مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المشــعوذون وخبــايا النفــاق

تحقيق: نقاء شيت


"كذب المنجّمون ولو صدقوا". مقولةٌ نردّدها دائماً حين يكون الحديث عمّن يزعم أنّه يعلم الغيب وما ستؤول إليه الأحداث، حيث يدّعي الواحد منهم أنه يمتلك علماً خاصاً به يساعده على كشف الغيب ومعرفة خبايا الأمور؛ ليستغلّ ضعف بعض الناس وتصديقهم له. مع أنّه قد يطلب طلبات تثير الريبة والشكّ أو يسرقهم بطريقة غير مباشرة، عبر طلب مبالغ ماليّة ضخمة منهم مقابل "علاجهم"، كما يدّعي، أو لإخبارهم بالغيب والنبوءات الكاذبة.

* لا نصدّقهم... لكن نسألهم!!
تكمن المشكلة في أنّ كثيراً من الناس يعلنون أنّهم لا يصدّقون المشعوذين، ورغم ذلك يلجأون إليهم بحجّة أنهم يخبرونهم ويعرفون عنهم أموراً غير معلنة أو أسراراً في حياتهم! هكذا برّرت ليليان (36 عاماً) تردّدها على أحد المشعوذين: "في البداية لم أصدّق ما أخبرتني صديقتي عن معرفته بخبايا الناس، لكن تحدّثت معه هاتفياً فوصف شكلي بدقّة، وأخبرني بعض مشاكلي في العمل ومع عائلتي وأنّني متردّدة وشكّاكة. وهذا صحيح".
فهل غاب عن ليليان معرفة صديقتها به التي قد تكون هي الواسطة في تعريف المشعوذ بصفاتها ومشاكلها، فصدّقت ببساطة؟!

من جهة أخرى، يقوم كثيرٌ من المشعوذين باستدراج الناس، يخدعونهم فيثقون بهم، ويطلبون منهم ما يخالف الأخلاق والشرع؛ حيث تروي سناء (32 عاماً): "ساءت علاقتي بزوجي كثيراً واضطررت كحلٍّ أخير، بعدما جرّبت كلّ شيء، إلى أن أسمع نصيحة جارتي بالذهاب إلى أحدهم، ليكشف عمّا إذا كان هناك سحر أو عمل ما، أدّى إلى هذه الحال. في البداية كان ينصحني بقراءة القرآن، وبعض التعاويذ، لكنه بعد مدّة طلب مني معرفة تفاصيل خاصة عن زواجي، ثم أشار إلى أنّ الحل في أن أخلع حجابي ليعرف سرّ كراهة زوجي لي، لكنّ الله قذف في قلبي الرعب وخرجت من عنده دون عودة".

وللحديث عن هذا الموضوع، لا بدّ من الاستفادة من أهل الخبرة الذين قاربوا بعض المشعوذين والمنجّمين وكشفوا فضائحهم، إضافة إلى أهميّة معرفة رأي الدين بهذا الخصوص.
 

* مهارات يتّكل عليها المشعوذون
فلنبدأ بدايةً بتجربة الزميل الصحفيّ في قناة المنار، الإعلامي "ضياء أبو طعام" الذي أعدّ منذ سنوات مع فريقه وثائقيّاً حول المنجّمين، تحت اسم "ولو صدقوا"، وأظهر خلاله خديعة وكذب هؤلاء الأشخاص الذين وقعوا في شباك مصيدته، ولم يتمكّنوا بما يدّعونه من معرفة التنبّؤ لأنفسهم بأنّ الزميل أبو طعّام كان هَدفه فضْحهم، وليس إجراء مقابلة صحفيّة معهم.

في الحديث مع الزميل ضياء، ذكر لنا أنواعاً عدّة من العلوم [أكّد صحتها علم النفس] يستخدمها المنجّمون، ومنها:
1- علم الفراسة (يستخدمه أيضاً مَن يُطلق عليهم اسم "المبصّرون" على الطرقات العامة والذين ينظرون "في الكفّ"). يتمثّل هذا العلم بقياس مسافة الأنف، وبُعده عن الأذنين، بُعد الحاجبيْن عن العينيْن، حجم انحدار الذقن، تسطّح الجبهة وغيرها. ويقرأ، من خلال هذا العلم، معالم الحزن والفرح عبر ملامح الوجه. وإذا ما كان الإنسان لا يعرف هذا الأمر، سينساق تدريجياً لأيّ فرد يذكر له بعض المعلومات التي تتوافق مع حالته الفرديّة عبر قراءة ملامح الوجه.

2- اللعب على الكلام واستخدام التعابير التي تحمل أكثر من معنى. فإذا كان شابّ مثلاً في عمر العشرين وما فوق فتنطبق عليه هذه العبارة: "عندك نقل وراق"، فالأوراق قد تمثّل تأشيرة سفر، تقديم طلب عمل، تقديم أوراق لدخول الجامعة وغيرها من الاحتمالات التي يعيشها كلّ فرد.

ويتابع ضياء: "عندما توجّه الفريق إلى تلك "البصّارة" لمواجهتها بكذب ما تقوم به، برّرت عملها بالقول: "أنا عم استرزق، ما حدن بيعرف بالغيب غير الله".

* البصمة والقرين
وفي تجربة أخرى بطلها منجّمٍ له شهرةٌ واسعةٌ في هذا المجال، ويظهر على وسائل الإعلام، ويدّعي أنّه يعرف مستقبل الإنسان عبر بصمة صوته، قام فريق عمل "ولو صدقوا"، بطلب التنبؤ لوالد الزميل ضياء أبو طعام، الذي هو متوفَّى، وكم كانت مفاجأةُ المنجّم كبيرة عندما عرف أنه تحدّث عن مستقبل رجلٍ ميّت، ولم يجد جواباً لتبرير موقفه.

عن تسخير الجن، يقول الزميل ضياء إنّ ثمّة من يقول إنّه يتعامل مع قرين الشخص فيسخّره، ولكن القرين أيضاً إن صحّ قولهم، لا يمكنه التنبؤ بالمستقبل، بل هو فقط يتحدّث ويخبر عن الماضي؛ كأن يخبر شخصاً عن شيء أضاعه فيحدّد له التاريخ والمكان الذي أضاع غرضه فيه. هذا كله بحسب تجربة ضياء عبارة عن تسخير القرين لمعرفة الماضي. والقرين يولد مع الإنسان ويموت معه، ولكنّه لا يعرف المستقبل، ويضيف الزميل ضياء: "إنّ الإنسان السطحيّ ينجرّ وراء هذا الكلام ويصدّقه"، مؤكداً أنّ الفرد نفسه يملك القدرة على التحكّم بمصير حياته بما يختصّ بالممارسة اليوميّة، وهذا ما وهبه الله إيّاه؛ مستشهدًا بقولٍ منسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
"وتزعم أنّك جرمٌ صغيرٌ...وفيك انطوى العالم الأكبر".

* معلومات.. تحليل وذكاء
أما من يتحدّثون عن التوقعات العالمية ويربطونها بتغيّر حركة الفُلك، فأولئك يستندون إلى بعض التحليلات ومراكز الأبحاث الأمنيّة، مع ربط المعلومات الاستخباراتيّة العسكريّة بوقائع علميّة واجتماعيّة، ومن ثم يُصدرون تنبّؤاتهم العامة. ويعتبر الزميل ضياء أن هذه الممارسات هي نوع من الذكاء، يعتمد على ضعف ثقة الشخص المقابل بنفسه، واستخراج المعلومات منه بطريقة استدراجه للحديث عن ماضيه، ليستفيد بذلك من يدّعي علم التبصير ومعرفة الغيب. ويعتبر أنّ المنجم لا يخسر حتّى لو كذّبه 90 % طالما سيصدّقه 10% ويعطونه لقاء شعوذاته هذه ما يكفي من المال.

بعض المنجمين يوثّقون كذبهم على الناس، ويعتبرون أنّ ما وصلوا إليه هو نتيجة إقامتهم في "أماكن أسطورية" كمغارةٍ في المغرب يعيشون فيها مع الجنّ لوقتٍ معين كما يدّعون، فيعطونهم هذه القدرات في "التنجيم"؛ أو غاباتٍ وجبال في "التيبت" تجعلهم يحتكّون بعالَم آخر، أو معابد في الصين والهند عند البوذيين، والتي يوثّقون ذهابهم إليها بالصور، وغيرها من الأدلة ليعطوا كلامهم شهادةً ومصداقيةً، فينجرّ وراءهم الأشخاص السطحيّون في تفكيرهم.

* كيف ينظر الدين إلى المشعوذين وعملهم؟
من وجهة نظر الدين وكيف يرى هذا العمل ويقيّمه، يقول فضيلة الشيخ إسماعيل حريري، إنه عندما يخبرنا "المطلّع" بما سيحدث في المستقبل من ناحية الجزم والتأكيد فهذا أمرٌ محرّم؛ لأنه لا يوجد من يعلم بالغيب سوى الله تعالى، ويكون ما يفعله "رجماً بالغيب". حتّى لو استخدم آيات القرآن؛ لأنه إذا كان هناك من غيب في آيات القرآن فلا يعرفه سوى المعصومين عليهم السلام.

يتابع فضيلته القول: إنّهم قد يتّبعون طرقاً أخرى من خلال كتابة الأذْكار على قِطع قماش، والحسابات، والجداول، إضافةً إلى مطالعة الفنجان، وكلّ هذا ليس له أيّ مستند شرعيّ. ولهذا، فإنّ الإخبار بهذه الأدوات غير صحيحٍ ومحرمٌ، لا سيّما إنْ كان إنباءً بالغيب. أمّا عمّا يطلبونه من الناس، من كشف وطلب معرفة خصوصيّات الزوجين مثلاً، مما لا يجوز الاطلاع عليه، ولا سيّما إذا ما كان أحد الزوجين غير راضٍ عن كشفها، فيرى الشيخ أن الرجوع إلى مثل هؤلاء الأشخاص مخالف للشريعة الإسلامية.

وفي موضوع تسخير الجنّ يذكر الشيخ أنه محرّمٌ في فتاوى بعض المراجع، ككتاب تحرير الوسيلة للإمام الخميني قدس سره، ويؤكد أنّ الجنّ رغم ذلك لا يعرف الغيب قطعاً، لذا فالرجوع إلى المشعوذين في ذلك غير جائز.

* قرآنٌ وأذكار، ولا للمشعوذين
وفي الختام، تحدّث فضيلة الشيخ عن عقل الإنسان الذي يميّز به الخطأ من الصواب، وعليه الرجوع إليه لحلّ ما يعترضه من مشاكل مع بعض التحليلات البديهيّة للأمور وربط الأحداث. إلى ذلك، يذكر فضيلته أنّه يمكن الاستعانة بما أُثِر عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من رقى وحجابات موثوقة، ذكرها كبار العلماء في كُتبهم، ومنها صلوات وحجابات للرزق، وبعضها لتيسير الأمور، أو للأمن من الحسد أو غيرها من التعاويذ التي تساعد على حلّ كلّ المشاكل التي تواجه الأفراد، وهي واردة في كتاب "المصباح" للشيخ الكفعمي في الفصلين السادس والعشرين والسابع والعشرين منه، إضافةً إلى كتاب "مفاتيح الجنان" وغيرهما.

وفي خلاصةٍ واضحةٍ وضوح الشمس، فإنّ أي منجّمٍ أو مدّعٍ للتبصير والاطلاع على الماضي والمستقبل هو كاذب والدين براءٌ منه حتى لو كان يتحدّث باسم الدين، فلا أحد غير الله يعرف حقيقة الأمور والغيبيّات الحتمية. فلنتّجه لحلّ مشاكلنا بأنفسنا، مع الاعتماد على الله والتوكّل عليه واتّباع كتابه وسنّة رسوله والأئمّة الأطهار عليهم السلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع