إبراهيم منصور
* التمثيل القرآني
قال تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ*
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ (الشعراء: 224-225).
إنّ اللهُ لا يعني أوديةَ الأرض التي هي مفارِجُ بين الجبال والتلال والإكام،
ومسالِكُ للسيول، إنّما هو مثَلٌ لشِعرِهم وقولِهم، كما نقول: أنا لك في وادٍ وأنتَ
لي في وادٍ؛ أي في وادٍ من النفعِ وصِنْفٍ من النَّفْع. والمعنى أنّ الشعراء يقولون
في الذمِّ ويكذبون فيمدحونَ الرجل ويُسمَّونه بما ليس فيه. ثمَّ استثنى اللهُ
الشعراءَ الذين مدحوا سيِّدنا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وردُّوا هجاءه
وهجاءَ المسلمين، فقال عزَّ من قائل: ﴿إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الشعراء:
227)؛ أي لم يَشْغَلْهُم الشعرُ عن ذكر الله، ولم يجعلوه همَّتهم، وإنّما
ناضلوا عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأيديهم وألسنتهم فهَجَوْا من يستحقُّ
الهجاءَ، وأحقُّ الخَلْقِ به مَنْ كذَّب برسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهجاه(1).
* من أمثال العرب
"لَوْ لَكَ أَعْوي ما عَوَيْتُ".
أصل هذا المثل أنَّ الرجل كان إذا أَمْسَى بالقَفْرِ عَوَى ليُسْمِعَ الكلابَ، فإنْ
كان قُربَهُ أنيسٌ أجابَتْهُ الكلابُ، فاستدلَّ بعُوائها على الحيِّ. وذات مساء عوى
هذا الرجلُ فجاءه الذئبُ فقال: لَوْ لَكَ أَعْوِي ما عَوَيْتُ(2).
*مفردة غنيّة بالمعاني
1 - النَدى: وهو السَّخاءُ والكَرَمُ والجودُ، ورَجُلٌ نَدٍ أي: جوادٌ،
وفلان أندى من فلان إذا كان أكثر منه خَيْراً. كما تُستخدم الكلمة في المعاني
التالية:
2 - النَدى: المُجَالَسَةُ، وتنادى القومُ؛ أي تجالسوا في النادي.
3 - النَدى: البَلَلُ، وهو ما يسقُطُ بالليل على العُشب والشجر والأرض،
والجمعُ أنداء وأنديَة. وقد اشتُقَّ فعلُ تندَّى؛ أي تبلَّلَ من الندى. وفي الحديث
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ لَقِيَ الله ولم يتندَّ من الدم
الحرام بشيء دخلَ الجنَّة"(3)، فكأنّه لم يُصبْ منه شيئاً ولم يَنَلْهُ منه شيء،
فكأنَّه لم تَنَلْهُ نداوةُ الدمِ وبَلَلُه.
4 - النَدى: الغَيثُ والمطرُ.
5 - ندى الخير: المعروف، يُقالُ: إنَّ يَدَهُ لَنديَّةٌ بالمعروف.
6 - النَدى: الغايةُ مِثْلُ المدى.
7 - النَدى: هو بُعْدُ الصوت، ورجُلٌ ندِيُّ الصوتِ: بعيدُهُ. ومنه اشتُقَّ
النِّداء والتنادي، وفي الحديث: "اثنَتان لا تُرَدَّان: الدعاء عند النداء وعند
البأس"(4)؛ أي عند الأذان للصلاة وعند الجهاد. وقال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ (غافر: 30)؛ أي يوم يُنادي أصحابُ النار
أصحابَ الجنَّةِ أن أفيضوا علينا.
8 - ندّى: هرب وفرّ. من قولهم: ندَّ البعيرُ إذا هرب على وجهه؛ أي يفِرُّ
بعضُكم من بعض.
*من فروق اللغة: بين "الضاد" و"الظاء"
1- العظةُ والعضةُ: فأما العظةُ، بالظاء: فالتنبيه لأفعال الخير، ومعالم
البرِّ، والنصيحة والزّهد في الدّنيا وذكر المعاد. وفي القرآن:
﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾ (النساء: 63)، و﴿ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل:
125).
وأمّا العضةُ، بالضّاد: فشجرةٌ ذات شوكٍ، مثل السِّدر، والطّلحِ. وجمع العضة: عضاه،
وعِضين. ومن ذلك قول الشاعر:
وادي العقيقِ سيلُهُ غَزيرُ
عَضَاهُهُ وطَلْحُهُ كثيرُ
2- الحاظر والحاضر: فأما الحاظر، بالظّاء: فهو المانع الحاجز بين الأشياء.
والمحظور: الممنوع. وفي القرآن الكريم: ﴿وَمَا كَانَ
عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ (الإسراء: 20). ومنه اشتُقّ الحظير،
والحِظارُ: وهو حائط يُعمَلُ من خشب أو قَصَب، يمنعُ من الرِّيح والبرد، وغير ذلك.
وجمعها حظائر.
وأمّا الحاضر بالضاد: فهو ضد الغائب. وفي القرآن الكريم:
﴿ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ﴾ (البقرة: 196). و"الحضَر"، بفتح الضاد: ضدّ البدو. و"الحضْر"،
بوقف الضاد: حصْن منيع.
3- الظَّنُّ والضَّنُّ: الظنّ، بالظاء: الشكّ، وخلاف اليقين. يُقال: ظننتُ
بفلان خيراً؛ أي حسِبته وألفيته. وأما الضَّنُّ، بالضاد: البُخلُ، نحو ضَنَّ يَضُنُّ
ضنَّاً. وفي القرآن الكريم: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ﴾ (التكوير: 24)؛ أي ببخيل. والضِّن: بكسر الضاد: الاسمُ(5).
*من جذور الكلام
السَّرَقُ: هو الاختلاس وأَخْذُ الشيء في خِفْيَةٍ؛ أي السَّرِقة، وللسَّرَق
معنىً آخر هو أجْوَدُ الحرير. قال الأخطل:
يَرْفُلْنَ في سَرَقِ الفِرندِ وقزِّهِ
يَسْحَبْنَ مِنْ هُدَّابِهِ أذْيالا
والفِرِنْدُ –هنا- نوعٌ من الثياب، وهو فارسيّ معرَّب أصلُهُ: "بِرِنْد". أمَّا أصلُ
السَّرَقِ بالفارسيَّةِ فهو "سَرَهْ"؛ أي جيِّد، فعرَّبوه، كما عرَّبوا "استَبْرَق"،
وأصلُه "استَبْرَه"، وهو الديباج أو الحرير الغليظ(6).
* في معنى الوَحْي
الوَحْيُ: الإشارةُ والكتابةُ والرسالةُ والإلهامُ والكلام الخَفيُّ وكلُّ ما
أَلْقَيْتَهُ إلى غيرك. وقد أَوْحَى اللهُ تعالى إلى سيِّدنا رسول الله بشيء فخصَّ
به أهل البيت عليهم السلام. وفي التنزيل العزيز:
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ (النحل: 68)، وفيه:
﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ (الزلزلة: 5)؛
أي إليها، فمعنى هذا أمَرَها. وأَوْحَى بمعنى أَوْمأ وأشارَ، وفي مُحْكَمِ التنزيل:
﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (مريم: 11).
ويقول تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ
الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ (الأنعام: 112). معناه: يُسِرُّ بعضهم إلى بعض،
وهذا هو أصلُ معنى الوَحْي، ثمَّ قُصِرَ الوحيُ للإلهام؛ وقيلَ في معنى قوله عزّ
وجلّ: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ
آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي﴾ (المائدة: 111)؛ أي أمرتُهُم، وقيل: أتيتُهم
في الوحي إليكَ بالبراهين والآيات التي استدلُّوا بها على الإيمان، فآمنوا بي وبك..
وقال المولى تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى
أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ (القصص: 7). الوحي ههنا إلقاءُ اللهِ في قلبها، وهو
وَحْيٌ من الله على جهةِ الإعلام للضمانِ لها: ﴿إِنَّا
رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7).
1- لسان العرب، ابن منظور، مادة (ودي).
2- (م.ن)، مادة (عوى).
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج72، ص86.
4- رياض الصالحين، النووي، ص534.
5- من كتاب "معرفة الفرق بين الضاد والظاء" للمؤلف أبي بكر محمد بن أحمد الصدفيّ
الإشبيليّ المعروف بابن الصابُوني الشاعر (المتوفى: 634هـ) وهو من تحقيق الدكتور
حاتم صالح الضامن ونشر دار نينوى للدراسات والتوزيع، دمشق، ط1، 2005م.
6- لسان العرب، (م.س)، مادة (سرق).