام ليست حِكراً على الإنسان الملتزم فقط، فبالنسبة للشيخ الديراني "كل الأوامر الإلهية الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم موجهة للجميع"، ومشيراً إلى أن "الأكثر حاجة لهذه الأيام بالتحديد، هو مَن يعصي الله". فيما يشدّد د. عليق على ضرورة "التخطيط لجذب كل الناس للمشاركة، وعدم إقفال الأبواب أمام غير الملتزم".
*أثر الالتزام بها..
لإحياء هذه الأيام النورانيّة والالتزام بشعائرها آثار دينيّة وتربويّة واجتماعيّة عديدة، فعلى المستوى الديني تترك هذه الأيام "أثراً إيمانيّاً وأخلاقيّاً، له علاقة بعودة الناس إلى الله عزّ وجل من خلال التوبة والاستقامة" يقول الشيخ الديراني، مشيراً إلى "الأثر الذي تتركه هذه الأيام على تنقية الروح، والأثر المعنوي والنفسي على الأنفس والموجودات"، أمّا د. عليق فيرى أن لهذه الأيام آثاراً اجتماعيّة وتربويّة تتلخص "بتوحيد نمط حياة الناس، وتقوِية القيم المشتركة لديهم وإعادة اللُحمة بينهم"، إضافة إلى "تقوية مشاعر الحب بين الناس، وتخفيض نسبة العدوانية، وتشكيل هوية ولغة مشتركة لكل الناس".
*عصر ذهبيّ
يعتبر الشيخ الديراني أنّ "أهم شيء ليس الكمّ الذي نأتي به، وإنّما النوع، لذا علينا أن نعمل بما فيه نفع لنا في هذه الأيام، بأن نقوم بالأعمال المخلصة لله عزَّ وجلّ والتي لا تشوبها شائبة".
ويختم د. عليق بالقول: "علينا أن نقدّم شعائرنا كما هي، فنحن، كمؤمنين، في عصر ذهبي، لدينا حرية تعبير، ويجب أن نزيل الشبهات عن شعائرنا ونكسر الحواجز، إضافة إلى أهمية تحلّينا بالثقة بما نقوم به، والاعتماد على الابتكار والإبداع لتقديم شعائرنا إلى كل الناس".
"فالفرص تمر مرَّ السحاب"1 كما ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام.
1.نهج البلاغة، من حكم الأمير عليه السلام (21).