مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: أشرف الأزمان


مبارك هذا العيد السعيد والعظيم لجميع المسلمين.  ليس للأزمنة بذاتها أي ميزة عن بعضها بعضاً. وإنّما شرف الأزمنة أو شؤمها هو بسبب ما يقع فيها من أحداث. وإذا كان شرف الزمان يُقيّم بحسب الحوادث الواقعة فيه، فيجب القول إن يوم بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هو أشرف يوم من الأزل وإلى الأبد.  صحيح أنّ الزمن سجّل وقوع أحداث كبيرة للغاية كبعثة الأنبياء العظام، الأنبياء أولي العزم والكثير من الأحداث الكبيرة..

 


ولكن لم تكن هناك حادثة أعظم من بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. لأنه ليس أعظم من النبي الأكرم في عالم الوجود سوى الذات المقدسة للحقّ تعالى، ولا توجد حادثة أعظم من بعثته. فبعثته بعثة خاتم الرّسل وأكبر شخصيّات العالم، ورسالته أعظم القوانين الإلهية. ووقوع هذه الحادثة في مثل هذا اليوم جعلته يوماً عظيماً شريفاً، ولذا أقدم التهنئة لمناسبة هذا اليوم لكلّ المسلمين ولكلّ مستضعفي العالم.

* الإنسان الكامل وفهم الإسلام
هنالك تصوّرات مختلفة حول الإسلام وبعثة الرسول الأكرم والقرآن. وما يعزّز اختلاف هذه التصورات عند النّاس أنهم مختلفون في نظراتهم، تبعاً لتفاوت الرؤية أو النظرة لكل واحد منهم. وإنّ كل رؤية محدودة بحدود صاحب الرؤية (الإنسان). ولكن على الرغم من أنّ الإنسان موجود محدود، ورؤيته محدودة أيضاً، لكنه يستطيع التحرك إلى اللانهاية ويستطيع أن يكون لا متناهٍ في الكمال، وأن يكون لا متناهٍ في الجلال والجمال وله رؤية غير متناهية، وتبعاً لذلك يمكنه حينها أن يكوّن تصورات صحيحة حول الإسلام والإنسان والبعثة والرسول الأكرم والعالم. أما الإنسان الكامل (الذي استطاع السير إلى كماله) فهو غير محدود في كل الصفات وهو ظل الذات الإلهية المقدسة، بمقدوره تصوّر الإسلام كما هو، وتصوّر الإنسان كما هو، والبعثة كما هي، والقرآن كما هو، والعالم كما هو. أما الآخرون فتصوراتهم بحسب مراتب وجودهم وبحسب مراتب كمالهم كما ذكرنا، لكنها تصورات محدودة. عليهم هم أنفسهم أن يسيروا ليبلغوا مراتب الكمال واحدة تلو الأخرى فتكون لهم تصوراتهم وفهمهم لهذه الحقائق ومنها حقيقة البعثة النبوية في حدود ما يبلغونه من الكمال.

* مهمة الأنبياء تربية الإنسان وتكامله
إنّ يوم البعثة هو يوم كلّف الله تبارك وتعالى فيه موجوداً كاملاً لا أكمل منه بأن يكمّل الموجودات، وأن يرتقي بالبشر الذين هم ابتداءً موجوداتٌ ضعيفة ناقصة لكنها ذات قابلية للرقيّ. والإسلام جاء لتربية الإنسانية. هنالك الكثيرون ممن يتصورن أن الرسول الأكرم جاء وسائر الأنبياء الذين بعثهم الله تبارك وتعالى، لتوفير العدل للمجتمع والأفراد، أي أنّ مهمتهم لا تتجاوز هذا الحدّ وقد يكون لبعضهم رؤى أخرى مختلفة، كأهل العرفان، والفلاسفة وفقهاء الإسلام والمثقفين، والمؤمنين، والشعوب أيضاً تفكّر بطريقة معينة، وكلهم قاصرون عن الوصول إلى ما هو موجود.

يُفهمنا القول المأثور "من عرف نفسه فقد عرف ربه"(1) أن الإنسان إذا عُرِفَ فسوف يُعرف به الله. وهذا ما لا يصدق على أي موجود آخر. فلا يستطيع أن يعرف ربّ الإنسان إلّا من عرف نفسه، ومعرفة الذات التي تستتبع معرفة الله لا تحصل إلا لكُمّل أولياء الله. وينبغي عدم تصور أن الإسلام جاء لإدارة هذه الدنيا، أو أنه جاء لمجرد توجيه الناس نحو الآخرة، فالاقتصار على جانب واحد خلاف الحقيقة مهما كان الإنسان غير محدود، ومربّي الإنسان غير محدود، ومنهاج تربية الإنسان الذي هو القرآن، ليس محدوداً بعالم الطبيعة والمادة ولا بعالم الغيب، بل هو كل شيء.

* من أجل تربية الإنسان
إن أول ما أُمر به الرسول وكُلّف به هو القراءة والتعليم والتربية. وكأن الله تعالى يريد القول إن هذا الرب الذي هو ربك والمحيط بكل الموجودات، يأمرك أن تقرأ وتربي الناس على هذا الطريق، ولأجل هذا نزل القرآن، ولأجل هذا جاء الإسلام، من أجل أن يتربى الناس، فلولا التربية لكانوا أشد افتراساً وإيذاءً من كل الحيوانات. الإنسان موجود إذا لم يخضع للتربية، فلن يجاريه حيوان ولا موجود في العالم خطورةً وإيذاءً. كل الأنبياء بعثوا لتربية هذا الموجود الذي لو ترك لحاله لأفسد العالم. وللأسف فإنّ الأنبياء بدورهم لم ينجحوا في تحقيق مهمتهم. لم يأتِ الإسلام ليحارب، لم يأتِ الإسلام ليحتل البلدان ويفتحها، جاء الإسلام وسائر الأديان الحقّة لإخراج الناس من الخسران وإدخالهم في حدود الإيمان ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر: 1 3). ولكن هذه الأديان، للأسف، بذلت جهودها ولكنها لم توفق إلا بمقدار.

* الأنبياء مصدر كمال الإنسانية
وهذا المقدار من الكمال الموجود لدى البشر في العالم مصدره الأنبياء عليهم السلام؛ فتربية الأنبياء هي التي أنقذت الناس من حدود الحيوانية، ومن جنون الإنسان في نزعته إلى السلطة والشهوات، حصل نجاح بمقدار كبير، ولكن لا بالمقدار ولا بالشكل الذي كان يتطلع إليه الأنبياء. كان النبي يتحسر لأنه يدعو وما من إجابة ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ (الكهف: 6). أحد هموم الأنبياء هو أنهم لم يستطيعوا توظيف كل تعاليمهم بالشكل الذي يقتضيه التعليم. أراد الرسول أن يجعل كل الناس على شاكلة علي بن أبي طالب عليه السلام، لكن هذا لم يحصل. فالإسلام مجموعة أحكام هدفها بناء الإنسان، والقرآن كتاب لبناء الإنسان، هدفه أن يصنع بشراً. والرسول منذ أن بعث وإلى حين رحيله عن الدنيا كان بصدد صناعة الإنسان وكان مهتماً بهذا.

ولهذا نرى في سيرة النبي الأكرم وسائر الأنبياء والإمام علي عليه السلام والأولياء العظام، نرى أنه لم تكن هناك في سيرتهم نزعة تسلطية أصلاً، ولولا أداء الواجب ولولا الحرص على بناء هؤلاء البشر، لما قبلوا حتى هذه الخلافة الظاهرية، ولتنحّوا جانباً ولكنه التكليف. فالتكليف الإلهي يجب أن يقبله حتى يستطيع بناء الإنسان على قدر استطاعته ولكنّه للأسف لم يستطع أن يجعل معاوية إنساناً، مثلما لم يستطع الرسول أن يجعل أبا جهل وأبا لهب وأمثالهما أناساً صالحين.


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 2، ص 32.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع