تحقيق: زينب ناظم علوية
ذهبت امرأة إلى أحد المطَّلعين الذين يقومون بأعمال السحر وشكت له كره حماتها لها وتسلطها عليها، وطلبت منه أن يصنع لحماتها سحراً يجعلها ضعيفة ومنكسرة أمامها، فأعطاها قنينة فيها سحر حتى تسقي حماتها منها وأصرّ عليها أن تُظهر محبتها لها حتى لا تشكّ بالأمر. فذهبت الكِنَّة وبدأت تسقي حماتها من الشراب، وتُمطر عليها بكلمات الودّ والمحبة إلى أن انقلبت الأمور حيث صارت حماتها تعتبرها مثل ابنتها ووصل الأمر بها إلى درجة كتبت لها إرثاً مما أشعر الكِنّة بالذنب على ما فعلته بحماتها الطيبة فعادت إلى "المطلِّع" طالبة منه أن يفك السحر الذي عملته فابتسم وقال لها إن القنينة التي أخذتها لم يكن فيها سوى الماء لكنّ المحبة والمعاملة الحسنة هي أقوى سحر يمكن أن يخترق جدار القلوب القاسية!
• ليسوا سوى تجار
يُعتبر موضوع الطلاسم والرقى والتمائم من المواضيع التي يشوبها الكثير من الشبهات والمغالطات التي تسلّلت إلى أذهان الناس وتغلغلت في موروثاتهم نتيجة استغلال من يسمّون أنفسهم العرافين أو المطلّعين أو العلماء الروحانيين لمشكلات الناس الحياتية والبلاءات التي يتعرضون لها على صعيد الصحة، والرزق، والزواج والأولاد وغيرها من الأمور التي يضعونها مطلقاً في خانة أعمال السّحر والحسد. هذا ومن يدخل نطاق البحث في موضوع الطّلاسم، والسّحر، والشّعوذة يجد أنّ المطلِّعين والمشعوذين باتوا لا يوفرون وسيلة من الوسائل لاستدراج النّاس الذين يرميهم الجهل في شباك هؤلاء التّجار الذين يتلاعبون بالعقول والأفئدة من أجل الكسب المادي المحرّم. حيث بتنا نجد لهم قنوات فضائية يبثون من خلالها سمومهم، ولهم مواقع على شبكة الإنترنت يتصيّدون من خلالها الأشخاص. في هذا التحقيق نعرض لآراء عيّنة من النّاس حول إيمانهم بموضوع السّحر والطلاسم إضافة إلى لقاء مع أحد الأشخاص الذي يحكي عن تجربته في معالجة المسحورين، ونورد استفتاءً من مكتب الإمام الخامنئي دام ظله ونختم بتصويبات وإرشادات هامة لأحد العلماء العارفين.
• هل تؤمن بالطلاسم؟
يؤكد أبو هاشم (60 عاماً) أنّ: "السحر حقيقة وواقع لا يمكن إنكاره لكونه مذكوراً في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:102). ويوجد الكثير من الأشخاص الذين عانوا مشاكل في صحتهم أو زواجهم أو رزقهم نتيجة أعمال سحر يقوم بها أصحاب النفوس الشريرة والوضيعة". ويؤيد عماد (طالب جامعي) ذلك بقوله: "السحر موجود ولكن يجب على الإنسان أن يكون على يقين أنه لو اجتمع الجن والإنس على أن يضرُّوه بشيء لن يضرُّوه إلا بإذن الله وقدرته". ويقول الحاج رضا (42 عاماً) أنه لا يؤمن بهذه الأمور بتاتاً ويعتبرها "حالة نفسية تصيب بعض الناس فهي أوهام تعشش في مخيلاتهم ويتوهمون وقوع أثرها على حياتهم وأنا أحمد الله أنه ما أصابني في حياتي سهم من هذه الأمور بشرٍّ أو ضرر". أم زكريا (55 عاماً وأم لأربعة أولاد) تعتبر أن إيمانها بموضوع الكِتبة جاء بعد تعرضها للأمر شخصياً حيث وجدت ورقة مكتوباً فيها رموز وطلاسم تبيّن لها أنّها سحر معمول لقتل كل مولود تلده، وهو ما حصل لمولودها الأول، وبعد اكتشافها للكتِبة "وفكّها" أنجبت أولادها الأربعة، وعاشوا سالمين.
• نخاف الأمور الغامضة
أم محمود تتحسّر على رؤية بناتها الثلاث اللواتي قطعن سن الزواج من دون أن يتمّ لهنّ نصيب، وهن يكبرن أمام عينيها وهي تشعر معهنّ بوجود "لعنة أو عمل سحر يعرقل زواجهنّ وكلّ من يحيطون بنا لطالما نصحونا بالذهاب إلى المطلّعين لعلاج الأمر لكنّنا نخاف من هذه الأمور الغامضة والملتبسة ولا نتجرّأ على الخوض فيها". ويرى علاء (30 عاماً) أنه: "ليس بالضرورة أن يكون الشخص معرَّضاً لعمل سحر، بل إن عين الحسد المشحونة بالبغضاء والكراهية والحقد هي التي تفتك بالآخرين وتصيبهم بالشرور والآفات من خلال الطاقة السلبية التي تنشرها من دون الحاجة إلى الذهاب لشخص يكتب أو يعمل عمل سحر وما شابه". أما أبو هادي فيعتبر أن "تأثير السحر والطلاسم واقعي على الإنسان ولا يقع النقاش في الإيمان به أو عدمه، إنّما في سبب حصول الأثر على الإنسان لأنّ القاعدة واضحة وجلية وهي أنّه لا يستطيع الساحر بسحره إصابة من كانت قلوبهم خاشعة قانتة لله تعالى في حين يجد السحر طريقه بكل يسر في قلب كل من كان ضعيف الإيمان. فإذا كنت محصَّناً بطاعة الله فلا يمكن لأحد أن يؤذيك، أما إذا كنت غارقاً في المعصية والذنوب فأنت ستكون مخترَقاً وقابلاً لتلقي أثر أي شر أو أذى من خلال سحر أو حسد وغيرها". وكذلك فإن الحاج تامر يؤيد فكرة أنه "لو شك أحد أو افترض أنه متعرض لنوع من السحر أو الشرور فعليه، بدل التّوجّه إلى المشعوذين والمطلعين الذين يستغلون الناس، التّوجّه إلى العلماء المتّقين الذين لا يتاجرون بمشاكل الناس".
• حذارِ من المشعوذين
وبعد هذه الآراء التي تُبيّن تفاوت الناس في تصديقهم لموضوع السحر والطلاسم كان لنا لقاء مع الشيخ إبراهيم الذي يرفض أن يقال إنّه عرَّافٌ أو مطلِّعٌ أو عالمٌ روحاني، بل يعتبر نفسه شخصاً عادياً اطلع على أمور السحر الذي هو: عبارة عن رقى وطلاسم (1) وتعاويذ وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه يؤثر من خلاله في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة للإنسان المسحور. وقد عاين الشيخ إبراهيم الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا بهذه البلاءات وكانت له تجربة في مساعدتهم على التخلص من هذه الأمور. وهو يقول: "إن العلاج متوفر في يد كلّ واحدٍ منا لكننا غافلون عنه وهو كتاب الله وآياته الكريمة التي هي العلاج والدواء لأي شر أو سحر أو أذى أو حسد". ويؤكد أن ليس بإمكان أي شخص العمل بالرقى والحجابات والأحراز لأن ذلك يتطلب صفاءً روحياً وتوجد ضوابط وشروط يجب اتباعها عند كتابة الأحراز الموثوقة المروية عن أهل البيت عليهم السلام. ومن خلال معاينته للكثير من الأشخاص الذين تلقُّوا الشفاء بفضل آيات القرآن الكريم يؤكد الشيخ إبراهيم أن أمور السحر حقيقية ويوجد أشخاص لديهم نفوس شريرة تضمر السوء للآخرين وتعمل على أذيتهم بالتوجه إلى من يقومون بعمل السحر وهو ما فيه معصية كبيرة لشرع الله بسبب استخدام أمور محرمة أو مبنيّة على النجاسات. إن التداوي والشفاء من هذه الأمور يقوم عند الشيخ إبراهيم على آيات قرآنية مخصّصة لكل حالة لكنه ينصح بقراءة سورة البقرة وسور القلاقل (2) على وجه الخصوص.
• أوهام نفسية
يشير الاختصاصي بمعالجة الأمراض النفسية الدكتور فضل شحيمي أن بعض النّاس، ونتيجة الموروثات والمعتقدات الاجتماعية الخاطئة، تردُّ أي مشاكل أو مصاعب أو أزمات تواجههم ويجدون صعوبة في إيجاد حل لها، إلى السحر والكتبة. كذلك فإن بعض المرضى المصابين بالاكتئاب والضغط النفسي يندفعون للذهاب إلى المطلعين بدل استشارة الأطباء المختصين، وهنا يدخلون في متاهة دجل المشعوذين الذين يزيدون عليهم الأمور صعوبةً وتعقيداً. ويذكر د. شحيمي أن أحد هؤلاء المطلعين كان يعطي لمن يقصده رقى وخلطات يدعي أنها تركيبة خاصة من صنعه وبعدما تم الكشف عليها تبين أنها عبارة عن دواء مهدّئ لا يختلف عن الدواء الذي يصفه الطبيب النفسي لمرضاه! وينصح د. شحيمي بعدم الانجرار بطريقة عمياء وراء الأوهام التي يخلقها بعض المشعوذين وأن يبحث الناس عن أسباب وحلول لمشاكلهم من خلال استشارة من يساعدهم حقاً للوصول إلى برّ العلاج.
• استفتاء خاص من مكتب الإمام الخامنئي دام ظله
من خلال استطلاع آراء الناس حول كيفية التعاطي مع موضوع السحر والكِتبة وجدنا أن بعضهم لا يتوانى عن الذهاب إلى أي شخص يسمع عن مهارته في فك السحر ومعالجته من دون مقاربة المسألة من الناحية الشرعية. لذا، كان من المهم الحصول على استفتاء خاص حول هذا الموضوع من مكتب الإمام الخامنئي دام ظله وهذا نصه:
السؤال: هل يجوز للشّخص عند شكه بوجود عمل سحر له الذهاب إلى من يقومون بفك السحر وإبطال مفعوله؟
الجواب: لا مانع من ذلك في نفسه إذا كان فيه العلاج حقيقةً بالطّرق المحلّلة شرعاً.
• الحكم الشرعي لعمل السحر
وننقل المسألة الشرعية الخاصة بموضوع السحر من كتاب تحرير الوسيلة: "عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك مما يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك".
• توصيات للشيخ بهجت قدس سره
وفي الختام نورد هذه التوصيات الهامة للشيخ محمد تقي بهجت قدس سره لإبطال السحر(3):
"إن المسحور أو المصاب بالعين أو مَنْ يحتمل ما شابه ذلك، يعمل وفق هذه التعاليم السبعة:
1.يؤذن عند وقت الأذان بصوت عال وواضح في المكان الذي يعيش فيه.
2.ليقرأ خمسين آية من القرآن جهراً وبصورة واضحة بعد صلاة الصبح.
3.ليقرأ المعوذتين؛ (سورتي الفلق والناس) كثيراً.
4.ليقرأ قبل النوم سور القلاقل.
5.ليحمل معه (في جيبه على سبيل المثال) قرآناً يحتفظ به.
6.ليقرأ آية الكرسي كثيراً، وليكتبها ويعلّقها.
7.ليحمل معه حزر الإمام الجواد عليه السلام في الخاتم على سبيل المثال".