أميرة برغل
يعتقد البعض أن دور المرأة في العمل المقاوم هامشي! ويتصور البعض الآخر أن دورها، في هذا المجال، يقتصر على تأمين بعض الخدمات اللوجستية وحسب: كالمساعدة على حياكة ثياب المجاهدين أو تأمين وجبات الطعام لهم... ويرفع بعض ثالث هذه الخدمات إلى مستوى أعلى، فيضم إليها الخدمات المعنوية من دعم وتشجيع ودفع للزوج والإخوة والأبناء إلى الجهاد، والدعاء لهم، وإظهار الافتخار بشهادة الأعزاء بدلاً من الجزع والمناداة بالويل والثبور.
ومثل هذه الخدمات عوامل مهمة، بلا شك، بل ومؤثرة قطعاً في رفع معنويات المجاهدين وإحباط معنويات الأعداء. إلاّ أننا نعتقد أن دور المرأة في المقاومة أوسع من ذلك بكثير. وذلك لأن المقاومة الحقة ليست مجرد خيار عسكري أو سياسي فحسب، بل هي، قبل كل شيء، خيار ثقافي وأخلاقي. خيار ثقافي، لأن المقاومة الحقة، ليست مجرد ردة فعل انفعالية، بل هي عمل واع ومقصود، ينطلق من رؤية للوجود والحياة والإنسان... رؤية حول معنى الحياة والهدف منها والمآل الذي ستنتهي اليه... وكذلك رؤية حول الانسان والهدف من وجوده والمآل الذي سينتهي إليه. وهي خيار أخلاقي، لأن المقاومة الحقة ليست مقاومة ميكيافيلية، تسعى لكي تصل إلى أهدافها كيفما كان وبأي أسلوب متاح، بصرف النظر عن مشروعيته وأخلاقيته.
وحيث إن إنتفاء البعد الثقافي والأخلاقي لأية مقاومة يحولها إلى نزوة آنية إنفعالية معرضة للزوال بتغير الظروف وتبدل مصالح الأشخاص. وحيث إن نجاح أيّ مشروع مقاوم يتطلب الثبات والصمود حتى تحقيق كامل الأهداف، وحيث إن خيار المقاومة والصمود مكلف ويتطلب تضحيات كبيرة. فإنه لا يمكن لهذا المشروع أن يستمر إلا إذا تجذر في الأمة، كل الأمة، وأصبح خيارها الثقافي والأخلاقي قبل أن يكون خيارها العسكري والسياسي. ولا يمكن له، أيضاً، أن يستمر إلاّ إذا استعدت الأُمة، بكل شرائحها، لتحمل كلفة هذا الخيار وأعادت تنظيم حياتها وأولوياتها على أساسه. وهل المرأة شريحة في المجتمع أم هي نصف المجتمع؟ وأهم هذه الشرائح المرأة!! فوجع المرأة من فقدان شهيدها ليس أقل ألماً من وجع جراحات الشهيد نفسه... وعناء تدبير مسؤوليات الحياة وتربية الأولاد في غياب الزوج، بالنسبة إلى المرأة، ليس بأقل من عناء تجشم مصاعب المرابطة والقتال، بالنسبة إلى الرجل. فالمرأة، هي التي يجب عليها أن تملأ الفراغ الذي يحدثه غياب الرجل أثناء التدريب أو المرابطة أو القتال أو الأسر أو الإستشهاد... والمرأة هي التي يجب عليها أن تتحمل بصبر، في ظل هذا الخيار الصعب، شظف الحياة أحياناً، وكثرة التنقل والتخفي أحياناً أخرى، أو إكمال الحياة من غير شريك أو في خدمة زوج معوَّق أو جريح... وفي كل ذلك:
بقدر ما تكون ثابتة في عقيدتها، واعية سياسياً، قادرة على التمييز بين المصالح الكبرى والمصالح الآنية المحدودة. وبقدر ما تكون حكيمة في خياراتها، واعية لمتطلبات المرحلة، مسؤولة عن قرارتها، قوية في منطقها، متماسكة في بنيتها النفسية. وبقدر ما تكون جاهزة لتحمل كلفة الحرب، مدربة على تدبير شؤون الحياة بالإعتماد على نفسها، قادرة على اعتماد أساليب تربوية مبدعة مع أولادها. وبقدر ما تكون مؤهلة لملء الفراغ الناتج عن غياب الرجل في بعض المواقع الوظيفية في المجتمع، إن على الصعيد السياسي أو الإعلامي أو الثقافي أو التربوي أو الصحي... بقدر ما يكون المجتمع المقاوم محصناً. لذا، كان لا بد لمجتمع المقاومة من الإعداد الكامل للنساء والرجال... إن الإهتمام بالإعداد الكامل للرجال، على دورهم الجهادي، وتدريبهم على فنون القتال والمرابطة، والإكتفاء فقط بالتعبئة السياسية والثورية للنساء، ليس كافياً لتحصين مجتمع المقاومة أمام أشكال الحرب المختلفة التي يمكن أن يعمد إليها الأعداء، وعلى رأسها الحرب الثقافية والأخلاقية. إن حماسة نسائنا وما يمتلكنه من تعبئة إيمانية وتأثرهن بالمواقف الشجاعة والصابرة لبطلة كربلاء ونساء واقعة الطف، عناصر قوة مهمة، ولكنها ليست كافية لتحصين المجتمع المقاوم وتمكينه من إتمام أهدافه. إننا ندعو النساء، أولاً، إلى وعي متطلبات المرحلة، وإعداد أنفسهن بالشكل المتناسب مع مشروع سيقدم للأمة الإسلامية بل للبشرية أجمع أرقى نموذج لمقاومة هدفها الأعلى تحرير الإنسان وصون كرامته، كما أراد له الباري جل وعلاَّ.
وندعو الرجال ثانية لإدراك دور المرأة في تحصين المجتمع المقاوم، فلا يدفعوا بنسائهم إلى الإستغراق في مفردات التجمُّل والتزيُّن على حساب إعداد أنفسهن الثقافي والأخلاقي ثم يطالبونهن بمواقف حكيمة وشجاعة. وندعو قادة المقاومة والمعنيين بالتخطيط والإعداد والتوجيه في هذه المسيرة المباركة، لأن يهتموا بإعداد النساء كما الرجال، وأن يضعوا المناهج ويهيئوا الأسباب الكفيلة بإعداد ربات منازل مدبرات، مجاهدات، ومبلغات مطلعات، ومحاورات بارعات، ومتدربات على كل ما يحتمل أن يُحتاج إليه من النساء في لحظات المواجهة وعند غياب الرجال، فإن كل ذلك من أسباب القوة اللازمة لتحصين المجتمع المقاوم، في زمن العولمة الثقافية والهجمة الإستكبارية الشرسة على أمتنا الإسلامية