تحقيق: نقاء شيت
عندما يُبصر الإنسان النّور، ويأتي إلى هذه الدنيا، تبدأ مسيرته في التواصل مع
الآخرين، فتكون اللّغة والخطوط هي الوسيلة الأمثل لفَهم مَن حوله. يحاول إصدار
الأصوات ليعبّر عمّا يريد. ينطق كلمته الأولى، ومن ثم يبدأ باستكشاف اللغة. يردّد
الأحرف والكلمات دون أنْ يفهم معناها، ويُبحر في مخيّلته لينسج لغته الخاصة. يربط
كل حرف بكلمة، فيتشكّل قاموسه اللغوي، وتبدأ قصصه المنسوجة من بحر الخيال. يردّدها
على مَن حوله بكلّ ثقة، ونستمعها بكل محبّة واهتمام. من هنا، يبدأ الإنسان رحلته مع
القصص على اختلاف أنواعها. وهنا يُصبّ الاهتمام على الكتب، فيتوق الفرد لاقتنائها
ليقرأ ما بين السطور، وينسج جميل أحلامٍ من حِبرٍ وورق.
* مكتبة مهدي المتجوّلة
من ضمن مشاريع نشر ثقافة المطالعة، هناك ما يُسمّى "مكتبة مهدي المتجوّلة"، والتي
أطلقتها كشّافة الإمام المهديّ | في لبنان بالتعاون مع مركز التنمية الفكريّة
للأطفال والناشئة في إيران. وهي عبارة عن حافلة ثقافة ومعرفة متنقّلة، موجّهة إلى
الأطفال والناشئة بهدف تعزيز العلاقة مع الكتاب ونشر الوعي والثقافة بأسلوب جذّاب
وسهل.
حول هذا الموضوع، كان لمجلّة "بقيّة الله"، لقاء مع مفوّض الفنون والمواهب في
جمعيّة كشافة الإمام المهدي | القائد الكشفي علي خليل، الذي أخبرنا أن تحتوي
المكتبة أكثر من 8000 كتاب في مختلف المجالات الأدبيّة والتربويّة والعلميّة
والفنيّة، مضافاً إلى أكثر من 1000 قرص مُدمج من الأفلام ومختلف البرامج الرقميّة.
كما تقدّم "مكتبة مهدي المتجوّلة" خدمة الإنترنت السريع، وذلك عبر 10 حواسيب محمولة
ذات مواصفات عالية الجودة. وتحتوي على شاشة تلفاز ضخمة ثلاثيّةِ الأبعاد ومجموعة
كبيرة من الألعاب الفكريّة والتربويّة.
يذكر القائد خليل أنّ المكتبة صُمّمت لتراعي أكبر قدرٍ ممكن من شروط الصحّة
والسلامة العامّة أو من حيث تصميم الأماكن المريحة لزوّار المكتبة، ويضيف: مضافاً
إلى الخدمات المباشرة التي تقدّمها المكتبة، فإنّها تقوم برعاية وتنفيذ باقةٍ
متنوّعةٍ تضمّ أكثر من 40 نشاطاً فنيّاً مختلفاً (كالرسم، صناعة الدمى، الأشغال
الفنيّة وغيرها..)، والأنشطة العلميّة (تجارب علميّة، مطالعة، كتابة قصص..)، مضافاً
إلى العديد من النشاطات والفعاليات الثقافيّة والتفاعليّة.
* مسابقة الفكر الإسلاميّ الأصيل
للتحفيز على مطالعة أنواع أخرى مختلفة، كانت المسابقات الخطيّة كمسابقة "الفكر
الإسلاميّ الأصيل"، التي أطلقتها التعبئة التربوية بالتعاون مع المستشاريّة
الثقافيّة في الجامعات لأربع سنوات متتالية منذ عام 2009م وكانت حينها تسمّى مسابقة
العلّامة "الشهيد الشيخ مرتضى مطهري"؛ لأنّ أسئلتها كانت من كُتبه الخاصّة.
التقت مجلة "بقيّة الله" مسؤول القسم الجامعي للتعبئة التربويّة في بيروت، الحاج
حيدر شميساني الذي قال: إنّ "المسابقة حقّقَت خلال هذه السنوات عودة للحركة
الفكريّة الناشطة ومناخَ استحضار وتثبيت الإسلام المحمّدي الأصيل الذي يقدّمه
العلّامة مطهّريّ في كتاباته، حيث ارتفعَ عدد المشاركين في الجامعات من أربعمائة
وخمسين مشاركاً في سنة 2009م إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة مشارك عام 2012م، واتّسعَ
نطاقها من بيروت إلى المناطق كافّة، وتوسّع استهدافُها من الجامعات إلى المرحلة
الثانويّة والمعلّمين، حتّى بلغ مجموع المشاركين في 2012م في الجامعات والثانويات
وتجمّع المعلّمين ستّة آلاف وخمسمائة مشارك".
ويضيف الحاج شميساني: إنّ المشروع تطوّر ليصبح تحت عنوان "جائزة الفكر الإسلاميّ
الأصيل" برعاية مباشرة من الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله الذي
شجّع على المشاركة فيها قائلاً: "إنّ هذه المسابقات تُدخل السرور إلى قلب صاحب
العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف". وصارت المسابقة حول فكرة معيّنة كتبها
أكثر من شخصيّة وهم: الإمام الخميني قدس سره، الإمام القائد دام ظله، الشهيد السيّد
محمد باقر الصدر قدس سره، الشهيد الشيخ مرتضى مطهّري قدس سره، المغيّب السيد موسى
الصدر (أعاده الله ورفيقيه)، العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي قدس سره. ويذكر
الحاج شميساني أنّه يتمّ إجراء جلسات نقاش للكتاب المتعلّق بالمسابقة داخل
الجامعات، كما يقيم مندوبو التعبئة في الجامعات مسابقات جزئيّة في الكتاب كتأكيد
على مواصلة القراءة.
* مكتبة لنشر الثقافة في بلدة معركة والقرى المجاورة
من بلدة معركة، تحدّثنا مع الحاج حسن حجازي، الذي ولشغفه وحبّه للمطالعة استطاع
إنشاء مكتبة في قريته لنشر الثقافة فيها وفي القرى المجاورة...
يذكر الحاج حسن حجازي في مقابلة له مع مجلّة "بقيّة الله"، أنّ شغف القراءة لازَمه
منذ الصغر، حيث كان يوفّر من مصروفه اليوميّ لشراء الكتب بمختلف أنواعها الثقافية،
والاحتفاظ بها في مكتبته الخاصّة حتّى ناهز عددها المئات. وعندما بدأت حياته
الجامعيّة والعمليّة، ساعده الحصول على راتب شهريّ في شراء المزيد من الكتب
المتنوّعة: الدينيّة، الثقافيّة، المسرحيّة والفنيّة.
اهتمّ الحاج حجازي بنشر روح الثقافة والمطالعة بين أقرانه وجيل الشباب، حيث كان
يعير زملاءه كتباً من مكتبته الخاصة، ثمّ تطورت الفكرة مع ازدياد عدد الكتب في
المكتبة فأنشأ "مكتبة الثقافة" في بلدته معركة، بالتعاون مع بعض الإخوة والأصدقاء.
ويتحدث عن أوّل تجربة له تمثّلت بتوزيع كمّ هائل من الكتب في العام 1997م، يقول:
"تعاونتُ مع إخوتي على شراء خمسة آلاف كتاب تتضمّن خمسين عنواناً منوّعاً في شتّى
العلوم، أدرجتها في لائحة مع السعر الأساسيّ لها، وعرضتها (100 مجموعة) بحسم 85%
على الأصدقاء في بلدتي معركة وفي منطقة صور، ونفَدَت الكميّة خلال ثلاثة أيام. كان
لنجاح هذه التجربة أثر هامّ في الانطلاق نحو فكرة نشر الكتب وتوزيعها بأسعار
ميسّرة، فولدت فكرة "إنشاء مكتبة في كلّ بيت" من خلال توزيع العروض، وكان هناك عروض
خاصّة بقصص الأطفال لمختلف المستويات التعليميّة. وقد بلغ مجموع العروض التي جرى
توزيعها 35 عرضاً... مثلاً: كان العرض الخاصّ بالأطفال يحمل رقم 5 ويتضمن حوالي 40
قصة، وبلغ مجموع القصص الموزعة خلال شهرين أربعين ألف قصّة". ويكمل الحاج سرده
بالقول: "أمّا المعارض للأهالي والمعلمين والتلامذة، فقد كان المنطلق من نجاح
المعرض الأول في بلدتي الذي كان مقرراً لمدّة أسبوع، فاستمرّ عشرين يوماً. وهكذا
وبالتلازم مع العروض التي توزّع على الجميع، بدأت سلسلة معارض في المدارس الخاصّة
لمنطقة صور وبعض مدارس النبطيّة، وأصبحت فيما بعد معارض سنوية".
وفي كلمة أخيرة عن خطّته المستقبليّة، يخبرنا الحاج حجازي: "هناك خطّة جديدة لتوزيع
الكتب ونشرها، بالتعاون مع البلديات، وخاصّة في بلدتنا معركة، حيث إنّ البلدية تبدي
حرصاً على العمل الثقافيّ والمحاضرات والندوات والأمسيات. ولذا نأمل التعاون معها
في تنفيذ الانطلاقة الجديدة".
* نادي الكتاب عنقون
أنشأ مجموعة من الشباب في بلدة عنقون "نادي عنقون للكتاب"، وذلك بالتّعاون مع
البلديّة. فتح هذا النادي المجال أمام هواة القراءة، ثمّ شكّلوا لجنة من ستّة أعضاء
تمثّل النادي لينظّموا مسيرتهم في نشر الثقافة.
توسّع عمل النادي فيما بعد، ليشمل بلديّات وجمعيّات مختلفة. التقت مجلة "بقيّة
الله" برئيسة النادي الشابة "جوليانا محيدلي"، التي أخبرتنا أنّ هدف النادي هو نشر
الثقافة في القرى الجنوبية للبنان، وفتح مجال أمام هواة القراءة وتشجيع الجميع، لا
سيّما الفئات الشابة، على المطالعة، وتوثيق العلاقة مع الكتب على اختلافها.
أمّا عن بعض نشاطات النادي، فقالت إنّهم يشاركون في أمسيات ثقافيّة ونشاطــات
بيئيّة ومعارض، وندوات تربـويّة مختلفة لينشروا رسالتهم بين الناس. ومن الأفكار
الجميلة التــي استخدمها النادي، مشاركته في كرنفال للسيارة القديمة في بلدة مغدوشة
بمناسبة مهرجانات الشمس، وذلك عبر سيارة قديمة زُيّنت على شكل مكتبة وتضمّنت العديد
من الكتب الثقافيّة والروائيّة المختلفة.
ومن ضمن أفكاره الجميلة، يُقيم النادي كلّ فترة جلسة تحت عنوان "كتاب وفنجان قهوة"،
يتحدّث فيها كلّ فرد عن كتابٍ قرأه. وبذلك تتنوّع الأفكار وتتفتّح سُبل اختيار كتب
جديدة للقراءة في وقت قصير، وهي مدّة ارتشاف فنجان القهوة.
الحديث عن الكتاب يطول والنشاطات متنوّعة منها المكتبات التي أنشأتها البلديات في
القرى العديدة، والنوادي الثقافية ضمن الجامعات والمعاهد والثانويّات، ومنتدى
الشباب القارئ وغيره من المنتديات الثقافيّة... كلّ هذه النشاطات تؤكّد لك وتخبرك
عزيزي القارئ أن "خير جليس في الأنام كتاب". فالزم كتابك واقرأ لترقى.