مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشعر في الإسلام: ذمٌ أم تكريم؟

فيصل الأشمر



بعد أن خصص سماحة ولي أمر المسلمين حفظه اللَّه هذا العام عاماً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله رأت مجلة بقية اللَّه أن تخصص هذه الزاوية لعرض بعض أهم القصائد التي قيلت في مدح سيد الكونين صلى الله عليه وآله، وكان لا بد في البداية من عرض علاقة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بالشعر (وهو موضوع هذه المقالة)؛ ثم أن نعرج على موضوع المدائح النبوية بشكل عام لننطلق من ثَمّ إلى عرض أهم القصائد في مدحه صلى الله عليه وآله.

رغم انشغال المسلمين وعنايتهم بالقرآن الكريم والحديث الشريف في مطلع الدعوة الإسلامية، فإن الشعر ظل يمارس دوره الذي كان يتولاه في العصر الجاهلي، إذ ظل بوقاً للدعاية السياسية، واستمر الشاعر ناطقاً باسم قبيلته وقومه، بل أضيفت إلى الشعر مهمة أخرى هي الدفاع عن الدين الحنيف والذود عن الرسول صلى الله عليه وآله وعن المقدسات الإسلامية.

وإذا كان القرآن الكريم قد ذكر الشعراء في إحدى آياته في معرض الذم بقوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون فإنه استثنى منهم ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا، وبالتالي فإذا كان الشعر مذموماً إذا كان يؤدي دوراً إفسادياً مهما كان هذا الإفساد، فإنه يؤدي دوراً إصلاحياً إذا كان في سبيل الدفاع عن مفاهيم الحق والعدل ونصرة المظلومين. وإذا كان الحديث الشريف يقول: (لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً)(1)، فإن الشريف الرضي يرى أن "هذا القول مجاز لأن المراد به النهي عن أن يكون حفظ الشعر أغلب على قلب الإنسان، فيشغله عن حفظ القرآن وعلوم الدين"(2). ومن مراجعة كتب التراث الأدبي نرى أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله لم يكن معارضاً لنظم الشعر بصورة عامة، إذ نراه يخاطب حسان بن ثابت بقوله: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"(3)، كما نراه يقول حين يستأذن أحد الشعراء منه إنشاد الشعر بحضرته: "ما يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم؟"(4)، هذا دون أن ننسى قوله صلى الله عليه وآله "إن من الشعر لحكمة"(5).

كما يذكر لنا التاريخ الكثير من الشواهد التي تؤكد على أن الرسول "كان يستنشد الشعر ويجيز عليه ويرتاح له ويكرم الشاعر" على حد قول العلامة الأميني في كتابه "الغدير" ومن ذلك ارتياحه لشعر عمه أبي طالب لما استسقى صلى الله عليه وآله فسُقي فقال: لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت يا رسول الله: وما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوفى ذمة من محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس هذا من قول أبي طالب هذا من قول حسان بن ثابت. فقام الإمام علي عليه السلام وقال: كأنك أردت يا رسول الله:
 

ربيع اليتامى عصمة للأراملِ‏ فهم عنده في نعمة وفواضل‏

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه‏ تلوذ به الهُلاّك من آل هاشم‏


فقال رسول الله: أجل، فقام رجل من بني كنانة فقال:
 

سُقينا بوجه النبي المطر وأسرع حتى أتانا الدرر

لك الحمد والحمد ممن شكر فلم يك إلا كإلقاء الردا

وأَشْخَصَ منه إليه البصر فهذا العيان وذاك الخبر

دعا اللهِ خالقَه دعوةً به الله يسقي صيوب الغمام‏


فقال رسول الله: يا كناني، بوأك الله بكل بيت قلته بيتاً في الجنة. ويورد الأميني في غديره أيضاً ما رواه البراء بن عازب: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قيل له: إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، إئذن لي فيه فقال: أنت الذي تقول: ثبت الله؟ قال: نعم يا رسول الله:
 

فثبت الله ما أعطاك من حسن‏ تثبيت موسى ونصراً مثل ما نُصروا


قال صلى الله عليه وآله: وأنت يفعل الله بك خيراً مثل ذلك. قال: ثم وثب كعب فقال: يا رسول الله، إئذن لي فيه، قال: أنت الذي تقول: همت؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله:
 

هَمّت سُخينة أن تغالب ربها فليُغلبن مغالبُ الغلاب


قال صلى الله عليه وآله: إن الله لم ينس ذلك لك. قال: ثم قام حسان فقال: يا رسول الله، إئذن لي فيه فقال: إذهب إلى أبي بكر ليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم ثم اهجهم وجبريل معك. وقد وفد إلى الرسول الكثير من الشعراء بعد إعلان الدعوة كالنابغة الجعدي الذي أنشده قصيدته الرائية التي مطلعها:
 

خليليّ غُضّا ساعةً وتهجّرا ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا


فدعا له الرسول صلى الله عليه وآله بقوله: لا يفضض فاك. كما وفد إليه كعب بن زهير وأنشده لاميته الشهيرة التي مطلعها:
 

بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ‏ متيم إثرها لم يُفْدَ مكبولُ‏


ويقول فيها:
 

وَالعَفْوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ‏ لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم‏

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني‏ قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ‏

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ‏


إلى أن يصل إلى بيته الشهير:
 

إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ‏ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ‏


وهكذا نرى أن منزلة الشعر بعد ظهور شمس الإسلام لم تتدهور، وأن ما قام به الإسلام كان تهذيب الشعراء، بعد أن تعرفوا من خلاله على مكارم الأخلاق وتقويمهم. إذ بيّن لهم أن غاية الشعر تتمثل في الدفاع عن المثل العليا والأخلاق الممدوحة، لا في التعلق بالعصبيات التي كانت الجاهلية قد خلقتها بين أهلها.


(1) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج‏6، ص‏189.
(2) المجازات النبوية، الشريف الرضي.
(3) إمتاع الأسماع، المقريزي، ج‏10، ص‏41.
(4) كتاب الأغاني، الأصفهاني.
(5) كتاب الغدير، الأميني، ج‏2، ص‏9.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع