يوسف سرور
أبطِئْ خُطاكَ فإنَّ دربَكَ مَهْيَعُ(1) |
والخائنونَ برغم وعظك لم يَعُوا |
وانثُرْ دماءكَ يا حسينُ على الفَلا |
ورداً شذاهُ بروحنا يتضوَّعُ |
واجْعلْ عمامتَكَ الشَّريفةَ بُرقعاً |
يحمي الأُباةَ من اللهيبِ، ويمنَعُ |
واضْمُمْ يديْكَ إلى جناحِكَ، وارتفِعْ |
فوقَ الخُطوبِ، فأنتَ أنتَ الأرفعُ |
واحملْ حُسامكَ في حواشي كرْبلا |
سيفاً على وجهِ العُتاةِ يُلعْلِعُ |
وابعَثْ تباشِيرَ الفلاحِ بأفْقِنا |
كيْ تستعدَّ إلى الكفاحِ الأذرُعُ |
وانزِلْ، وحُطَّ الرَّكبْ في أحداقِنَا |
قلماً يخُطُّ، ووحْيَ فكرٍ يُبدِعُ |
وأقمْ على سعَةٍ، فأنتَ المنتهى |
يا سيِّدي فينا وأنتَ المطلَعُ |
******
قُتلَ الحُسينُ، فما لِعيني مهجَعُ |
ونِياطُ(2) قلبي من لظى تتقطَّعُ |
آهٍ ليومٍ فيه زُلزِلَتِ الدُّنَى |
زلْزالها، فهْيَ اليبَاسُ البُلْقُعُ(3) |
يومَ اعْتلى ركبَ الملا في كربلا |
شمرٌ بما أمرَ ابنُ سعدٍ يصدَعُ |
ويصيحُ بالسِّبطِ الشهيدِ مُقهْقِهاً: |
أجَبُنتَ عن حربٍ بها تتروَّعُ |
يومَ الحُسينُ تناثرتْ أشلاؤهُ |
فوقَ الرِّمالِ، وحُزَّ منهُ الإِصْبَعُ |
يومَ ارْتمى عندَ العقيلَةِ زينبٍ |
جدثٌ يصوِّرُ كيف كان المَصرعُ |
يومَ الرَّبابُ غدتْ تودِّعُ طفلَها |
وإلى مُحيَّا زوجِهَا تتطلَّعُ |
والقاسمُ المُلتاعُ يتركُ رملةً(4) |
ويذودُ عن حَرَمِ الحسين، ويدفعُ |
والأكبرُ الكرَّارُ يبرزُ للعدى |
بطلاً، يبدِّدُ لحمهُمْ ويقطِّعُ |
وعلى الفُراتِ العذْبِ يسقطُ لْلفَلا |
قمرٌ لهاشمَ يزدهي ويُشعشِعُ |
ويرى الحسينُ أخاهُ يعتفِرُ الثَّرى |
فيسيرُ باكٍ للخيام، ويرجِعُ |
وتقِلُّ حيلَتُهُ، ويُكسرُ ظهرُهُ |
إذْ إنَّ حامِيَهُ المفضَّلَ أَقْطَعُ(5) |
والحُرُّ يختارُ الجِنانَ بتوبَةٍ |
مِنْ بعدِ ما بالسِّبطِ كان يُجعجِعُ |
والآخرونَ غدَوْا بساحةِ كربلا |
جُثثاً تنيرُ سمَا الدُّهورِ، وتسطَعُ |
وإذا سألتَ عن اسْتحالةِ جمعِهِمْ |
نحوَ الفَنا، فلأنَّهُمْ لم يركعُوا! |
******
هذِي دِمانا فاسفِكوهَا، أو دَعُوا |
إنَّ الأُلَى فينا الشَّجَاعةَ أودَعُوا |
إنْ كان أبطالُ الطُّفوفِ قد ارْتَأَوْا |
أن يشربُوا كأسَ الحُتوفِ، ويكْرَعوا |
ويغادروا الدُّنيا نكالاً بالرَّدى |
فرجالُنا في ركْبهمْ تتجمَّعُ |
عَرَج الحسينُ، فهَلَّ يشرقُ بالمدى |
نجمُ الخُمينِيِّ العظيمِ، ويسطعُ |
فيبدِّدُ الأعداءَ وهجُ ضيائِهِ |
ويَسنُّ قانونَ الفِدا، ويشرِّعُ |
والخامِنائِي قامَ يكملُ ثورةً |
تُدمِي أنوفَ الظَّالمينَ، وتجْدَعُ |
بمسيرةٍ أملى حروفَ عروجهَا |
للمجدِ قومٌ لابْنِ فاطِمَ تُبَّعُ |
والكونُ يغبِطُهَا بأنَّ رجالَها |
أبداً لغيرِ اللهِ لم يتضرَّعوا |
لا، لمْ تفارقْ كربلا بحضورِهِ |
فالطَّفُّ "عيتَا"، والمهنَّدُ مِدفَعُ |
وسواعِدُ العبَّاسِ قبضةُ سَيِّدٍ(6) |
تعْلُو، فَيَعْتلُّ العدُوُّ ويفزعُ |
و"يزيدُ" "إسرائيلُ" إنْ سفكت لنا |
دَمَنَا، وسالت من لظاها الأدمُعُ |
فلأنَّ عاشوراءَ في أورادنا |
عقدٌ فريدٌ بالدِّماءِ مُرصَّعُ |
******
يا مُحبطينَ تراجعوا، لا تخضَعُوا |
وترفَّعوا، والذُّلَّ من يدكُم ضَعوا |
وتمنَّعوا عن شربِ كأسِ مهانةٍ |
سكبَ العَدُوُّ مياهها كيْ تخْنعوا |
قد خابَ قومٌ قاتلوا في كربلا |
سبطَ الرَّسولِ فعذَّبوهُ، وأوجَعوا |
ثمَّ اكْتسَوْا ثوبَ المهالكِ والفنَا |
حينَ انتهى بهِمُ المآلُ المفجعُ |
إنْ أُلْبسوا ثوبَ التُّقى عَثَروا به |
وإذا حكَوْا قَصَصَ البطولة تعْتَعُوا(7) |
ظَنُّوا بأنَّ قتالهُم لإمامهم |
يُعلي مقامَهُمُ الدَّنيَّ، ويرفَعُ |
وبأنَّ صيفَ المكرِ في حَرِّ الفَلا |
يتلوهُ بالبُشرى ربيعٌ مُمْرَعُ |
لكنَّهُم خابوا، وما بلغوا المُنى |
بئسَ المصبُّ لهم، وبئسَ المنبَعُ |
تبقى الشَّهادةُ وحدَهَا دربَ النُّهى |
منهَا البَهَا، وبها الطَّريقُ الأروَعُ |
وبأُفقِهَا يبقى الحسينُ محلِّقاً |
وعلى أرائِكِ مجدِها يتربَّعُ! |
(1) مهيع: واسع ورحب.
(2) نياط: عرق غليظ متصل بالقلب، فإذا قطع مات صاحبه.
(3) البلقع: القفر.
(4) رملة: هي زوجة الإمام الحسن عليه السلام وهي والدة القاسم.
(5) الأقطع: المقطوع اليد.
(6) السيد حسن نصر الله.
(7) تعتعوا: ترددوا في الكلام من عيّ.