إبراهيم منصور
يُعتبر الإرهاب والعنف من أهمّ المواضيع التي شغلت بال
الإنسانية عبر التاريخ، وذهب ضحيَّتها مئات الملايين من البشر تحت ذرائع ومسوِّغات
مختلفة؛ من قتل العبيد، بلا رحمة، في حلبات الصراع، وتعريض المؤمنين برسالة السيد
المسيح عليه السلام لأنياب الأسود الجائعة، في الإمبراطورية الرومانية.. إلى وأد
الفتيات في جاهلية العرب.. إلى الحروب الصليبية التي قتلت ملايين الناس باسم الدين،
وكذا الحروبُ الدينية أو المذهبية، في أوروبا خلال القرون الوسطى بين الكاثوليك
والبروتستانت، وجرائم محاكم التفتيش التي قضت على خمسة ملايين إنسان بحجة عدائهم
للكنيسة.. واللائحة تطول حتى لقد أحصى المؤرّخون 2300 حرب حصلت جميعها في أوروبا،
ما بين القرن السابع عشر والقرن العشرين! هذا ما يقوله فضيلة الشيخ الدكتور محسن
الحيدري في كتابه القيِّم "الإرهاب والعنف في ضوء القرآن والسنّة والتاريخ والفقه
المقارَن".
والأمر الشديد الغرابة كما يلاحظ المؤلف هو أن يتغاضى الإعلام الغربي عن
كلّ هذه الجرائم الوحشية التي ما زالت تعاني منها البشرية حتى اليوم، ويُلصق التهمة
بالإسلام مُعتبراً إياه منذ ظهوره في مطلع القرن السابع الميلادي مصدر الإرهاب في
العالم! إنّ هذا الافتراء الصارخ على الإسلام هو الذي حدا بالشيخ الحيدري إلى تأليف
هذا الكتاب ليوضح الحقائق التاريخية، ويُنافح عن الرسالة الإسلامية السمحة، كاشفاً
زيف ادعاءات الإعلام الغربي التي تضلّل الناس شرقاً وغرباً، لئلا يعرفوا حقيقة
الإسلام ويتخذوه بديلاً من الأنظمة الغربية ذات الديمقراطية الشوهاء التي زرعت
إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي، وراحت تغذّيه بكلّ أنواع الأسلحة الفتّاكة،
وتؤيد جرائمه المستمرة في فلسطين ولبنان وغيرهما.
* مادّة الكتاب ومضامينه
نظراً لأهمية موضوع الكتاب وخطورته ورحابة مادته، فقد جعله مؤلّفه الدكتور محسن
الحيدري في ثلاثة أجزاء. لقد فنّد في الجزء الأوّل آراء أعداء الإسلام الذين ما
فتئوا يزعمون أنه دين السيف والقتل، وكان الصليبيون، ومن بعدهم الصهاينة الذين
لطّخوا كلّ شبرٍ من الأرض التي وطؤها بدماء الأبرياء، هم أصحاب تلك الحرب النفسية
الشعواء، على طول التاريخ، قديماً وحديثاً. فتصدّى الشيخ الحيدري لهذه الافتراءات
رافعاً لواء الحقائق التاريخية بأسلوبٍ علميٍ منهجي، لا يدافع عن الإسلام جُزافاً
واعتباطاً، ولا يكيل الاتهامات للأعداء الموتورين بغير دليلٍ موثَّق. ويعتبر
الدكتور الحيدري أن الأميركيين والصهاينة هم الذين افتعلوا جريمة 11 أيلول (سبتمبر)
عام 2001، وبتلك الذريعة احتلوا أفغانستان والعراق، واليوم يهددون سائر الدول
الإسلامية بالاحتلال. وبعد أن يفنّد المؤلف تلك المواقف والآراء العدائية
للإسلام، يعتبر أن هذا الدين قد جاء بأطروحةٍ كاملةٍ وكافلةٍ لتأمين السعادة
الحقيقية لكافة البشر. وفي بداية الجزء الثاني من كتابه يطرح الشيخ الحيدري
عدة أسئلة مهمّة، هي:
ـ هل في الإسلام إرهابٌ وعنف؟ وإذا كان الجواب بنَعم، فلماذا؟ وكيف؟ وبأية حدود؟
وقد برع الدكتور الحيدري في الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في الجزء الثاني.
* الجهاد في سبيل الله
لكي يدلِّل المؤلّف على أن غزوات الرسول صلى الله عليه وآله وحروبه لم تكن مجرَّد
إشهار السيف على رقاب الناس، كما يدّعي المغرضون، فقد ظهر الشيخ الحيدري أسداً
حيدريّاً في الذود عن حياض الإسلام وكرامة المسلمين، حينما خصّص الجزء الثالث من
كتابه "الإرهاب والعنف" لشرح موضوع الجهاد المقدَّس في نوعيه: الهجومي والدفاعي أو
الدفاع المشروع عن النفس والعِرض والمال وديار المسلمين. وفي هذا الجزء يوضح الكاتب
مسألةً مهمّة، هي باب يدخل منه أعداء الإسلام لمحاربته فكريّاً ونعته بالإرهاب، من
قبيل قطع يد السارق ورجم الزناة، وغير ذلك من العقوبات الصارمة. وفي نهاية الجزء
الثالث يعرض المؤلّف موضوعاً شديد الأهمية هو الإمامة أو ولاية الأمة التي يعتبرها
أهمّ المسائل في الفقه السياسي الإسلامي. وبعد، فقد كان للدكتور محسن الحيدري
في كتابه "الإرهاب والعنف"، إجادات كثيرة يُوقَفُ عندها ويُشكر عليها.
1ـ من حيث المضمون:
أ إنّ الغاية من تأليف الكتاب غاية شريفة تتعلَّق بالدفاع عن الإسلام وإظهار
الحقائق ردّاً للافتراءات.
ب هذا الكتاب، بأجزائه الثلاثة، أقرب إلى موسوعة مصغّرة متنوِّعة الأغراض والمعارف
والموضوعات الدينية والسياسية والتاريخية والاجتماعية واللغوية وغيرها.
2ـ من حيث الأسلوب
أ-خلال صفحات الكتاب كانت الموضوعية رفيقة الكاتب في سبر أغوار بواطن الأمور وحقائق
التاريخ الإسلامي، سواء القديم أم الحديث، وعَرضها على القارئ بلا تعسُّف أو تعصب.
فهو لم يذكر معلومة إلا قرنها بالدليل الواضح والوثيقة القاطعة، معتمداً على أمهات
كتب التاريخ المعتبرة لدى عموم المسلمين وسواهم. وفي التعريفات اللغوية والاصطلاحية
اعتمد أهمّ المعاجم والموسوعات اللغوية والكتب العلمية ذات الاختصاص. غير أنَّ
موضوعية الكاتب وعلميَّته لا تعنيان حياديَّته تجاه المواضيع المطروحة؛ فهو إن آثر
- في عرض آرائه- الأسلوب العلمي التاريخي التوثيقي، غير مائل مع الهوى الشخصي
والمذهبي، فلم تَفُتْه حرارة الاندفاع في رفضه الظلم والافتئات (1) على الإسلام
والمسلمين، وتبيان الحقائق الناصعة والحجج الدامغة، من قبيل الاعتراف بوجود إرهابٍ
وعنفٍ في التاريخ الإسلامي كما لدى الأمويين والخوارج والعباسيين والقرامطة وتنظيم
القاعدة، مثلاً ولكنَّ الرسالة الإسلامية السمحة بريئةٌ من جرائم كل أولئك الخارجين
على حدود الله وضوابط الشريعة. غير أن هذا الاندفاع المشكور والمَثُوب لم يُخِلّ
بجدِّية الكاتب ورصانته، وقواعد التأليف العلمي الممنهج.
ب-أما لغة المؤلّف فقد جاءت عربية صافية لا يشوبها لَحْنٌ (2)، ولا يَعْتوِرُها
رِكَّةٌ أو ضَعف، بل كانت سلسةً كالماء الصافي الرقراق، تجري إلى حيث مراميها
الفكرية بدون التواء أو تعقيد. إنّ كتاب "الإرهاب والعنف" للشيخ محسن الحيدري،
يسُدُّ ثَلْمَةً في الفقه السياسي المعاصر، "ويحلّ لنا كثيراً من الشبهات المطروحة
هنا حول هذه المسألة" بحسب تعبير سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله (3). هذا
الكتاب ضروريٌ للمكتبة الإسلامية والتاريخية، فشكراً لمؤلّفه، ويبقى ثوابه الأوفى
عند ربّ العالمين.
(1) الافتئات: الافتراء والتجنيّ.
(2) اللحْن: الخطأ في الإعراب والبناء.
(3) في اللقاء الثاني الذي جرى بين سماحة السيد حسن نصر الله وبين فضيلة الشيخ محسن
الحيدري