الشيخ علي ضاهر(*)
"... نجح المؤمنون والشبيبة المجاهدون في لبنان في استثمار آليّة الإعلام على أحسن
وجه، وبالشكل اللائق على صعيد تحرّكهم المناهض للصهيونيّة. فقد أفلحوا في تجسيد
عنصر المقاومة والتضحية أمام العالم الإسلامي. وهكذا يدبّ الوهن في نفس العدوّ..."(1).
يؤكّد كلام الإمام الخامنئي دام ظله على تلازم حركة الإعلام وأدائه العمليّ في
مواجهة العدوّ العسكرية في كلّ تفاصيلها ومجرياتها، وهو في أحيان أخرى يمثّل عنواناً
لحرب منفصلة تتقاطع في مكان أو آخر مع المجريات الميدانيّة، فتسمّى "الحرب النفسيّة"،
حين يقول سماحته: "يدبّ الوهن في نفس العدوّ".
•بدايات الفنّ المقاوم
في البدايات، كانت خطوات حزب الله الإعلاميّة لا زالت يافعة، وكنّا نتلمّس هذا
الأداء عبر وسائل بدائيّة وبسيطة، من خلال اليافطات والبوسترات والمنشورات، والرسم
والتخطيط على الجدران، بالإضافة إلى الأناشيد واللطميّات والشعارات الثوريّة،
المسرح العاشورائيّ، أو عبر منابر المساجد التي شكّلت صنواً لا مثيل له في الإعلان
عن هذه المسيرة. كلّ تلك التعابير حملت معها روح إباء عالية الهمّة، وروح ثورة كانت
مغايرة تماماً لكلّ ما خبره الناس من حركات مقاومة، سواء في لبنان أو العالم. وكان
الإعلام المضادّ، يشوّه هذه الانطلاقة اليافعة في أنّ حزباً صغيراً يشنّ حرباً على
أعتى قوّة في "الشرق الأوسط"، وعلى الجيش "الأسطورة"، ويحاول تشويهها واتّهامها
بشتّى أنواع الأوصاف.
•المؤسسات الإعلامية: الدور والإنجازات
وما هي إلّا سنوات قليلة، وفي مطلع الثمانينات، حتّى بدأت الوسائل الإعلاميّة
بالظهور في بيئة المقاومة ومجتمعها، فتأسّست اللجنة الفنيّة، وجريدة العهد، وإذاعة
المستضعفين، وإذاعة النور، وتلفزيون الفجر الذي كان يغطي منطقة البقاع، وبعدها تمّ
تأسيس قناة المنار عام 1991م، وقد بدأت بثّها الفضائيّ في العام 2000م. وكان
للإعلام الحربيّ دور أساس في مواكبة الكاميرا لحركة المقاومة، وتسجيل عمليّاتها،
وبثّها على القنوات المتاحة. وتمكّنت من شنّ حرب نفسيّة ضدّ العدوّ وفضحه، ورفع
معنويّات المقاومة وجمهورها. وبعد ظهور الإنترنت، ظهر الإعلام الإلكترونيّ كواحدة
من المنصات التي استفاد منها حزب الله والمقاومة، وكان لها دورٌ كبيرٌ في احتضان
المقاومة وحمايتها إعلاميّاً.
•أعمال فنيّة
ترافق تأليف نشيد حزب الله، مع ظهور أشكال جديدة من الفنون والتجمّعات الشعبيّة،
مثل أول عرض ليوم القدس، وظهور أول فرقة للأناشيد الإسلاميّة-الثوريّة تحت اسم فرقة
الولاية، تبعها لاحقاً مجموعة فرق مثل: (فرقة الإسراء، فرقة العهد، فرقة الفجر)
بالإضافة إلى مجموعة معارض فنية، مثل معرض عن المقاومة جمع بين الآثار العينيّة
والأعمال الفنيّة 1989م (القاعة الزجاجيّة)؛ أوّل فيديو كليب عن المقاومة 1991م (قد
سمّاك الله شهيداً)، وغير ذلك.
بعد التحرير عام 2000م، ظهرت أشكال إضافيّة من الفنون، حاكت الواقع السياسيّ
والواقع الاجتماعيّ الجديدين، فكان أول "سيمبوزيوم" تشكيليّ 2000م (الخيام)، وأوّل
معرض "سينوغرافيّ" 2002م (رجالات المجد)، بالإضافة إلى الاستفادة من الفنون "الغرافيكيّة"
الطباعيّة، وكان أول عمل "سينوغرافيّ" بالمؤثّرات الصوتيّة والضوئيّة 2005م (وارث).
كلّ ذلك كان بفضل جهود مخلصة من أبناء المقاومة وإخوة موهوبين ومتخصّصين، بذلوا
الكثير ممّا لديهم في سبيل تظهير صورة المقاومة وتضحياتها.
•وحدة الأنشطة الإعلامية
عام 2004م، بدأ الإعلام الفنّي شكلاً رسمياً مع تأسيس وحدة الأنشطة الإعلامية، التي
عُنيت بالإعلام الشعبيّ والفنون والهويّة البصرية لمجتمع المقاومة. اشتدّ وهجه بعد
تموز 2006م. ثمّ تأسّست جمعية "رسالات" للفنون، لتظهر أشكال جديدة من أشكال التعبير
الفنيّة، بعد مرور قرابة عشرين عاماً على الظهور العلنيّ للمقاومة؛ إذ سعت وحدة
الأنشطة الإعلاميّة، ومن خلال الجمعيات التي تشرف عليها، لخلق بيئة إبداعيّة تصهر
أصحاب الاختصاصات والطاقات والمواهب ضمن أُطر إنتاجيّة تفاعليّة، تتمكّن من إيصال
رسالة المقاومة إلى أوسع دائرة ممكنة. وقد أرست الوحدة مستوى جديداً في الذائقة
الفنيّة العامّة، سواء في موضوع الموسيقى والإنشاد، أو في أنواع فنيّة أخرى، من
الفنون البصريّة إلى الفنون السمعيّة البصريّة وفنون الأداء، إلى جانب محاولة
الوحدة إحياء التراث الإسلاميّ بخطاب معاصر؛ إذ ترى أنّ الفنّ الملتزم يستطيع أن
يُخرج الممارسة والتراث الدينيين من إطار العادة، وينقلهما إلى مستوى الوعي. فأخذت
الوحدة على عاتقها إتاحة المشاهدات الفنيّة المتّصلة بالقيم للناس، وإحاطتهم بلغة
بصريّة معاصرة وأصيلة.
•مشاهدات فنّية وأدبية
من هنا، كانت أول حملة إعلانية سياسية للمقاومة 2006م (نصر من الله)، وأول حفل
موسيقي حيّ للأوركسترا 2006م (همس)، وأول عمل استعراضيّ على المسرح 2008م (متى نراك)،
وأول سلسلة أدبيّة قصصيّة تحكي عن المقاومة 2009م (قلم رصاص)، وأول فيلم عن
المقاومة 2009م (أهل الوفا)، تبعه لاحقاً الفيلم السينمائيّ (حبل كالوريد)، ومجموعة
من الأفلام القصيرة تحت عنوان (أفلام رصاص).
وكان أن اهتمّت وحدة الأنشطة الإعلامية بشكل خاصّ بإحياء المناسبات، سواء الدينيّة
منها أو الخاصّة بالمقاومة والوطن، فبدأت تنفيذ سياسة الحملات الإعلاميّة (لوحات
الطرقات)، التي كانت تقارب عشر حملات سنويّاً، إلى جانب ما يرافقها من عروض فنيّة
وأنشطة ثقافيّة، حيث أحيت إلى اليوم خمسة عشر حفلاً موسيقيّاً، وأقامت ثمانية معارض
بصريّة وتشكيليّة، وأنتجت ستة أفلام توزّعت بين الدراما والكليبات، وثماني مسرحيات،
ونشرت ما يقارب سبعة إصدارات ثقافيّة وأدبيّة، إلى جانب سلسلة "قلم رصاص"، التي
وصلت اليوم إلى 15 كتاباً، والتي تحكي عن أدب المقاومة وقصص المجاهدين.
•السياحة الجهادية
كانت "مليتا" المعلم السياحيّ الجهاديّ الأول عن المقاومة، افتتحته وحدة الأنشطة في
الذكرى العاشرة لتحرير الجنوب (عيد المقاومة والتحرير 25 أيار 2010م). وقد بذلت
لإقامته جهوداً جبّارة حتّى نجحت في إقامة متحف حربيّ على مساحة مفتوحة: 60.000 متر
مربّع من الحدائق والأحراج، وأخرى 4.500 متر مربّع من المساحات المبنيّة، أُنجزت
وعمل عليها على مدى 150 ألف ساعة عمل، أكثر من 50 مهندساً، و90 مورداً للمواد و40
مختصّاً، شكّلوا فريق عمل فاعلاً، حمل همّ المشروع طوال عامين متواصلين. فكان أول
متحف من نوعه، يحكي ذاكرة مرحلة من النضال الوطنيّ والمقاوم من تاريخ لبنان. ويتّخذ
معلم "مليتا" السياحيّ شعار "حكاية الأرض للسماء"، تعبيراً عن حركة المقاومة
والعلاقة التي تنشئها بين الأرض والسماء. ومنذ افتتاحه، إلى اليوم، لا يزال المعلم
محطّ اهتمام لبنانيّ وعربيّ ودوليّ كبير، حيث يزوره المئات يوميّاً، إلى جانب
الأنشطة الثقافيّة والفنيّة التي تُقام فيه.
هذا بالإضافة إلى تأسيس جمعيّة "سياج" والتي أخذت على عاتقها تأسيس معالم تخلّد
ذاكرة المقاومة، بلغة هندسيّة وفنيّة، وقد صدرت عنها الخارطة الأولى للسياحة
الجهاديّة في لبنان.
•ذاكرة المقاومة
عملت وحدة الأنشطة على إحياء ذاكرة المقاومة والشهداء من خلال جمعية "أحياء"، التي
أخذت على عاتقها جمع التاريخ الشفويّ للشهداء والجرحى والأسرى، بالإضافة إلى ذاكرة
مجتمع المقاومة.
يعمل في هذه الجمعية فريق متخصّص ومدرّب على جمع السيَر الذاتية للشهداء، وتبويبها،
وتحقيقها، بالإضافة إلى جمع الآثار العينيّة للشهداء، تمهيداً لعرضها أمام الجمهور
من خلال متحف خاصّ بآثار الشهداء. وقد صدرت عنها مجموعة إصدارات، أبرزها "الكلمات
القصار" للقادة الشهداء، بالإضافة إلى مجموعة قصصيّة خاصّة بمعركة الدفاع المقدّس
تحت اسم "ظلال زينب عليها السلام". صدر منها حتّى اليوم
أربعة إصدارات.
•وقفة تأمّل
هذه التجربة المتواضعة، جلبت معها الكثير من الاستراتيجيّات ذات الصلة بتأصيل
التجربة الإعلاميّة الفنيّة. وبالسعي الدؤوب لتشكيل الجبهة الفنيّة الداعمة
للمقاومة، فقد عملت وحدة الأنشطة الإعلاميّة على تأسيس المؤتمر الأول للفنّ
والمقاومة عام 2015م، تحت عنوان "فنقاوم"، الذي أحيا من خلاله المبادرات الفرديّة
والجماعيّة، وإمكانيّة تشكيل جهة فنيّة حقيقيّة لدعم المقاومة في الحاجات الملحّة
للطاقات الإبداعيّة والإنتاجيّة في المجال الفنيّ، والمسارات التدريبيّة
والتأهيليّة لمختلف التخصّصات الفنيّة المتقدّمة.
ويبقى لدى هذا الإطار الإعلاميّ الجماهيريّ طموحات ومشاريع عديدة هي طور التشكّل
والإعداد؛ ومنها على سبيل المثال، إنشاء المكتبة السينمائيّة، التي يفترض أن تضمّ 4
آلاف فيلمٍ هادفٍ، إلى جانب إنشائها جزءاً يضمّ كتباً متخصّصة في السينما والأدب
والنقد. وهي تحضّر لسلسلة نشاطات فنيّة وثقافيّة وأدبيّة متنوّعة لهذا العام،
تتراوح بين الاحتفاليّة بالمناسبات المهمّة، وتشكيل جبهة فنيّة أدبيّة في احتفاليّة
"فنقاوم"، إلى جانب الإعداد لورش تدريبيّة في مختلف ميادين الفنّ والأدب والمسرح
والموسيقى، وتعمل على إصدارات جديدة من سلسلة "قلم رصاص"، وعلى تنفيذ خط إنتاجي
للأفلام القصصيّة القصيرة، بالإضافة إلى المهرجانات الفنيّة في المناطق، كمهرجان
الضاحية ومهرجان مليتا، ومهرجان وادي الحجير.
•التحدّيات لا تنتهي
في الختام، لا بدّ من القول إننا اليوم نقف أمام تحدّيات لا تنتهي، مع استمرار
الصراع مع العدوّ الإسرائيليّ والجماعات التكفيريّة، لوضع رؤية جديدة للمرحلة،
وتفعيل العديد من المبادرات الفرديّة الفذّة لطليعة نخبة من الشباب الفنيّ والأدبيّ
الطموح وتبنّيها عملاً وتنفيذاً، بالإضافة إلى الاستفادة القصوى من الإعلام الجديد
ومنصّات التواصل الاجتماعيّ المتنوّعة.
(*) مسؤول وحدة الأنشطة الإعلامية.
1.من كلمة ألقاها سماحته بمناسبة إقامة المؤتمر الإعلامي الإسلامي لدعم الانتفاضة
الفلسطينية في 17 ذي القعدة 1422، في العاصمة الإيرانية - طهران.