إعداد: محمود دبوق
الكاتب الإمام القائد السيد علي الخامنئي دام ظله.
الناشر: دار الولاية.
* التفاعل الثقافي والغزو الثقافي:
"بين الغزو والتبادل أو التفاعل الثقافي خطوطٌ ينبغي أن تكون واضحة. فالغزو فرضٌ وقسر، والتبادل اختيار. والغزو يُفرض على الأمّة لاستئصال ثقافتها، والتبادل ضرورة للتكامل، والغزو يكون في حال الضعف، في حين يقوم التبادل على النديّة والتكافؤ". هذه فقرةٌ مما احتوت عليه مقدّمة المترجم في إشارة إلى أهم أفكار الرؤية التي يطويها الكتاب الذي جُمعت فيه مقتطفاتٌ من خطابات وبيانات القائد السيد علي الخامنئي حفظه اللَّه، وقد أملَ المترجم في مقدمته ملاحظة الفرق بين النص المكتوب لغرض التأليف وبين الكلام المقول. ونحن نلفت انتباه القارئ العزيز إلى أن الاستفادة من فكر سماحة القائد لا ينحصر في لونٍ معين من العطاء، من خلال أطر ممنهجة، سواء في كتاب أو دراسة أو فتوى أو خطاب، مع أنها متوفرةٌ جميعها وبقوة في هذه المرجعية المباركة، فالساعي نحو تحصيل الحقائق، يتصيّد نفائس الكلم ولا يجمدُ عند قواعد وأنظمة تصبحُ حاجزاً بينه وبين المعرفة أو الحقيقة، ولا يقفُ عند كلمة قيلت للشعب الإيراني أو كانت مطلقة وعامّة والقارئ الحذق قادرٌ على أن يجيِّر الكلام الذي يسمعه أو يقرأه نحو الاتجاه الذي يخدمه في حلِّ مشكلته الخاصة أو العامّة، ولكم هي الهموم التي تجمع بين شعوبنا الإسلامية وخصوصاً الثقافية، وهذا ما يقدّمه الكتاب الذي يعدُّ واحداً من سلسلةِ كتب يُتوقّع صدورها بإذن اللَّه لاحقاً. وجوهر الاستفادة منه تكمن في اختيار أي مقتطفٍ من كلام القائد دون الحاجة للرجوع إلى ما سبقه أو لحقه من تفاصيل.
* المثقفون والفنانون:
بعد حديثه في العنوان الأول عن مفهوم الغزو الثقافي، وفي العنوان الثاني عن أهمية الإيمان بوجود غزوٍ ثقافي وضرورة النهوض لمواجهته، يتعرّض سماحة القائد دام ظله للكلام عن بعض فئات المثقّفين والفنانين ممن لا ينسجم منهم مع الدين والإيمان والعلماء، وحيث لم يكن يجرؤ أحد منهم في السنوات الأولى من عمر الثورة على عمل شيء واختاروا العزلة والقعود في الدار، كما يصف حالهم، لكنهم عادوا ودخلوا الساحة كما يقول القائد حين لم يجدوا أحداً يعترض عليهم وكان مبتغاهم أن يكسبوا القاعدة الشعبية ليعزلوها عن الولاء لقيادتها، ويقول: "هذا هو الذي حصل وهو أمرٌ خطيرٌ جداً، وحينما نصفه بأنه خطير جداً لا نعني أنه لا علاج له، أو أنه صعب العلاج. كلا فعلاجه في غاية السهولة واليسر، بشرط أن يشعر المريض وكذلك الطبيب بأن هناك مرضاً بالفعل، فمع استشعار المرض والإحساس به يكون العلاج سهلاً، إن الخطر هو أن نجهل أنا وأنتم ما يدور ولا نستشعر وجود شيء". ويضيف: "نحن ننتمي إلى الصف الثقافي، وبذلك لنا قدرة التمييز الثقافي. والذي يعيش في الجو الثقافي ويستنشق هواءه، لا حاجة به إلى اللمس حتى يفهم الشيء ويستشعر وجوده إنما يكفيه حسّه الثقافي الخاص". وهكذا يتابع القائد الإمام الخامنئي حديثه في الفصل الأول من هذا الكتاب ليتناول في العنوان الثالث منه الفوارق بين التفاعل الثقافي والغزو الثقافي وأما في العنوان الرابع فيحكي عن الخلفية التاريخية والجذور العلمية والثقافية لإيران المسلمة، ويفصل فيها عن الصلة التاريخية بين العلم والدين وانفصالهما عن بعضهما، وعن ازدهار العلم كونه كهدف أساسي للثورة الإسلامية، وفي العنوان الخامس والأخير من هذا الفصل يتحدث عن مسؤولية الشباب الخطيرة في تحقيق النمو العلمي والتقدم الصناعي في الوطن، فيركّز على أن الوطن ينبغي أن يُبنى بيد أبنائه لأن الأجنبي لا يتحرّق قلبه لبنائه ويلفت إلى أننا لسنا ممن يعارض الاستفادة من علم الآخرين.
* الانسلاخ عن الدين:
يقول الإمام الخامنئي: "لقد اكتسبت حركة البشرية خلال المئتي سنة التي ترافقت مع ذروة التقدم الصناعي والعلمي أي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين اللذين أُطلق عليهما قرني التنوير والإنسانية سرعة مطّردة في الانسلاخ عن الدين وعالم المعنى". هذا مقتطفٌ من بين حزمةٍ وردت في الفصل الثاني الذين اشتمل على أربعة أقسام ولكلٍ منها عناوين عديدة تعالج العنوان الرئيسي لهذا الفصل "العالم الإسلامي والغزو الثقافي" حيث يشير الإمام القائد بداية إلى أنَّ هذا الانفكاك عن الدين في ظلِّ التقدم العلمي هو وليد تيارين، فالأول يتمثّل بالتيار الفكري والفلسفي الاجتماعي في مقابل عالم المعنى والثاني هو التيار السياسي الذي أخذ وبموازاة الخط الأول نهجاً يتحرك بالكامل في الاتجاه المضاد للدين ولعالم المعنى. في العنوان الثاني من القسم الأول يتحدث الإمام القائد عن نفوذ المبشرين المسيحيين والشركات الغربية في المجتمعات الإسلامية، لينتقل في العنوان الثالث للحديث عن تبعات الاستعمار الثقافي في المجتمعات الإسلامية، وأما في القسم الثاني فقد تناول عنوانين اثنين فقط، وأما الأول فقد أخذ فيه بالكلام عن كون الإسلام عائقاً كبيراً أمام المستعمرين ويقول: "في كل مكان يتواجد فيه الإسلام، لا بقاء لأركان النظام السلطوي العالمي، وفي كل مكان يستقرُّ فيه الإسلام سيكون ذلك علامة على مواجهة الظلم والعدوان" والعنوان الثاني يُظهر فيه حالة الاستنفار للأجهزة الاستعمارية عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، وذلك بغية الحيلولة دون نهضة الشعوب الإسلامية.
* محاولة النيل من شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله:
يقول الإمام القائد: "شهر الغرب وعالم المسيحية بعد القرون الوسطى هجوماً دعائياً واسعاً نال شخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. فقد أدرك أعداء الإسلام الموتورون أن أحد وسائل مواجهة الإسلام، يتمثّل في التعريض بشخصية النبي المكرم صلى الله عليه وآله وتشويهها...". هذا هو العنوان الأول من العناوين الخمسة التي تتفرّع من القسم الثالث للفصل الثاني، لنصل في العنوان الثاني منه للحديث عن إشاعة الشهوات والانحلال الاجتماعي الذي يتناوله القائد في أحاديثه ثمَّ نقترب في العنوان الثالث من الكلام عن استخدام أجهزة الاتصال المتطوّرة والتقنية الإعلامية لممارسة الأعمال الدعائية العدائية للإسلام. وأما العنوان الرابع فقد ركزَّ على حرص أعداء الإسلام على إقصائه سياسياً واجتماعياً وعزله عن المسلمين، ونصل في العنوان الخامس والأخير من هذا القسم إلى عملية تشويه صورة الثورة الإسلامية، وإذا تطرّقنا إلى القسم الرابع والأخير من هذا الفصل فقد احتوى على أربعة عناوين هي: نهوض المسلمين لإحياء حاكمية الإسلام والثاني تبيين الحقائق الإسلامية عن طريق الفن والوسائل الأدبية، وأما الثالث فيتحدث عن اتفاق المسلمين ووحدة كلمتهم وينتهي المطاف هنا للحديث عن تصدير الثورة بمعنى بث الثقافة الإسلامية الأصيلة.
* منع ارتداء الحجاب:
يتحدث الإمام القائد عن منع ارتداء الحجاب، ويتساءل عن مدى العلاقة القائمة بين ارتداء الحجاب وعدم فعالية المرأة ويقول: "لقد استطاعت المرأة في إيران أن تلج ميدان العمل الاجتماعي وتحوّل البلد بإرادتها القوية، حينما ارتدت الحجاب ووضعت العباءة على رأسها. ثمَّ ما مدى تأثير الزي والحجاب في عدم فعالية المرأة أو الرجل؟ المهم هو القلب الذي ينطوي عليه هذا الرجل وتلك المرأة... والمهم هو كيف يفكران وما هو قدر إيمانهما، وما هي طبيعة الروحية التي ينطوي كل منهما عليها، وطبيعة الدافع الذي يسوقهما لممارسة الفعالية الاجتماعية والنشاط العلمي". ويتابع الإمام المرجع الخامنئي في القسم الأول من الفصل الثالث والأخير من هذا الكتاب، الحديث في سياق عرضه للمظلومية التي تعرّض لها الشعب الإيراني المسلم في العهود السابقة خصوصاً في أيام العهد البهلوي، وقد شرح في العنوان الأول لهذا القسم موضوع الغزو الثقافي في العهد البائد المذكور وقبله، وفي العنوان الثاني أخذ بالكلام فيه عن تأسيس الجامعات بهدف نبذ الدين وإعداد العناصر التابعة للنظام بحيث أصبح الشباب الجامعيون هدفاً للدعاية التي يمارسها الأوروبيون ضد الإسلام. وفي القسم الثاني وتحت عنوان رئيس "علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية" فقد تفرّعت عناوينٌ أربعة هي "إحياء الإسلام الثوري في إيران والعالم" و"الثورة الإسلامية بداية عصر الدين والمعنى وعصر الإمام الخميني" إلى العنوان الثالث "الجمهورية الإسلامية هي أم القرى ومركز الحركة العالمية للإسلام" إلى الرابع وهو "تضاد الثورة الإسلامية مع النظام العالمي" وننتهي في هذا الكتاب عند القسم الثالث من الفصل الثالث وفيه يعالج الإمام الخامنئي عناوين أربعة أخرى هي "إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء بين الشباب" إلى الثاني وهو "تضعيف العلماء من خلال الدعاية" والثالث "اهمال التيار الثوري في الأدب والفن والثقافة" إلى الرابع والأخير في هذا الكتاب وهو "اتهام النظام الإسلامي بسلب الحرية". كتابٌ لا تنحصر فائدته في جانبٍ ضيّق ومعيّن، بل يضم في صفحاته المئتين والخمسين عناوين كثيرة تخاطب القارئ بلغةِ كلامِ قائدٍ ومرجع عارفٍ اختبر الحياة ومزجها بلون عصرنا الحاضر وأخذ من التاريخ ما ينطبق على جميع العصور، وكان حقّاً وصيّة الإمام الخميني قدس سره التي لا يُتخلّف عنها.