مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

صور من حيـاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام

الشيخ كاظم ياسين



ولد عليه السلام يوم الجمعة 8 ربيع الآخر سنة 231 (1)، أو 232 هجرية (2)، في المدينة، وحمل مع أبيه الهادي عليه السلام سنة 234 إلى سرّ من رأى، فكانت مدة مكثه في المدينة سنتين فقط، وعاش في ظل أبيه 22 سنة حيث تولَّى منصب الإمامة في سنة 254 بعد استشهاد أبيه، وعمره الشريف آنذاك اثنان وعشرون عاماً. واغتيل بعد ست سنوات، وذلك سنة 260 في سرّ من رأى في 8 ربيع الأول، وله يومئذ 28 سنة. واسم أمِّه: حديث.

وكانت مدة إمامته ست سنين. من ألقابه: الهادي، والسراج، والعسكري، وكان هو وأبوه وجده يُعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا. أمضى الإمام عليه السلام الجزء الأكبر من عمره الشريف بسامرّاء، وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام الهادي عليه السلام.


النص على إمامته وظروفها
من النصوص الدالة على إمامته عليه السلام، ما رواه الكليني، عن النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره فمر بنا محمد ابنه، فقلت: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال: "لا، صاحبكم بعدي ابني الحسن" (3).  تعتبر مدة إمامة الإمام الحسن العسكري أقصر مدة للإمامة في تأريخ أهل البيت عليهم السلام، ولكنها كانت متميّزة بالأهمية وبحراجة ظروفها. 

أما حراجة ظروفها فلأن العباسيين كانوا يراقبون تحركات الأئمة المعصومين عليهم السلام عن كثب ويحاولون السيطرة التامة على كل نشاطاتهم وهم يتوقَّعون كسائر المسلمين ولادة المهدي المنتظر من نسل الحسين بن علي عليه السلام، بل تزيد حساسيتهم عن غيرهم لأنهم المسيطرون على جهاز الحكم وهم أبناء عمومة العلويين، فهم طرف المنافسة الحقيقية لقيادة أهل البيت عليهم السلام وزعامتهم السياسية والدينية، ومن هنا نجد اهتمامهم البليغ برصد كل حركات الأئمة الأطهار منذ ولاية عهد الإمام الرضا فالجواد والهادي والعسكري عليه السلام.  وأمَّا تميّزها بالأهمية القصوى، فلأن مهمّة الإمام كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه، والنص على إمامته، وتعريف الشيعة به، والمحافظة على وجوده، ثم التمهيد لغيبته، وربط الوكلاء به، والتنسيق لاستمرار الارتباط الصحيح به، بحيث لا تنهار كل الأواصر التي أوجدها الأئمة الأطهار مع شيعتهم، ولا يتفتت الكيان الذي أسسوه على مدى قرنين ونصف من النشاط المباشر في تربية الشيعة، وضرورة الانتقال بهم من الارتباط المباشر إلى الارتباط غير المباشر مع حفظ استقلال الكتلة الشيعية في الوسط غير الشيعي الذي يهدد وجودهم..

* الوضع السياسي العام للدولة العباسية في عصر الإمام العسكري عليه السلام

أطلق المؤرخون على الفترة التي تبدأ بخلافة المتوكل وما بعدها عنوان: العصر العباسي الثاني، لما لها من خصائص امتازت بها عن خصائص ما قبلها، بعد سقوط الدولة الأموية وقيام دولة بني العباس. فقد ازداد سوء الحالة العامة وتدهور الوضع السياسي للدولة العباسية مع امتداد عمر هذا العصر(4). وانتشر اللهو والمجون وحياة الترف (5). وكثرت حوادث الشغب والفتن (6) والتقاتل والانقسام المذهبي والتفكك الاجتماعي، كثورة الزنج (7)، التي ادعى زعيمها أنه ينتسب إلى الإمام علي عليه السلام، ولكن الإمام العسكري عليه السلام كذَّب هذا الإدعاء، ووقّعَ: "صاحب الزنج ليس من أهل البيت" (8). وفي نصّ الإمام عليه السلام هذا دلالة على عدم شرعية هذه الثورة وعدم ارتباطها بخط أهل البيت عليهم السلام وأنها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الإسلام.  كذلك ازدادت الحركات الانفصالية المسلحة المناوئة للسلطة العباسية في أطراف الدولة (9). 

وتجزّأت الخلافة العباسية وتفككت الدولة ونشأت الدويلات المستقلة، وكان أكثرها بيد العرب في الغرب، وكلها في يد الترك والفرس في الشرق. وهذه الدول هي: الدولة الأموية في الأندلس ودولة الأدارسة ودولة الأغالبة والدولة الطولونية والدولة الإخشيدية والدولة الحمدانية والدولة الظاهرية والدولة الصفارية والدولة السامانية والدولة الغزنوية. وقد عاش الإمام العسكري عليه السلام أعواماً عصيبة في هذا العصر، فقد عاصر خلفاء مستبدين هم المعتز والمهتدي والمعتمد، اعتلوا عرش الدولة منذ أن قدم سامرّاء مع أبيه الإمام الهادي عليه السلام حيث استمر قاطناً فيها حتى استشهد عام 260، وكان المعتصم قد نقل عاصمة الخلافة من بغداد إلى سامرّاء بسبب سلوك الأتراك السيّئ وشكاية أهالي بغداد منهم. 

وبالرغم من الضعف الذي أحاط بالسلطة العباسية في عصر الإمام عليه السلام فإنها ضاعفت إجراءاتها التعسفية في مواجهة الإمام وكتلته الشيعية المنقادة لتعاليمه وإرشاداته عليه السلام، فلم تضعف في مراقبته ولم تترك الشدة في التعامل معه بسجنه. لأن أطروحته الفكرية والسياسية المتميزة كانت تتناقض مع أطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن منهج الإسلام الصحيح(10). وكان كل الحكام، سواء الأمويون أم العباسيون، من الذين نصبوا العداء لأهل البيت عليهم السلام مع أنهم كانوا يعلمون جيداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة النبي الحقيقيون، ولكن لم يكن يمكنهم أن يسيطروا على السلطة إلا بإبعادهم عن مصادر القدرة، وذلك بمحاصرتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الأمة والتضييق عليهم بمختلف السبل القمعيّة.

* سياسة العباسيين تجاه الإمام العسكري عليه السلام
اتبع العباسيون اتجاه الإمام العسكري عليه السلام سبلاً خاصة لتحجيم دوره ووضع حاجز بينه وبين مواليه، وذلك بفرض الإقامة الجبرية على الإمام بقرب البلاط. ثم مراقبته مراقبة شديدة، وفحص أموره صغيرها وكبيرها، واتخاذ إجراءات صارمة تجاهه من سجن أو مداهمة في بيته، مع إكرامه واحترامه ظاهراً لأجل ذرّ الرماد في العيون، وإسكات من يحاول الاحتجاج على المراقبة والمضايقة(11).

* مواجهة الإمام عليه السلام لسياسة العباسيين
اتخذ الإمام العسكري عليه السلام أساليب مضادة إزاء أساليب السلطة، فكان اتصاله عليه السلام بشيعته وخاصة في الأمصار يتم عن طريق الوفود التي تقدم إلى سامراء. وعن طريق الوكلاء في الأقاليم التي يسكنها الشيعة.
وللمحافظة على شيعته، شدّد الإمام العسكري دعوته إلى الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار والوصايا عنه والأوامر منه إلى أصحابه ونقل أخبارهم إليه. فقد كان الشيعة قد انتشروا في أقطار الدولة الإسلامية، وأخذ التشيع طابع المعارضة التي اتسعت دائرتها تحت راية أهل البيت عليهم السلام. وكثيراً ما كانت تصدر عنه عليه السلام التحذيرات المهمّة للشيعة تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية تجنيباً لهم من الوقوع في شَرَك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها. ولم تنحصر مواجهة الإمام بالسلطة، بل كان هناك أيضاً خطر النواصب الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي عليهم السلام. وكان هناك الفرق المذهبية والسياسية الأخرى، ممن وقف ضدّ أطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة، كالصوفيّة والواقفة والثنوية. استمر اهتمام الإمام العسكري عليه السلام بإدارة الأمور المالية، فكان يكتب الرسائل لوكلائه في هذا الخصوص (12). حيث أكد الإمام فيها على ضرورة دفع الحقوق الشرعية بدون تأخير.

* دوره عليه السلام في الإعداد لغيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه
وكان دور الإمام العسكري عليه السلام في الإعداد والتمهيد لغيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه دوراً متميّزاً ومختصاً به عليه السلام، وإن كانت فكرة الغيبة وظهور إمام يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً قد مهّد لها رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده الأئمة من أهل بيته عليه السلام. غير أن أهميّة دور الإمام العسكري عليه السلام وخصوصيّته كانت تتضح من خلال الجانب الإعدادي المباشر لمرحلة الغيبة والتي أوشكت أن تقع. فلم يكن الإمام العسكري يواجه أمراً لم تتهيّأ له الذهنية الإسلامية، بيد أن الصعوبة كانت تتمثّل في الجانب الأهم من الفكرة وهو الجانب العملي.  ومن هنا كان على الإمام أن يتخذ مجموعة من الإجراءات لتحقيق كل أهدافه في هذا الجانب وهي: كتمان الولادة، ثمّ عرض الإمام المهدي على خواص الشيعة بشكل سرّي ثمّ الإشهاد على النص على إمامته مع مراعاة كل الجوانب الأمنية التي تحيط بهذا الموضوع. 

فقد أمر الإمام عليه السلام خاصة شيعته، حينما بشّرهم بولادته عجل الله فرجه، أن يكتموا أمره ويستروا ولادته عن الآخرين فقال عليه السلام: "ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً" (13). ولكن ذلك كان في دائرة خاصّة، دائرة الذين يؤتمنون على مثل هذا الأمر، بعد أن عرضه عليهم (14). ثم نص على إمامته وغيبته وأشهد على ذلك (15)، وأخفى مولده عن عامة الناس لشدة طلب السلطان له واجتهاده في البحث عن أمره.

* شهادته عليه السلام
وكان مرضه عليه السلام الذي توفي فيه في أول شهر ربيع الأول سنة 260، حيث استشهد يوم الجمعة في الثامن من هذا الشهر، وخلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق.  ودفن الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلى جانب أبيه الإمام الهادي عليه السلام (16) في سامراء، وأشار أغلب المؤرخين إلى مكان دفنه دون إشارة لسبب وفاته (17)، بالرغم من أنه كان صحيحاً سالماً وفي عمر الشباب حيث لم يتعد عمره الثامنة والعشرين(18). وقد ذكر في الصواعق المحرقة أنّ الخليفة العباسي قد دس له السم (19).


(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 362. وتاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 7، ص 366
(2) الإرشاد الشيخ المفيد، ج 2، ص 313. والكامل في التأريخ، ابن الأثير، ج 7، ص 274.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي، 340، ص 133. الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 162، 198.
(4) الكامل في التأريخ، م.س، ج 1، ص 4، ومروج الذهب، المسعودي، ج 4، ص 60 وما بعدها
(5) مروج الذهب، م.س، ج 4، ص 11.
(6) الكامل في التأريخ، م.س، ج 4، ص 390.
(7) تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج 7، أحداث السنين (225ـ 270 هـ).
(8) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ج 2، ص 424.
(9) تاريخ الأمم والملوك، م.س، ج 8، والكامل في التأريخ ج 4، وأحداث تلك الأعوام في المصدر السابق.
(10) م. ن.
(11) تأريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، ص 190.
(12) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، 577ـ 518.
(13) كمال الدين، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 434.
(14) م.ن، ص 431.
(15) الغيبة، للشيخ الطوسي، ص 217.
(16) المنتظم في تأريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي، ج 7، ص 126.
(17) الكامل في التأريخ، م.س، ج 4، ص 454 وتاريخ الأمم والملوك، م.س، ج 7، حوادث سنة 260هـ.
(18) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ابن الصباغ، ج 2، ص 1090.
(19) الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي، ص314.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع