الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
* الشباب ومشاكلهم الجنسية
إن الحياة الاجتماعية أضحت في هذا العصر في العديد من معالمها خارجة عن الصورة الطبيعية للحياة الأصيلة. ومن الأمثلة على ذلك ظاهرة العزوف عن الزواج وإعراض الشباب عن الحياة الأسرية واختيار العزوبة.
وقد ذكرنا أن تدني معدل الزواج وازدياد نسبة العزاب - بغض النظر عن الأثر الذي يحدثه في الجيل البشري. له نوع من التأثير الآخر على مستوى نظام الحياة الاجتماعية وتقطع العلائق واللامبالاة وعدم تحمل مسؤولية الأحداث الاجتماعية، وكل هذا يعتبر كارثة كبرى في المجتمعات الإنسانية. وإذا أضفنا الانحرافات الأخلاقية التي تنتج عن مثل هذه الحياة لاتضح حجم الكارثة أكثر. فهنا نتابع دراسة خطورة هذه الطاهرة: بدون شك أن هذا الوضع المؤسف ناتج عن أحد سببين، ولكن من المسلم أن الأخطر على الإطلاق هو "اتساع العلاقات غير المشروعة". فمن جهة تصبح المرأة نتيجة هذه الروابط المنحلة عبارة عن بضاعة مبتذلة - وفي كثير من الأحيان - مجانية ويمكن الوصل إليها في أي وقت. وهكذا تضيع هذه القيمة والأهمية والمكانة التي كانت للمرأة، وكان يبذل لأجلها الكثير، وتتحول إلى موجود رخيص بنظر الرجال والشباب، ولا تستحق بعد ذلك عناءاً وجهداً. وقد ساعدت ظاهرة التعري والسفور المتزايد على استرخاص المرأة، وإذا كان هذا الأمر في البداية موجباً للهوس والهيجان، فإنه سيؤدي في النهاية إلى الابتذال والضياع، وهذا ما لا تريده النساء. والمحبة الخالصة والطاهرة التي كانت في الماضي وكانت تتشكل بصورة رابطة الزواج المحكمة، لم يعد لها وجود في المجتمعات المعاصرة حيث تحولت الحاجات المنبعثة عن الارتباط بين الرجل والمرأة إلى أمر متبذل وشائع.
من جانب آخر يفكر الكثيرون من الأفراد الذي يعيشون متحررين بالمسؤولية الثقيلة التي تنجم عن الزواج وظروفه ومتطلباته، هذا في حين أن ما يحتاجونه من النساء يؤمن لهم بصورة سهلة! ولهذا، فإن هؤلاء الذين لم يدركوا العواقب الوخيمة للتحلل الجنسي والأخلاقي ولم يعرفوا من الزواج إلا إشباع الغريزة الجنسية يرون أن مثل هذه الرابطة الإنسانية ليس إلا عملاً أحمق! وهكذا ترون العزوبة عندهم أفضل. وبالالتفات إلى هذه الحقائق المذكورة يتضح الأثر المباشر "لسهولة الروابط غير المشروعة" على تدني معدل الزواج في مجتمعات اليوم. ولهذا نجد أنه كلما ازداد التحرر في المجتمعات الغربية انعكس ذلك على معدل الزواج. وفي معظم الأحيان يكون الزواج في سن متأخرة، ومثل هذه العلاقة تتميز بالضعف الذي يؤدي إلى انفصامه في حالات كثيرة.
* ضحايا هذه العلاقة المشينة
إضافة إلى ما ذكر، فإن المجتمعات التي ترجح حياة العزوبة على الزواج غالباً ما تعشش فيها مراكز الفحشاء التي تساهم مساهمة كبيرة في هذا الأمر، وتلعب دوراً خطيراً في تحطيم العلاقات الأسرية. إن قضية الفحشاء ومراكزها لا ينبغي النظر إليها على أنها مكان انتشار الفساد الأخلاقي والأمراض الروحية والجسدية فقط، وكذلك لا ينبغي أن ننظر إليها على أنها عامل لانخفاض معدل الزواج فقط، وإنما نضيف إليها وضع السناء اللواتي يعملن في تلك المراكز مما يتطلب تدقيقاً واهتماماً. أولئك الذي كتبوا وحققوا في هذا المجال ذكروا أن أوضاع النساء اللاتي بعن أنفسهن تشبه إلى حد بعيد عبودية القرون الوسطى. فالمرأة المنبوذة أو المريضة أو العمياء بالمعنى الواقعي أو التي تعاني من أزمة دين خانقة وهي تحترق في الليل والنهار لأجل تأمين اللذة الحيوانية لهذا أو ذاك تنتهي بأفجع صورة في متاهات الحياة ودهاليزها، وقد يكون الأمر بحيث لا تجد من يدفنها بعد أن تصبح جثة هامدة على قارعة الطريق! فأي وجدان يسمح بوجود مثل هذا الرق في عصر يدّعي إلغاء كل أنواع الرق والاستعباد؟!
ولكن لا ينبغي أن ننسى أن مثل هذا الرق أصبح مشروعاً في أكثر بلدان العالم. وهؤلاء النساء اللواتي غرقن في العلاقات غير المشروعة انجررن تدريجاً إلى تلك المراكز السيئة.