د. حوراء أسعد حمدان
لا تكاد تخلو مصيبة في بلد ما في العالم من أيادي الشّيطان الأكبر المتمثّل بالسياسة الأميركيّة. لقد بات الصراع العالميّ اليوم أشدّ وضوحاً بين محور الهيمنة ومحور المقاومة، فلم يعد خيار كسر الهيمنة شأناً خاصّاً بجماعة دون أخرى، بل أضحى حاجة بشريّة وجوديّة. لذا، فإنّ من المهمّ معرفة طبيعة هذا الصراع وسُبل مواجهته، وهو ما يقدّمه كتاب "أميركا في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله".
يشتمل الكتاب على مجموعة خطابات حول أميركا وسياستها في العالم، تتبيّن من خلالها رؤية السيّد القائد الفكريّة، وترتسم الخطوط الرئيسة لاستراتيجيّة أميركا وخطر هيمنتها على الإنسانيّة وثروات الشعوب(1).
•حقيقة أميركا(2)
إنّ الأميركيين يظهرون بمظاهر برّاقة ليقنعوا بها عيون البسطاء، يتشدّقون بالقانون وحقوق الإنسان، بيْد أنّ الحقيقة شيء آخر. إنّهم مظهر لخرق القوانين، يحدّقون بوقاحة في أعين شعوب العالم، ويذرفون الدموع أمام الكاميرات فيما ينفقون، ويدعمون العدوان على اليمن ولبنان وفلسطين. وعلى أساس شائعة اختلقوها بأنفسهم، هجموا على العراق فقتلوا وشرّدوا الملايين.
تتآمر أميركا بكلّ ما أوتيت من قوّة، وتحرّض بعض لإخفاء وجهها القبيح أمام الشعوب لكي يتسنّى لها غرز الخنجر من الخلف. إنّ التقدّم الظاهريّ الهشّ لدى الغرب يُخفي خلفه غياباً لحقوق الإنسان، فلا أحد يجرؤ على الكلام ضدّ قضيّة الهولوكوست أو الشذوذ الجنسيّ. وهذه إحدى خصائص الثقافة الغربيّة؛ وهي جعل الانحطاط الأخلاقيّ أمراً ذا قيمة(3).
•الهيمنة(4)
لقد أصيب العالم، خلال القرنين الأخيرين مع بروز ظاهرة الاستعمار، بآفات كبيرة، أهمّها نظام الهيمنة. ويعني هذا النظام أنْ تتوزّع الشعوب إلى قسمين: القسم الأوّل مُهَيْمِن، والقسم الثاني خاضع للهيمنة في المجالات المختلفة. القسم المُهَيمن يعدّ نفسه أصلاً ومحوراً، بحيث يعطي لنفسه الحقّ في التدخّل وكأنّه مالك لزمام جميع البلدان. في الحقيقة، لا تختلف أوروبا عن أميركا؛ فالأولى تُساير الثانية وتتبعها في أكثر القضايا حساسيّة. إنّهم يعارضون أساس الإسلام، ووجدوا سبيل ذلك في إثارة الخلافات والصراعات بين المسلمين، وترويج الإسلام المزيّف، ودعم الصهاينة. والمسألة الأساسيّة بالنسبة إليهم هي إرضاء الشبكات الماليّة الصهيونيّة التي بيدها شريان حياتهم، لذا، فإنّ الموضوع ليس أمن "إسرائيل"، بل أمْنهم. بالتالي، فإنّ إصرار إيران على معاداة أميركا ليس ناجماً عن تعصّب، إنّما هو نابع عن معرفة وتجربة منذ سنوات طويلة.
•جرائم أميركا(5)
لقد عملت الحكومة الأميركيّة، بذريعة محاربة الإرهاب، على احتلال بلدين مسلمين، هما العراق وأفغانستان. إنّ أميركا اليوم هي لاعب عنيف متورّط في الإجرام، وحكومتها باتت معروفة بالكذب ونكث العهود، فتثير الحروب(6)، وتزرع الفتن، وتصارع الدول المُستقلّة. إنّ هدف تأجيج الحروب هو بيع السلاح. لقد ضعضعوا أمن المنطقة وأطلقوا سيول التسليح لبلدان المنطقة من أجل مواجهة الجمهوريّة الإيرانيّة، ودعموا الكيان الصهيونيّ دون قيد أو شرط.
واحدة من أدوات العدو هي بثّ التفرقة بين السنّة والشيعة، وخبرة البريطانيّين في هذا المجال تفوق خبرة الأميركيّين، بيد أنّ مخطّط الأخير أشدُّ خطورة. فأميركا تدعم الإسلام العلمانيّ الذي يفصل المجتمع عن الدين، وهو إسلام الاسم غربيّ العمل، والإسلام المتحجّر القائم على أسس خاطئة ورجعيّة (داعش والقاعدة). أمّا الإسلام الأصيل، فهو إسلام النقاء والتقوى والسيادة الشعبيّة، ولو تحقّقت إرادة الوحدة في المنطقة وتمّ الانتباه إلى مثلث الشّر (الخطّة الصّهيو-أميركيّة، والمال الخليجيّ، والمرتزقة) لاكتسب المسلمون العزّة.
لقد فشل العدوّ في تدخّله، سواءً العسكريّ أو من خلال دعم الثورات الملوّنة. إنّ الشجاعة والتضحية لدى الشباب المؤمن في لبنان، وجّهتا صفعةً ليس إلى "الكيان الإسرائيليّ" فحسب، بل إلى أميركا أيضاً، والحال كذلك لدى الشعب اليمنيّ المؤمن، وفي غزّة من هذا القبيل أيضاً. وسبب دعم الجمهوريّة الإسلاميّة للمقاومة، يعود إلى استقامتها الحقيقيّة أمام الأعداء(7).
•مقارعة الاستكبار الأميركيّ(8)
يوضّح السيّد القائد دام ظله المعنى المُراد من مصطلح "الموت لأميركا"؛ هو موت للتمييز العنصريّ والتعصّب، ولنقض حقوق الإنسان، وللخضوع للمجتمع الصهيونيّ الرأسماليّ، أمّا شعبهم فهو غير مطّلع على الحقائق(9).
يعني الاستكبار وجود قوّة أو قوى عدّة في العالم تعطي لنفسها الحقّ في التدخّل في شؤون البلدان. إنّ دول العالم، في التصوّر الأميركيّ، تنقسم إلى أقسام ثلاثة: القسم الأوّل هي الدول المطيعة لأميركا ويحكمها الاستعباد. القسم الثاني هي الدول التي تحكمها المصالح المشتركة، وتتّبع معها منهج المداراة، ولكن بحسب مقتضى المصلحة، كالبلاد الأوروبيّة. أمّا القسم الثالث، فهي الدول غير الخاضعة، والتي لا تتوانى أميركا عن فعل أيّ أمر لإخضاعها، كإحياء تيار الفتنة التكفيريّ الخادم للاستكبار. لقد أدّى ذلك إلى حرف الصحوة الإسلاميّة عن مسارها، وتغيير الوجهة من معاداة الاستكبار إلى حرب بين المسلمين.
إنّ الذي يمنعهم من حكم المنطقة والسيطرة على معابر الطاقة هو الإسلام الثوريّ والثورة الإسلاميّة. إنّ الواجب على عاتق الشعوب أن تثور للتحرّر من التبعيّة لأميركا وكابوس الاستكبار، وهذه عمليّة صعبة تتطلّب كفاحاً طويلاً.
•سبيل المواجهة(10)
لا يمكن فرض الصمود في الميدان بواسطة القانون، بل يجب أن تتدفّق المحفّزات من القلب، وأن تكون نابعة من الإيمان، كما أكّد السيّد القائد. وقد تفضّل الله على الشعب الإيرانيّ بهِبَةٍ كبرى تتمثّل بقيادة الإمام الخمينيّ العظيم قدس سره الذي بثّ الوعي في الشعب، ومنحه البصيرة، وانتزع من روحه مشاعر الذّل(11).
إنّ القضاء على التبعيّة بكلّ أشكالها، يتطلّب الشعور بالمسؤوليّة والاستعداد في كلّ القطاعات لمواجهة العدوّ. والأمّة قادرة على تشكيل جبهة واحدة ضدّ أميركا والصهيونيّة عبر تكامل الاتّحادات والمنظّمات والتّمسّك بالنقاط المشتركة فيما بينها. يحدّد السيّد القائد أسس النهضة ضمن عناوين عدّة. أهمّ تلك العناوين هي مسألة البصيرة، وهي تعني بحسب القائد، "معرفة البنية المحيطة بالإنسان.. وتشخيص المواجهة مع العدوّ، وعدم الخلط بين العدوّ وغيره"(12).
•انهيار أميركا(13)
إنّ أميركا، أكثر القوى المكروهة من الشعوب، تتآكل من الداخل، كما يقول بعض الأميركيين، وعوامل أفولها، برؤية الإمام الخامنئيّ، تمتدّ على مدار التاريخ. فدائرة نفوذها تتقلّص حيث تتوالى عليها الهزائم في العراق وأفغانستان ولبنان، كما أنّ وضعها الاقتصاديّ والاجتماعيّ ليس مستقرّاً. وأهمّ أمر أدّى إلى تهاوي قدرتها العسكريّة الأمنيّة هو تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة، بحسب السيّد القائد.
1.أميركا في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله، ص13.
2.المصدر نفسه، ص 18-28.
3.المصدر نفسه، ص 54.
4.المصدر نفسه، ص 29-39.
5.المصدر نفسه، ص 45-90.
6.المصدر نفسه، ص 49. زوّدت أميركا صدام بخمسمائة طنّ من المواد الكيميائيّة الجاهزة للتبديل، وقد استُخدمت في الحرب التي فرضتها أميركا على إيران.
7.المصدر نفسه، ص 32.
8.المصدر نفسه، ص 91-118.
9.المصدر نفسه، ص 168.
10.المصدر نفسه، ص 123-131.
11.المصدر نفسه، ص 158.
12.المصدر نفسه، ص 135.
13.المصدر نفسه، ص 170-175.