مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

العزوف عن الزواج كارثة اجتماعية كبرى

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


إن انخفاض معدل الزواج، وعدم ميل الشباب للحياة الزوجية واختيار حياة العزوبة المخالفة للطبيعة الإنسانية، أو بقول أصح الركون إلى ما لا يمكن تسميته بالحياة أصلاً، كل هذا يعد كارثة كبرى لعالم الإنسانية التي ما زالت تعاني من التطور الصناعي في هذا العصر.

إن العزوف عن الزواج لا يشكل خطراً من ناحية انقراض الإنسان أو انخفاض عدد السكان حتى يقال لا مشكلة الآن في هذه الفترة لأن عدد سكان العالم في ازدياد مستمر (وهو ما يشكل قلقاً للسياسيين والاقتصاديين) بل أن عيب هذا الموضوع هو أن الذين يبتعدون عن الحياة الزوجية إنما يتراجعون عن تحمل المسؤوليات الاجتماعية الأساسية، ويقطعون روابطهم بحيث يتحولون إلى مجموعة من الأفراد المعلقين في الفضاء الفارغ! فهؤلاء لا يستطيعون تحمل مشكلات الحياة، وهم في حالة هرب دائم من كل المسؤوليات، وعند أدنى مشكلة مستعصية يمكن أن يودعوا هذه الحياة. وإحصائيات الانتحار تبين بشكل واضح هذه الواقعية حيث أن نسبة انتحار العزّاب تفوق بكثير نسبة المتزوجين. وفرار الأدمغة وهجرتها يكثر بين العزّاب الذين لم يحكموا روابطهم الاجتماعية بمجتمعهم. وأكثر المجرمين من العزّاب أو الذين يعيشون حياة شبيهة بالعزوبية. وفي الحقيقة فإن الحياة الزوجية تخرج الإنسان من محور التعلق بذاته، وتجعله يتحمل مسؤولية الآخرين الذين هم في الحد الأدنى عائلته، وهذا ما يمنعه من القيام في أكثر الأحيان بأعمال خطأ.

أما "عدم الإحساس بالمسؤولية" و"فقدان الروابط الاجتماعية" فله آثار مشؤومة أخرى، وأهمها ضياع الطاقات الفاعلة في تقدم الحياة الاجتماعية. ولهذا نجد أن حياة العزاب تكون مقارنة للركود والكسل وعدم الطموح والاكتراث وتمتزج بخفة النبوغ وعدم الاعتناء بحفظ الإمكانات الخاصة. ومن هنا نرى أن الكثيرين من الذين كانوا عاجزين عن إدارة حياتهم في حال العزوبة ولم يكونوا إلا عبثاً على المجتمع، نراهم عند الإقبال على الزواج قد أصبحوا أشخاصاً جديين طموحين، يبنون حياة لهم ولغيرهم بصورة شريفة. كل هذا نتيجة تأجج الشعور بالمسؤولية. وما نجده في المصادر الإسلامية من التأكيد على الزواج والبحث على بناء الأسرة "وأن الرزق في الزواج" لعله يعود إلى هذه النقطة بالذات. ويمكن تشبيه غير المتزوجين بساكني الخيام الرحّل الذين لا يفكرون ببناء بيت لهم، وهم يتنقلون من مكان إلى آخر بسرعة ودون اعتبار.

ومن الناحية الأخلاقية لا يمكن أن يكون العزّاب أناساً كاملين، لأن العديد من المفاهيم الأخلاقية من قبيل الوفاء والإيثار والمروءة والمحبة والعاطفة وأداء الحقوق نتحقق قبل أي مكان في محيط الحياة الزوجية والعائلية، وأولئك البعيدون عن مثل هذه الحياة قليلاً ما يفهمون مثل هذه القيم... وصحيح أن قبول مسؤولية الحياة المشتركة يفتح باباً واسعاً للمشاكل والأعباء، ولكن هل يمكن أن يعبر الإنسان مراتب الكمال بدون تحمل هذه المسؤوليات؟! إن عدم إجابة دوافع ورغبات الجسم والروح الطبيعية له قصة أخرى وسوف يتم الحديث عنها مفصلاً. ومن خلال الالتفات إلى ما ذكرناه، فإننا إذا عثرنا عن مسألة العزوف عن الزواج والحياة الاجتماعية بالكارثة الكبرى لا نكون قد بالغنا أبداً. ولكن من جانب آخر يبرز هذا السؤال: ما هو العمل لحل هذه المعضلات والمشاكل المستعصية التي تواجه الشباب الذين يفكرون بتحمل مسؤولية الحياة الزوجية؟

هل يمكن للشباب مع وجود الغلاء في الأسعار، وصعوبة تأمين المنزل، وطول المدة الدراسية وتعقّد الحياة الاجتماعية، وصعوبة تأمين العمل، هل يمكنهم أن يسعوا باتجاه هذه المسؤولية المشتركة؟ فهذه القضايا يجب أن ندرس بشكل دقيق، وبدون حلها لا يمكن حل هذه المعضلة الاجتماعية (العزوف عن الزواج). النقطة التي يجب الالتفات إليها جيداً هي أن هذه الأوضاع التي وصلنا إليها اليوم ليست إلا وليدة تقصيرنا وعدم تحمل مجتمعنا بكامله مسؤولية الحركة الاجتماعية والنهضة السياسية. نحن الذين ألقينا أنفسنا في مستنقع التبعية للظالمين ناهبي ثروات الشعوب، وعرفنا في سلسلة من العادات السيئة التي لا دخل لها في الدين وأبحرنا في أمواج الجهل العاتية.

هل يمكن حل هذه المشكلات بدون هذه النهضة الاجتماعية التي تحرر الشعب بأكمله من ظلام الفساد والظلم؟ وليس هذا من قبل المعجزة ولا الحل السحري. كل شيء بيدنا وعلينا أن نتحرك. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله من التزويج.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع