مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وكن من الشاكرين

الشيخ إسماعيل حريري

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (الزمر: 66).

الشكر هو عرفان النعمة وإظهارها والثناء عليها.
 وشكر الله تعالى هو الاعتراف بنعمته، وفعل ما يجب من فعل الطاعة وترك المعصية(1).

 وفي "المصباح المنير" للفيّومي: "شكرتُ لله، اعترفتُ بنعمته وفعلتُ ما يجب، من فعل الطاعة وترْك المعصية، ولهذا يكون الشكر بالقول والعمل"(2).

 وقد حثّ الله تعالى عباده حتى الأنبياء، وآل الأنبياء، على أن يشكروا الله تعالى ووصَفهم بالشّكور، فقال عزَّ وجل: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(سبأ: 3).
وقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًاُ (الإسراء: 3).

وخاطب نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِين  (الزمر: 66). وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم من الشاكرين، بل كان عبداً شكوراً. فقد ورد في الصحيح عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله، لِمَ تُتْعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً؟"(3).
والشكور هو المتوفّر على أداء الشكر الباذل سعيه فيه، وقد شغل فيه قلبه ولسانه وجوارحه اعتقاداً أو اعترافاً وكدحاً(4).
ورد عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام قوله: "تمام الشكر قول الرجل: الحمد لله ربّ العالمين"

*مظاهر الشكر بما يليق بساحته تعالى
إنّ شكر الله تعالى كما يظهر بالقول كذلك يظهر بالفعل، وكلٌّ منهما بصيغ وأشكال متعدّدة، وكلّها محلّ عمل وممارسة من النبي والأئمة عليهم السلام أجمعين أو أوصوا بها ودَعوا إليها، وفيها من الشّكر ما يليق بساحته عزَّ وجلّ، منها:

1 – إنّ حق الشكر وتمامه قول: الحمد لله. ففي الخبر أنّ الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام خرج من المسجد وقد ضاعت دابته. فقال: "لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ الله حقّ شكره. قال: فما لبث أن أُتيَ بها، فقال: الحمد لله. فقال له قائل: جُعلت فداك، أليس قلت: لأشكرنَّ الله حقّ شكره؟ فقال أبو عبد الله عليه الصلاة والسلام: ألم تسمعني قلت: الحمد لله"(5).
وورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: "تمام الشكر قول الرجل: الحمد لله ربّ العالمين"(6).

2 – السجود شكراً لله تعالى على نعمه، ولا شك أنه سجودٌ يليق بساحته تعالى بعد كون السجود أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربّه، وقد فعله النبيّ والأئمة (عليهم السلام أجمعين)، منها:

أ – ما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السجود شكراً لله. ففي الخبر عن الإمام أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات فلمّا ركب قالوا: يا رسول الله، إنّا رأيناك صنعت شيئاً، لمَ تصنعه؟
فقال: نعم، استقبلني جبرائيل فبشّرني بشارات من الله عزَّ وجلّ فسجدت لله شكراً، لكلّ بشرى سجدة"(7).

ب – ما فعله أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام لمّا أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى ما حباه به من نعمة الإمامة والطاعة الواجبة له على الخلق وأمره بأن يبشره بذلك، فلمّا بشّره قال علي عليه الصلاة والسلام: "يا رسول الله بلغ من قدري حتى أني أُذكر هناك؟ فقال: نعم يا علي، فاشكر ربك، فخرّ علي عليه الصلاة والسلام ساجداً شكراً لله على ما أنعم به عليه..."(8).

ج – ما فعله الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام، ففي خبر هشام بن أحمر قال: "كنت أسير مع أبي الحسن عليه الصلاة والسلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخرَّ ساجداً فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته. فقال: جُعلت فداك قد أطلت السجود. فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ فأحببت أن أشكر ربي"(9).

3 – اجتناب المحارم كما ورد عن الإمام أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام: "شكر النعم اجتناب المحارم"(10)، فإنّ حقّ أداء حقّ النعم التي أنعمها الله تعالى على عبده وهي كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى أن يجتنب العبد محارم الله ولا يقاربها أبداً، وإلا كان كافراً بالنعمة، ونذيراً له بزوالها، فعن الإمام علي عليه الصلاة والسلام: "شكر كلّ نعمة الورع عن محارم الله"(11).

4 – أن يعلم الإنسان أن النعمة وشكر النعمة هي من الله تعالى كما بيّن تعالى ذلك لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام، فقد ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: "فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى اشكرني حقّ شكري، فقال: يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ؟
قال: يا موسى الآن شكرتني حيث علمت أنّ ذلك مني"(12).

5 – أن يؤدّي الحق الشرعي فيما أنعم الله عليه من مال. ففي الصحيح عن أبي بصير: "قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام: هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال: نعم، قلت: ما هو؟ قال: يحمد الله على كل نعمة عليه من أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقٌّ أدّاه..."(13).

6 – من حق شكر الله تعالى شكر من أنعم على العبد من المخلوقين وإلا لم يكن شاكراً لله تعالى، ففي الخبر عن الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام: "من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّ وجلّ"(14).
وعن الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام: "﴿أَشْكَرُكُم لله أَشْكَرُكُم للناس"(15).

7 – من موارد شكر النعمة الإلهيّة أن تُصرف النعمة في محلّها، فشكر نعمة المال أن يُصرف في حلال الله ويؤدى الحق الشرعي الذي تعلّق به، وشكر نعمة الولد أن يحسن تربيته ويهتم به ويُنشئه نشأة صحيحة سليمة، وشكر نعمة العلم العمل به وبذله لمستحقّه كما في كلام لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال: "شكر العالم على عِلمه، عمله به وبذله لمستحقّه"(16).
وعنه عليه الصلاة والسلام قال: "شكر المؤمن يظهر في عمله وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه"(17).
وإنما يظهر شكر المؤمن في عمله هو ما ذكرناه من أداء النعمة الإلهية حق شكرها بوضعها وصرفها فيما يرضاه الله تعالى ويريده، وهو لا يكون إلا في طاعة الله تعالى.

8 – وضع الخد على التراب من مظاهر الشكر كما في الخبر عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام، قال: "إذا ذكر أحدكم نعمة الله عزّ وجلّ فليضع خدّه على التراب شكراً لله، فإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب.."(18).

*شكر النعمة شكر يفتقر إلى شكر
من أهمّ نِعم الله تعالى على عباده أن يوفّقهم إلى شكره على نعمه، وفي ذلك يقول الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام في مناجاة الشاكرين:
"فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر، فكلّما قلت: لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد"(19).
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام في الشكر: "اللهم إنّ أحداً لا يبلُغ من شكرك غايةً إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكراً..، فأشكرُ عبادك عاجزٌ عن شكرك"(20).
ما دام الله المُنعم ينعم علينا فله علينا حقّ الشكر، فإذا شكرناه كان شكره نعمة جديدة استحق عليها الشكر فنشكره على ما أنعم علينا من التوفيق للشكر على نعمه عزّ وجلّ.


1.القاموس الفقهي، سعيد أبو حبيب، ص200.
2.المصباح المنير، الفيومي، ج1 ص319، مادة شكر.
3.الوافي، الكاشاني، ج4، ص347.
4.يراجع: مجمع البحرين، الطريحي، ج2، ص353 و354، مادة شكر.
5.الكافي، الكليني، ج2، ص97.
6.م.ن، ص95.
7.م.ن، ص98.
8.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج18، ص337.
9.الكافي، م.س، ص98.
10.م.ن، ص95.
11.ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص1488.
12.م.ن، ص96 – 98.
13.م.ن، ص95.
14.م.ن، ص1493.
15.الكافي، الكليني، ج2، ص99.
16.ميزان الحكمة، م.س، ص1488.
17.م.ن.
18.الكافي، م.س، ص98.
19.الصحيفة السجادية الكاملة، ص246، المناجاة السادسة.
20.م.ن، ص186، رقم 37.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع