تحقيق: فاطمة خشّاب درويش
عزيزي الأب، عزيزتي الأم: ما هو شعوركما عندما يتأذّى أحد أبنائكما، أو يدخل في غيبوبة، أو يقضي وهو يقوم بتصوير نفسه ليشاهده متابعوه وهو ينفذ تحدّياً خطراً ومجنوناً؟!
لم يعد خافياً على أحد ما يجري على تطبيق "تيك توك"؛ فعلى مرأى ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، سقطت الضوابط، ولا شيء محظور، إذ باتت تسجيلات التحدّيّات الخطرة تحصد أرواحاً، من أجل حصد أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين ليس إلّا؛ رغبةً في تحقيق عائدات ماليّة.
فماذا يجري في عالم التيك توك؟!
* تحدّيات مجنونة!
كثيرة هي المغريات التي تُقدّم للأطفال والشباب على تطبيق تيك توك، والتي تجعلهم يتعلّقون به، فلا يمكن تعداد أو حصر التحدّيات التي تزداد بشكل مستمرّ، كلّ ذلك في أجواء تنافسيّة يخلقها هذا التطبيق بين المستخدمين، الذين يجدون أنفسهم على مرأى ملايين الناس وبكبسة زرّ فقط، الأمر الذي يدفعهم إلى الاستمرار في تلك التحدّيات وعدم التراجع عنها مهما كلّف الأمر. منها ما يقضي بابتلاع أدوية، أو تحدّيات طبخ غريبة، مثل طهو "البرغر" على مكواة، و"الهوت دوغ" باستعمال مجفّف الملابس، والمعكرونة في آلة صنع القهوة.
* تحدّيات مميتة وضحايا
الأخطر أنّ بعض هذه التحدّيات أدّى إلى وفاة أشخاص خلال تصويرهم فيديوهات بغرض نشرها على تيك توك؛ بهدف حصد الإعجابات على الموقع. منها "تحدّي الاختناق" الذي قام به أرتشي باترسبي (12 عاماً)، في آب 2022م، على موقع "تيك توك" ويقضي بحبس الأنفاس حتى فقدان الوعي، ودخل على إثره في غيبوبة، ثمّ فارق الحياة عندما خسر والداه معركة قانونية ضارية مع مستشفى في لندن؛ من أجل إبقائه موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي؛ ليبقى على قيد الحياة.
ومن بين النهايات المأساوية لمستخدمي "تيك توك"، في 22 كانون الثاني 2021م، توفيت طفلة بعمر الـ 10 سنوات جنوب إيطاليا، اختناقاً، أثناء مشاركتها في تحدي "لعبة الوشاح"، حيث أقفلت على نفسها باب حمام منزل العائلة، مستخدمةً هاتفها المحمول لتصوير أدائها. يقول الأب: "أرادت أن تكون الملكة والنجمة على تيك توك"!
كما قضى شابّ عمره 18 عاماً، في كانون الثاني 2021م، قرب إسلام آباد، دهساً تحت عجلة القطار، خلال تصويره من قِبل صديقه وهو على السكّة فيما كان ينفذ "تحدّي القطار" الخطر جداً.
وفي تشرين الأوّل 2020م، قُتلت شابّة مكسيكيّة تبلغ من العمر 20 عاماً أثناء تصويرها تحديّ "اختطاف مزيّف"؛ لكي تنشره على التطبيق، بعدما أصيبت برصاصة في رأسها عن طريق الخطأ أردتها قتيلة!
* الآباء يشاركون!
ليس الأبناء من يقومون بهذه التحدّيات فحسب، بل أصابت العدوى بعض الآباء أيضاً؛ فهم يستعينون بأطفالهم للمشاركة في "تحدّي الرعب"، الذي يقضي بأن يُدخل الوالدان الطفل إلى غرفة، فيتركانه فيها ويقفلان الباب وراءهما بسرعة، ليُظهر تطبيق التحدّي شبحاً افتراضيّاً من خلال اللّوح الرقمي في الغرفة، يصدر أصواتاً مرعبة، مسبّباً حالة من الخوف الشديد للطفل. والأكثر جنوناً، تسجيل حالة الأطفال وهم يصرخون برعب، فيما الأهل يضحكون ويجمعون الإعجابات!
* عالمٌ من المخاطر
ماذا يبغي الـ "تيك توك" من هذه التحدّيات؟ تبيّن د. سحر مصطفى، مسؤولة قسم الأبحاث والدراسات في مركز أمان، أنّ "الفيديوهات ذات المُحتوى الغريب تشكّل عامل جذب للآخرين غالباً، فما بالكم باليافعين؟ وإنّ ما يُنشر على تيك توك من فيديوهات تروّج لتحقير الذات، والتنمّر، وتعزيز حبّ الذات، والتصرّفات غير الأخلاقيّة تهدف كلّها إلى حصد أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق الشهرة. وما يقوم به التطبيق من دفع الأطفال والمراهقين إلى خوض تجارب خطرة ومميتة من خلال التحدّيات التي تُطلق باستمرار، هو لتوفير "المحتوى الغريب" الذي يجذب كثيرين".
لكن لماذا ينجرّ الأولاد والشباب إلى هذه التحدّيات رغم مخاطرها؟ تحذّر د. سحر من "خطورة ما يجري على هذا التطبيق، خاصّة لجهة الانغماس في التحدّيات إلى حدّ الهوس والولع بتجربتها دون التفكير بالعواقب التي تهدّد سلامة الطفل أو الشاب".
* ضبط ووعي
هل المطلوب الابتعاد عن هذا التطبيق نهائيّاً لتفادي خطره؟ وكيف يمكن المشاركة بوعي؟
تتوجّه د. مصطفى إلى الشباب بجملة من النصائح التي تساعد على الحدّ من التأثيرات السلبيّة لهذا التطبيق وغيره من التطبيقات، منها:
1. ضبط عمليّة الوقت من خلال تحديد الزمن الذي سنمضيه على هذه الوسائل.
2. التنبّه إلى طبيعة المحتوى الذي نشاهده، وحتّى الذي لا نسِمُهُ بـ"الإعجاب"؛ فإنّ مشاهدتنا للفيديوهات التي لا تتناسب مع أخلاقنا وقيمنا وتعاليم ديننا كافية لتكون دعماً للمحتوى وترويجاً له؛ لأنّه سيُحتسب في عدّاد المشاهدات.
3. ضبط عمليّة متابعة بعض الأشخاص على تيك توك. وعلينا في هذا المجال أن نطرح على أنفسنا مجموعة أسئلة: من هم هؤلاء الذين نتابعهم؟ وما هي الجدوى من متابعة فيديوهاتهم؟ وهل يستحقّون ذلك؟
4. تقييم المحتوى الذي نشاهده من خلال المعايير الشرعيّة، وليكن في بالنا سؤال أساسيّ: هل ما نشاهده ونقدّمه حلال أم حرام؟ وهل يشبه هويّتنا الإسلاميّة وأفكارنا؟ ومن يخدم؟
* مسؤوليّة الأهل
ما هو دور الأهل في الحدّ من تأثيرات تيك توك وغيره من التطبيقات على أبنائهم؟ ترى د. مصطفى أنّ هذا الواقع يضع الأهل أمام تحدّيات كبيرة جدّاً من أجل التصدّي لمخاطره وتحصين أبنائهم وحمايتهم من عدوى الهوس، من خلال:
1. التحصين الأخلاقيّ والدينيّ: يعدّ هذا الأمر ذا أهميّة بالغة في إطار حماية الأولاد على مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ فالتوعية الدينيّة، والتعريف بالمخاطر والعواقب، من خلال تقديم نماذج عن مساوئ هذا العالم ومخاطره، وما تسبّب به من أذى ووفيّات، يساعد في هذا المجال.
2. مواكبة الأبناء: إنّ مواكبة الأبناء مسألة ضروريّة جدّاً خلال استخدامهم هذه التطبيقات؛ فلا يمكن تركهم لفترات طويلة دون أن نعرف ماذا يشاهدون أو ينشرون من فيديوهات، إلى جانب مراقبة مشاركاتهم في التحدّيات المختلفة.
3. الحماية الإلكترونيّة: يستطيع الأهل وضع بعض الضوابط والقيود من خلال التحكّم بالإعدادات الخاصّة بهذه التطبيقات وبالأجهزة الذكيّة التي يستخدمها أبناؤهم.
* الهدف: زعزعة ثقافتنا وهويّتنا
تختم د. سحر قائلة: "ما يجري على تيك توك وغيره من مواقع التواصل يندرج في إطار معركة حقيقيّة نخوضها اليوم، هدفها النيل من أولادنا وثقافتنا والتزامنا الدينيّ وقيمنا الأخلاقيّة. لذلك، يجب أن نكون على مستوى هذا التحدّي، من خلال الوقوف إلى جانب أولادنا، والتنبّه إلى أيّ تغيّر قد يطرأ عليهم، في محاولة استباقيّة لتفادي الوقوع في أيّ مشكلة".
وتضيف: "فلنستغلّ هذه التطبيقات لتقديم صورة جميلة عن واقع شبابنا المثقّف، الذي يمتلك الأفكار المبدعة لخلق مستقبل أفضل، في مواجهة للصورة المشوّهة والسطحية التي تحاول هذه التطبيقات تقديمها عن بناتنا وأبنائنا".