مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المقاومة: تكامُل قِيَم

د. بلال اللّقيس


شقَّ على الكثيرين فهم حالة المقاومة وبنيتها والقوس الصعودي الذي سارت به منذ موجة 1982م التي أعطت هذا الدافع الهائل وتركت كل هذه الارتدادات الكثيرة في الساحة والإقليم وعلى امتداد الصراع.
إذ كيف يمكن لتهديد بحجم لحظة 1982م (إقليميّاً وعالميّاً) يمكن أن يتحوّل إلى فرصة تاريخيّة؟

وكيف لقوّة متواضعة و"بسيطة" أن تصبح قاطرة دفع ومحرّكاً في هذه الأمّة؟
وكيف لمجموع التحدّيات المتتالية والمتعاقبة تخطّي واجتياز كمّ العوائق، وتتحرّك من موقع المُدافع ذي الإمكانات المتواضعة إلى صاحب المبادرة والفعل وصناعة الوجهة؟
كيف تجاوز مُعضلة الأمن القوميّ في الخطاب الوطنيّ والأطروحة القيميّة، اللذين يبدوان، بحسب البعض، محلّ نقيض؟


لا تسعنا الإطلالة التامة على الإجابة في هذه الصفحات... ولكن لا بأس من الإضاءة على بعض الجوانب الثقافيّة والمهمّة "المميّزة" التي تستمدّ منها هذه الحركة ماء حياتها واستمرارها.

* المقاومة ورجل الدين
تأثّرت بدايات المقاومة بالبعد الدينيّ فكراً وسلوكاً. ولا شكّ في أنّنا نتحدّث عن تجربة مقاومة دينيّة وإسلاميّة وحتّى تجربة إيمانيّة بدأت منذ انطلاقتها بهذا الفهم وهذا السلوك، فمن المؤكّد أنّ كل سلوكها وأدائها ومنهج تفكيرها وعقلها، إذا جاز التعبير، مرتبط بمنظومة قيميّة ومنها تستمدّ كلّ هذه المفاهيم.

برز دور رجال الدين بشكل قويّ في تشكيل لحمة المجاهدين: (الشيخ راغب حرب - السيد عباس الموسوي...) وهو تجلٍّ للبُعد الإيمانيّ والدينيّ، الذي على أساسه انطلقت المقاومة إيمانيّاً ودينيّاً، وقدّمت بشكل دائم مرجعيّة تقدّم علماء الدين لقيادة المجتمع. ولا يمكن الفصل بين انطلاقة المقاومة ومرحلة ثورة الإمام الخمينيّ قدس سره باعتبارها النقطة المحوريّة، مرتكزها ولاية الفقيه، وبالتالي نحن نتحدّث عن مركزيّة عالم الدين لقيادة المجتمعات.

فمن هنا، نعتبر أنّ وجود علماء الدين له بُعدان: الأول، أنّ المجتمع بذاته يتطلع إلى دور مركزيّ ومحوريّ لعالم الدين، انطلاقاً من بنيته القيميّة والثقافيّة. والبُعد الثاني، أنّ مجتمع المقاومة وُفّق لتصدّي علماء من نماذج السيد عباس والشيخ راغب وغيرهما الذين أثبتوا المقولة الأولى أن الذي يقود المجتمع الثقافيّ وفقاً لهذه المنظومة الثقافية هم علماء الدين.

وتاريخ التشيّع والحالة الإسلاميّة، تاريخيّاً، لديها ارتباط بعالم الدين باعتباره مَعنيّاً ليس فقط بالمسائل المرتبطة بالآخرة، بل وأيضاً في قيادة الحركة والمجتمع.

* عاشوراء: مركزيّة قيم المقاومة
من أهمّ مرتكزات الحركة المقاومة هي مدرسة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام. وفي حال نظرنا إلى المدرسة العاشورائية نرى فيها منظومة هائلة من القيم -بحسب تعبير أحد الأدباء: وكأنّه مرمح للخيل تتسابق فيه الخصال الحسينيّة- التي تكتنز قيماً ثرية جدّاً، تقوم بدور القوّة الخاصّة لحركات المقاومة، منها:

1- أداء التكليف والقيام لله:
تحت عنوان واضح هو مسألة القيام بالتكليف؛ بغضّ النظر عن تبعات ونتائج وخسائر القيام... فعندما يتشخّص أنّ التكليف هو مواجهة العدوان الإسرائيلي، يكون هذا هو العنوان الحاكم. من جهة أخرى، القيام بالتكليف وامتلاك المشروع، ليس فقط لإسقاط الطاغيةَ، بل أيضاً لتقديم مشروع نهضةٍ وإحياءٍ للإنسان. فهذه النقطة المركزيّة والنقطة المحوريّة تمّ أخذها من المدرسة العاشورائيّة.

2- قلب موازين القوة (حرب الإرادات):
وهو تحويل الصراع من صراع تقليديّ بحسب ما قدّمه وفسّره الغرب إلى صراع إرادات، وبالتالي إعطاؤه معنى حضاريّاً ومعنى إنسانيّاً واسعاً. فإذا تأمّلنا ماذا ضخّت المدرسة الحسينيّة في وعي هذه المسيرة، عندما يقول الإمام الحسين عليه السلام: "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً... وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي..."؛ فالملفت أنّ النهضة الحسينيّة هي ثورة بناء؛ وهي حركة إزاحة الظالم وتقديم المشروع البديل، في أيّ ساحة من الساحات وهذا الذي يجعلها خطراً عميقاً وفعليّاً.

3- الشهادة:
موضوع الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى هو أبرز عنوان يميّز مسيرتنا وهو الذي فتح أمام مسيرتنا هذه الآفاق. فالتجربة العاشورائية تقدّم الشهادة كحلّ أخير لعمليّة التغيير وهدم الظالم، وليست الحلّ الأول، بل التكليف الأول مرتبط بعملية استخلاف وبناء، فإذا كان الظالم حاجزاً وعائقاً أمام مشروع البناء، تمّ التعامل معه وإزاحته باستخدام كلّ مجموعة القيم السابقة، حتّى يأتي دور التضحية إن كان لا بدّ منها، حينها يكون الواجب قد تعيّن بمواجهته بالدم.

إنّ فكرة الشهادة لدى البعض أصبحت مادة استهلاك لعقول لا تحمل قِيَم بناء الحياة والدنيا. في حين أنّ قوة ونصاعة مفهوم الشهادة في مجتمع المقاومة كقيمة حقيّة فعليّة، استمدّت من المدرسة العاشورائيّة بما تشكّل هذه المدرسة من ضمانات للقيم بداخلها.

4- حضور الآخرة:
تأثير حضور الآخرة في سلوك وانضباط المجاهدين ودعم أُسرهم أيضاً، وفي فَهم دور الدنيا كمزرعة تبني الآخرة. وهذه نقطة حسّاسة جدّاً يتميَّز بها الفكر الإسلاميّ. يذكر الشهيد مطهّري قدس سره مثلاً: عندما ذهب أحد العلماء إلى روسيا في نقاش فكريّ، قدّم أحد مفكّري الاتّحاد السوفياتيّ نظرته عن الحياة كالشجرة التي تحمل الثمار، والموت هو لحظة ذبول الثمار وتساقطها. فيردّ آخر: الدنيا كالقفص، والموت هو لحظة هروب الطائر المسجون منه. فيعلّق الشهيد مطهّري: إنّ هاتين النظريتين لتفسير الدنيا هما نظريّتان خاطئتان، فليست الدنيا كالقفص، وليست أصيلة والموت ليس فناءً وعدماً. إنّ نظرتنا للدنيا هي نظرة المزارع لأرضه، بمعنى أن ينظر الإنسان إلى الدنيا فيراها محلّ زرع ويدعو الله ربّ العالمين ليطيل عمره ليحصد ما يزرع بطريقة أفضل. فهذه النظرة نظرة توازنيّة ولها أهميّة خاصة بمعنى أنّني لا أتحرّك إلّا بلحاظ نظرتي أنّني أزرع وعندما أفكر في أن أذهب نحو التضحية أو الشهادة أو الآخرة فهذا ليس معناه الهروب من الدنيا، بل هذا بمعنى أنّ مسؤوليتي في هذه الدنيا اقتضت أن أقوم بهذه التضحية وهذا جزء من الزراعة.

فإذاً، نحن في هذه الدنيا أمام مسؤولية. لدينا مشروع فِعليّ وعلينا تحقيقه. وهنا يبرز الفرق الثقافيّ الجوهريّ بين حالتنا وتجربتنا المقاومة الإسلاميّة وبين كلّ التجارب الإسلاميّة التي نراها حالياً. هذه التجارب، بصراحة، لا تعطي أيّ قيمة للدنيا، أما نحن فبالنسبة إلينا الدنيا المذمومة هي في ارتكابنا للمعاصي. وهذا ما يغيّر المفهوم هنا.

وفي نقطة مهمّة أيضاً، إنّ فهم المجتمع المقاوم لفلسفة الآخرة هو أنّه لا تتقوّم الحياة الإنسانيّة إلّا بها، فالآخرة هي جزء من منظومة تحقيق الخلافة في الأرض؛ أي هي بذاتها هدف وغاية.

* المهدوية: الأمل الواقعيّ
عادة عندما نتحدّث عن فكرة المهدويّة بالنسبة إلى مجتمع المقاومة، نتحدّث عن أمل واقعيّ، وعن أنّ الله سبحانه وتعالى قد وعده وعدين: وعْدٌ بأنّ راية الحقّ لا تسقط، ووعدٌ بتحقّق الاستخلاف في هذه الدنيا. فعمليّاً، مجتمع المقاومة لا يشعر بأيّ لحظة من اللحظات باليأس، بأنّه من الممكن أنْ تنتهي راية الحقّ، بل إنّ راية الحقّ ستعلو مهما كانت الظروف صعبة. والأمر الآخر والمهم أنّ فكرة المهدويّة بالنسبة إليهم ليست فكرة خلاص كباقي الأديان؛ هم لا ينحون نحو الغيب بالمعنى التصوّفي، والهروب نحو الغيب، بل هم يتحرّكون وُفق معطى أنّ هذه الدنيا يورثها الله مَنْ يشاء من عباده؛ يتحرّكون في إطار الدين الواقع وهو الهدف الذي سوف يتحقّق إنْ هم قاموا بهذا المشروع وعملوا باتجاهه.

* قيم تبني الدنيا والآخرة
عندما ننظر إلى البنية الإيمانيّة الجهادية نجد عندها رصيداً ثقافيّاً اسمه "القرآن الكريم" و"الصحيفة السجاديّة" فضلاً عن السنّة النبويّة. وفي تجربة المقاومة، مثلاً، تقرأ دعاء مكارم الأخلاق فتقول: "اللهمّ واكفني ما يشغلني الاهتمام به، واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له". وهنا نقطة بنية التركيز في الأدعية على الهدف وكيفيّة تنظيم الحياة نحو الهدف. فعندما ينطلق تفكير الإنسان ووعيه من أنّه إذا كان هو صادقاً ومخلصاً ومتّجهاً نحو تحقيق إرادة الله سبحانه وتعالى فالله يسخّر له كلّ ما هو متاح، وبالتالي هو يصبح يضرب بيد الله.

هذه المعاني حقيقة، إذا أردنا تسميتها البنية الثقافية هي الزاد كي تنطلق المقاومة، وتثبت مع مرور الوقت إمكانية تحقيق كلّ ما كان يفترض أن يتحقّق ويقلب الموازين. وهذا الزاد الثقافيّ الاستثنائيّ وإعادة إحيائه والتركيز عليه هو من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا في هذه المرحلة.

* لا صراع بين قيم المقاومة ومصالحها
عمليّاً يقول أهل الفكر السياسيّ، إنه دائماً يوجد شيء من التناقض بين القيم -إذا أردت التحرك من أجل القيم- وبين المصالح القوميّة. فعمليّاً، هل تقف مع القيم أم مع مصالحك؟ وكم من الممكن أن توفّق بين القيم والمصالح؟ بصراحة، نستطيع القول إنّ تجربة المقاومة نجحت حتى الآن. ففكرة وضع المصالح القوميّة، مصالح الأوطان، في تناقض تامّ مع قيم الإنسانية هي فكرة غير صحيحة؛ لأنّ هذه الفكرة مشكلتها في: أولاً، أنّ نظرتهم للقيم نظرة خاطئة أو أنّ القيم التي يقصدونها ليست أصيلة. ثانياً، فهمهم ونظرتهم للمصالح القومية مختلف عما تنظر إليه مصالح أوطاننا ومصالح الإنسان.

إنّ تجربة المقاومة تثبت إمكانية المزاوجة بين القيم وفق القيم الإنسانيّة والحقيقيّة والفعليّة وبين المصالح التي لا يفترض أن تكون شيئاً غير مصالح الإنسان بالمعنى الواسع، مصالح المجتمعات. وهذه النقطة محلّ توفيق إلهيّ.
فالمقاومة مشروعها تكامل قيم؛ حيث يتمّ دمج الفعل الإيجابيّ دون إسقاط قيمة إنسانية عظيمة والتي اسمها وحدة المجتمعات.

استطاعت المقاومة أن تدمج بين الإطار الوطنيّ والإطار اللبنانيّ والإطار الأوسع العربيّ - الإسلاميّ. واستطاعت أن تقدّم هذا الخطاب بشكل متكامل، فإذاً نظرتها إلى المصلحة ونظرتها إلى القيمة مختلفة عن نظرة الآخرين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

العراق/واسط

ammarmahmood

2016-08-23 14:44:46

هدف الغزو-وإن كان عسكرياً بالدرجة الأساس-هو احتلال الأرض، أما الغزو الفكري، والثقافي فيهدف الى احتلال العقل، فهو أخطر لكونه يمس ديننا وعقيدتنا وثوابتنا ومبادءنا. لذلك لا بد من تشكيل غرفة عمليات فكرية وثقافية شبابية، أكاديمية،علمائية،لمواجهة الغزو الفكري والثقافي كما واجهنا العدو عسكريا