مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الخصائص الفاطمية

آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي



قال رسول الله صلى الله عليه وآله "إذا اشتقتُ إلى الجنة شممتُ رائحة فاطمة" (1). إن وجود السيدة الزهراء عليها السلام هو مسجد العشق وريح الرضوان. ومهما كان القول متعالياً متسامياً فإنّه عاجز عن تعريف شخصية يعود أصلها إلى الملكوت، وتعود جذورها وأوراقها إلى عالم الناسوت، فالكلام هو حقيقة تعود إلى مكانٍ ما، وتلك الشخصية تعود إلى مكان آخر. لذلك قَدّم القرآن الكريم وصفاً للدنيا في قالب الكلام والأوصاف اللذين لا يمكنهما الحكاية عن صورة اللوح المحفوظ.

* لذة الخدمة الإلهية عند السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام
كانت فاطمة عليها السلام لا تُقبل على شيء كما تُقبل على طاعة الله، والتي كانت تشكل عندها لذة وحلاوة خاصة، فهي سبيل الوصول إلى العظمة الإلهية: "شغلتني عن مسألته لذة خدمته؛ لا حاجة لي غير النظر إلى وجهه الكريم" (2). ومن هنا لم يكن هناك أي شيء يمكنه تسكين هذا العشق سوى ذكر الله الذي كان دائماً على لسانها: "وارزقني (...) بشرى منك يا رب ليست من أحد غيرك تثلج بها صدري وتسرّ بها نفسي، وتقرّ بها عيني، ويطمئن بها قلبي" (3). لو طالعنا ساحة السلامة الروحية والنفسية لوجدنا طائراً طاهراً خفيف الجناح، بعيداً عن كل ما هو قبيح قد ملأ حسنُه وفضائلُه الأرجاء: "اللهم انزع العجب والرياء والكبر والبغي والحسد والضعف والشك والوهن والضرّ والأسقام والخذلان والمكر والخديعة والبلية والفساد من سمعي وبصري وجميع جوارحي وخذ بناصيتي إلى ما تحب وترضى" (4).

* العالمة والمعلِّمة
لو عدنا إلى ساحة العلم لوجدنا أن حقيقة العلم في سماء وجودها هي كنجمةٍ مضيئةٍ تترك شعاعاً خاصاً، فترى بذلك كل ما كان في الماضي الأزلي، وتدرك ما يجري في الحاضر وتعلم أسرار المستقبل "نادت (فاطمة): أُدن (يا أبا الحسن) لأحدثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حتى تقوم الساعة" (5). كانت فاطمة عليها السلام تتعلّم كل ما تسمعه من الوحي النبوي، ثم تبذل قصارى جهدها في الحفاظ على تلك العلوم السماوية، فكانت تعتقد أن لا شيء يعدل ذلك، لا بل كانت على استعداد لتقديم ولديها الحسنين عليهما السلام على أن لا تتخلى عن الكلام السماوي والنداء الملكوتي: "فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً" (6). وكانت عليها السلام لا تتعب في مقام تعليم المعارف الإلهية، ولا يضنيها أي صعوبةٍ أو ألمٍ في ذلك، وكانت روحي فداها تقول: "اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليَّ" (7).

* كفؤ الزهراء عليها السلام
كان الإمام علي عليه السلام يعتقد أن أفضل زوجة ليست تلك التي لا تسمح لزوجها بالوقوع في الأخطاء، وليست تلك التي لا تمنع زوجها من الحركة في مسير الكمال والعبودية لله تعالى، بل هي التي تساعده في هذا المسير الصعب. يقول الإمام عليّ عليه السلام: "الزهراء نعم العون على طاعة الله" (8). إذا كانت معرفة الكفؤ وسيلة لمعرفة الشخص، فلا يمكن معرفة الزهراء عليها السلام إلا من خلال كفئها عليّ عليه السلام، فلو لم يكن عليٌّ لما كان للزهراء عليها السلام كفؤ. عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "لولا أنّ أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه" (9).

* دفاعها عليها السلام عن حريم الولاية
إن فاطمة في مجال الدفاع عن حريم الولاية كانت كالبحر الهائج الذي وصلت أمواجه إلى الأوج فكان كل ما لديها فداءً لعليّ عليه السلام ولمقام علي عليه السلام؛ وهي التي قالت: "روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقاء" (10). وعندما شاهدتهم يأخذون علياً مكرهاً إلى المسجد قامت قائلةً: "خَلُّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعنَّ قميص رسول الله صلى الله عليه وآله على رأسي ولأصرخنَّ إلى الله تبارك وتعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي" (11).

مظهر الرأفة الإلهية
الزهراء عليها السلام هي المظهر الكامل للعطف والحنان والرأفة الإلهية، حتى أنها كانت بالنسبة للعصاة من الشيعة كمطر الرحمة الذي يجلي الذنوب ويرفع الكدورات: "إلهي وسيدي، أسألك بالذين اصطفيتهم وببكاء ولديَّ في مفارقتي أن تغفر لعصاة شيعتي وشيعة ذريتي" (12).

* ابتعادها عن الدنيا عليها السلام
من الجميل أن ننظر إلى الزهراء عليها السلام كيف كانت تتعاطى في مسألة الابتعاد عن الدنيا والميل نحو العقبى، عندها ربما نفهم لمَ كانت الآلام والصعاب تَسْهل وتَهون عليها. كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخاطبها عندما يشاهدها تطحن القمح بإحدى يديها وتمسح وجه الحسن بالأخرى: "يا بنتاه! تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؛ فتقول: يا رسول الله!، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه" (13).

الزهراء عليها السلام في مقام تربية الأبناء
أما الزهراء عليها السلام في مقام تربية الأبناء، فكانت كالمزارع العطوف الذي يتعامل بكل رفقٍ وحنانٍ مع زهوره، يتابعها بكل عناية ودقة حتى يحين وقتها فينتشر عطرها في وجود المجتمع البشري، فتنقله إلى أوج العبودية والعدالة. لقد كانت عليها السلام تأمر أبناءها بطاعة الله والعبودية لله وتوصيهم بوصايا تجعلهم في مصافّ والدهم عليّ عليه السلام.

أشبه أباك يا حسن!
واخلع عن الحق الرسن
واعبد الله ذا مـنن
ولا توال ذا الإحن (14).

* تحملها عليها السلام المصائب
لقد ارتقت الزهراء عليها السلام إلى مستوى الصلابة في تحمل المشكلات وقبول المصائب التي لم تهز بنيانها الثابت: "يا ممتحنةُ امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة" (15). بناءً على ما تقدم يجب القول إن السيدة الزهراء عليها السلام كانت قدوةَ النساء وإمامَ الرجال وزعيمةَ قاطبةِ الفضلاء. وبما أن الرضا والغضب وصفان يجمعان كافة الأوصاف الإنسانية، على أساس أن عمل الإنسان إما أن يكون مورد رضى الله تعالى أو مورد غضبه، وبما أن فاطمة عليها السلام مظهر رضا الله وغضبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك" (16)، لذلك من المناسب دراسة جميع الأوصاف الإنسانية طبق معيار رضى فاطمة عليها السلام وغضبها.


(1) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 218.
(2) الخصائص الفاطمية، الشيخ محمد باقر الكجوري، ج 2، ص 385.
(3) بحار الأنوار، ج 83، ص 67، ذكر تعقيب صلاة الظهر.
(4) بحار الأنوار، م.س، ج 83، ص 86.
(5) عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب، ص 54.
(6) دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، ص 66.
(7) بحار الأنوار، م. س، ج 2، ص 3.
(8) م. س، ج 43، ص 117.
(9) أمالي الصدوق، ص 474، ح 18.
(10) الأنوار العلوية، الشيخ جعفر النقدي، ص 280.
(11) بحار الأنوار، م. س، ج 28، ص 206.
(12) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري، ص 53.
(13) بحار الأنوار، م. س، ج 43، ص 86.
(14) فضائل الخمسة، الفيروز آبادي، ج 3، ص 21.
(15) بحار الأنوار، م.س، ج 97، ص 114، زيارة السيدة الزهراء عليها السلام.
(16) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ج 1، ص 458.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع