مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لئن شكرتم لأزيدنكم

تحقيق: زهراء عودي شكر

﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (النمل: 19-18).

من أروع مواقف شكر العبد لمعبوده، ما حصل مع نبيّنا سليمان عليه السلام، حيث عكست قصته في وادي النمل، الواردة في القرآن الكريم، أسمى أشكال الشكر لله تعالى، إذ لم يكن شكره مجرد كلمات تقال، بل كان إقراراً بالنعم، واعترافاً بالفضل، وانكساراً بين يدي الخالق. ففَهْم النبي سليمان لما قالته النملة أشعره بنعم الله عليه من المُلك المسخّر إليه مروراً بفهمه للغة الطير والحشرات وتسخيره للجن. وبما أن الشكر هو أوسع أبواب الاعتراف بالفضل وردّ الجميل، كان له خطوة عظيمة نحو هذا الباب الذي دخله شاكراً وخاضعاً لرحمة الله.


*خُلُق الأنبياء
كان الشكر خلقاً لازماً للأنبياء. وقد أكد ذلك القرآن الكريم في مواضع مختلفة، فقد جاء في قوله تعالى ما شكَر به النبي إبراهيم عليه السلام، في سورة النحل ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(النحل: 121-120). ووصف الله النبي نوحاً عليه السلام بأنه عبدٌ شكورٌ، حيث قال في سورة الإسراء ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(الٍإسراء: 3). كما أنّ الشكر من صفات المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور (إبراهيم: 5).

ويبقى الشكر صفة خلقية سامية يستخدمها البشر للثناء على عطاءات خالقهم كما للامتنان على الأفضال التي يقدّمونها لبعضهم بعضاً. وشكر الناس لبعضهم بعضاً يتمثّل بشُكر الوالدين من خلال الإحسان إليهما وطاعتهما وبرّهما وعدم إغضابهما. ويستمد هذا النوع من الشكر وجوبه وأهميته من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في سورة لقمان: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير (لقمان: 14).

وهناك شكر آخر وهو شكر الناس، فالمسلم يُقدّر المعروف ويعرف للناس حقوقهم فيشكرهم على ما قدّموا له من خير، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس "(1)، وقال أيضاً: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء "(2).

*بين الشكر والسهو
حين يطرح موضوع الشكر بين الناس، تجد عيون بعضهم تضحك عندما تعرف آثاره وفضله، فيما تجد الكثيرين يلومون ذاتهم، وإن لم يكن بشكل صريح، على ما غفلوا عنه من الواجب تجاه خالقهم.

عن شكر والدتها للنّعم حدثتنا السيدة زينب بحماسة قائلةً: "مرّت والدتي بظروف صحيّة وعائليّة صعبة، إلّا أنني ومنذ صغري ما سمعتُ شكواها، بل على العكس، كانت دائمة الشكر، وكان هذا الشكر يتلازم في كثير من الأحيان مع المقارنة مع مَن هم أقلّ مادياً،

 فمثلاً عندما نعترض على طعام أو لباس كانت تطلب منا أن نشكر الله على ما توفّر بين أيدينا في وقت يفتقد كثير من الناس هذه النعم. وهي لا تزال وفي كثير من المواقف شاكرة، وكلمة "الحمد لله " لا تبارح شفتيها. أفتخر، حقاً، بوالدتي على تعليمها لنا شكر المُنعم. وما هو إلا ثناء قليل جداً لله الذي غمرنا بنِعمه ونعيمه ".

السيدة حميدة، أيضاً، أذهلها شكر والدتها لله كما أذهل طبيبها، "لقد أصيبت والدتي رحمها الله بمرض عضال، وكان وضعها صعباً جداً ووجعها لا يوصف، ومع ذلك فإن السبحة ما كانت تفارقها كما كلمات الشكر. ولا أنسى عندما كنت أرافقها للمشفى، قول الطبيب الدائم لها:

"ما في مرة سألتك كيفك يا حاجة، وكيف وجعك، إلا كان جوابك: الحمد لله ويكتّر خير الله، إنت مش معقولة!! وفعلاً كنت أسمع هذه الكلمات تخرج من أعماق قلبها وتنمّ عن إيمانها وتعلّقها بالله "، تتذكر حميدة وعيناها ممتلئتان بالدموع.

أما محمود الشاب العشريني فقد اضطرب بعد أن بدأنا الحديث حول الشكر للخالق، وقال:

"لا أدري لماذا أشعرني هذا السؤال بالذنب مع أنني دائماً أقول "الحمد لله " ولكن بشكل عابر وعفوي دون التفكير بأهمية الموضوع ومعانيه وأبعاده " وأكمل قائلاً: "لعلّي سأستفسر أكثر حول كيفية شكر الله قولاً وفعلاً لأكون شكوراً بكل الطرق، فنعم الله الوفيرة تستحق منا كحدّ أدنى أن نشكره دائماً ".

*الله شكور أمرنا بالشكر
قال الله تعالى في الآية السابعة من سورة إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد. وهذه الآية التي اختصر الله فيها تبعات الشكر جاءت واضحةً ومشروطة، والمعادلة تقول: إنّ من يشكر ربّه يضمن مزيداً من نعمه، كما يحظى برضوانه وجناته، ومن يجحد نِعم الله عليه، فالخسران الدنيوي والأخروي جزاؤه.

من أسماء الله وصفاته الشاكر والشكور. وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم نتحقق من ذلك، فكثيرة هي الآيات التي تُختم بصفات الله ومن ضمنها صفاته التي تدور في فلك الشكر، فالآية 158 من سورة البقرة تحمل هذه الصفة ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ كذلك الآية 23 من سورة الشورى جاء فيها ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور، والكثير من الآيات الأخرى التي تشير إلى أن الشكر من صفات الله عز وجل.
وصيغة الأمر كانت واضحة في الآيات التي تحكي عن الشكر:﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِين (الزمر: 66).
وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة: 172).

*كيف يكون الإنسان شكوراً؟

بما أن العطاء يقابل بالشكر لذا يتوجب علينا أن نعرف كيف نشكر، نظراً لأن الشكر لا يقف عند إطلاق عبارات الثناء والحمد. وهذا وإن كان أمراً جيداً إلا أنه لا يكتمل إلا بانكسار القلب بين يدي الله اعترافاً بنعمته.

وكمحصلة لما سبق نلفت إلى أن بعض العلماء أجمعوا على أن الشكر يكون بخمس خطوات هي:
1 - أن تحمد الله وتشكره بلسانك.
2- أن تتحدث بهذه النعمة ولا تكن كثير الشكوى بين الناس، قال تعالى:﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 11).
3 - أن تسخّر هذه النعمة في طاعة الله عزَّ وجل، قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور (سبأ: 13).
4 - أن تحب الله عزَّ وجل.
5 - ألّا تعصي الله عزَّ وجل.

*الشكر من أسماء الله
عند تناول موضوع الشكر تجد نفسك أمام موسوعة كبيرة من المعارف وزوايا متنوّعة لا يمكن حصرها بسهولة. وكي لا نقع في متاهة العناوين العريضة والمعلومات الوفيرة، كان لنا وقفة خاصة مع المسؤول الثقافي في حزب الله سماحة السيد فيصل شكر أضاءت على الموضوع.

استهلّ السيد شكر حديثه حول مفهوم الشكر ودلالاته، فقال: "كلمة الشكر مشتقة من أسماء الله الجمالية إذ إنه الشاكر وهو الشكور، ﴿وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (النساء: 147)، وبالتالي الشكر هو تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها.
وجاء في تفسير الميزان "الشكر هو مقابلة من أحسن إليه. وإظهاره لساناً أو عملاً، كمن ينعم إليه المنعم بالمال فيجازيه بالثناء الجميل الدال على نعمته، أو باستعمال المال فيما يرتضيه ويكشف عن أنعامه ". فقال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)،

 وقال: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا (الإنسان: 22). ومن هنا أكدت وحثّت الأحاديث الشريفة على ضرورة الشكر، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الشكر زينة الغنى والصبر زينة البلوى "(3)، وعنه أيضاً: "شكر النعمة أمان من حلول النقمة "(4) و "الشكر عصمة من الفتنة "(5).

ويقول السيد فيصل شكر حول ما إذا كان الشكر من الأمور الواجبة أو المستحبة: "الله تعالى يحب أن يسمع عبده المؤمن وهو يذكره ويشكره على نعمه وعطاياه في هذه الدنيا، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ أن شكر النعم واجب شرعي وأخلاقي وتربوي، وهو من جهة أخرى سبب للزيادة: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 7)، فتبعات الشكر الزيادة والفيض العظيم والخير الكثير من الله عز وجل ".

*نتائج الشكر
ويعتبر السيد فيصل أن نتائج الشكر على الإنسان يمكن اختصارها بالآتي:

أولاً: المعرفة، قال الإمام الكاظم عليه السلام: "لا يعرف النعمة إلا الشاكر ولا يشكر النعمة إلا العارف "(6).
ثانياً: إن الشكر سعادة في الدنيا وزيادة في الخير، وخير عقبى في الآخرة، يقول الإمام الهادي عليه السلام: "الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر "(7).
ثالثاً: الشكر يستوجب ويستلزم الزيادة في العطية الإلهية، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أعطي الشكر لم يحرم من الزيادة "(8).

ويجد السيد أن الله قدّم جواباً صريحاً لنا على عواقب عدم الشكر عندما قال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد (إبراهيم: 7)، "فعدم الشكر يدخل في كفر النّعم، وكفر النعم يضعف حالة الإيمان واليقين في قلب الإنسان بشكل عام فلا يعود ينظر إلى أن النعم والخيرات الموجودة في الأرض هي من عند الله، فيظلم القلب حتى يصبح منكوساً،

ويدل على ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عز وجل أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالاً.. "(9)، وعن الإمام الجواد عليه السلام: "نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر "(10).

أما كيفية الشكر فيرى سماحة السيد فيصل شكر أنها واسعة وغير محصورة، يقول الإمام الرضا عليه السلام: "اعلموا أنكم لا تشكرون الله بشيء بعد الإيمان بالله ورسوله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد عليهم السلام أحب إليكم من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم... "(11).

 وفي هذا المجال يلفت السيد إلى أهمية سجدتَي الشكر على كل نعمة إلهية، "سجدتا الشكر سنة نبوية جرت عليها عادة الأئمة عليهم السلام حيث لم يفوّتوا فرصة مرت عليهم إلا وجعلوها سبباً للسجود شكراً، وخصوصاً عند تجدّد النّعم وفي دبر كل صلاة ".

في نهاية الحديث نذكّر أن الشكر هو أحد الأبواب الفسيحة التي يمكن الدخول من خلالها إلى رحاب الله تعالى، وهو بمثابة هبة إلهية يجازي الله عليها عبده بالأرزاق والنعم الدنيوية، وبالرضوان والثواب الأخروي. فلنعوّد أنفسنا على أن نكون من الشاكرين الحامدين لنِعم الله علينا ولا ننسى الشكر لله على النعمة الكبرى،

 نعمة ولايتنا لمحمد وآل بيته الأطهار، ولنردد سوياً: "اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ".



1.الوافي، الكاشاني، ج26، ص163.
2.مستدرك سفينة البحار، الشاهرودي، ج7، ص189.
3.الإرشاد، الشيخ المفيد، ج1، ص300.
4.عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص291.
5.بحار الأنوار، المجلسي، ج75، ص53.
6.م.ن، ص378.
7.الوافي، م.س، ص284.
8.نهج البلاغة، من كلامه عليه السلام .
9.الوافي، م.س، ج4، ص338.
10.عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص497.
11.بحار الأنوار، م.س، ص355.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع