تحقيق: هداية طه
يستيقظ حسن كلّ صباح عند الساعة السادسة، يُحضّر نفسه
بسرعة فائقة، ثم يتوجّه وبيده كتاب يرجو أن يسمح له الوقت بقراءته. يحمل المفاتيح
بيده، ويتوجّه إلى السيارة التي لم تكن قيادتها عملاً يطمح إليه يوماً.
* ليس هذا ما أريده!!
حسن ابن الرابعة والعشرين عاماً، خرّيج كليّة الإعلام، يعمل اليوم سائقاً بعدما
استنفد كلّ قواه، بحثاً عن عمل: "لم أكن أتوقّع يوماً أن توصد بوجهي كلّ أبواب
الوظائف في مجال دراستي، وأن أعمل سائق أجرة كي لا أجلس عاطلاً عن العمل. إلى الآن ليس هذا ما أريده"!
يقول حسن ذلك بحرقة، إلا أنّه ليس وحده، فغيره كثير من الشباب، الذين لم يجدوا في
مجتمعهم ما يريدونه حقّاً. ولعلّ قصّة حسن تعكس معاناتهم مع معضلة أنّهم لا
يستطيعون الحصول على ما يريدونه، وتحقيق مستوى لائق من المعيشة أو حتّى أبعد من
ذلك، كالبحث عن السبل التي تأخذ بيدهم إلى الطريق الصحيح في تحقيق المراد، وما يطمح
إليه على كلّ الأصعدة.
* الشباب: طريق محفوف بالصعاب
ولكن، هل كلّ العقبات التي قد تواجه الشباب هي عقبات خارجة عن إرادتهم؟
أسئلة كثيرة قد تطرح، وفي سبيل توضيحها لا بدّ أن نشير إلى أنّه كما توجد نماذج
استسلم بعضها للظروف الراهنة، توجد في المقابل، نماذج كافحت حتّى تصل إلى أهدافها.
في الحقيقة، وبحسب الدراسات التي أجريت على عيّنة من مجتمعات العالم العربيّ،
تتعدّد هذه المشاكل، إلا أنّ أبرزها، وأكثرها انتشاراً، هو البطالة بأنواعها، على
الرغم من توفّر فرص التعلّم، لأسباب عديدة.
واقعاً، تنعكس أزمات الشباب وتتفاقم من خلال سلوكهم، فمنهم من استسلم للأمر الواقع،
ومنهم مَن حمل على عاتقه أن يسير في طريق محفوف بالصعوبات، حتّى الوصول إلى ما
يريد.
* إنجاز وندم
بحسرة كبيرة، تحدِّثنا سمر(28 عاماً) عن تجربتها الدراسيّة. إذ لو عاد بها الزمن،
كما تقول، لخاضتها بكلّ صعوباتها، إلّا أنّها وبسبب إحباطها في مرحلة ما، لم تحقّق
ما تريده. تقول سمر إنّها كانت تحبّ مادة الرياضيات، وتبرع فيها، وكانت تحلم أن
تصبح معلّمة المادة في المستقبل، إلّا أنّها، وفي عامها الجامعيّ الأوّل، رسبت في
المادة، ما سبّب لها إحباطا شديداً، فقرّرت أن تتوقّف عن التعلّم سنة كاملة.. بعدها
لم تستطع الالتحاق بالجامعة بسبب ظروف طارئة. وتعلّق هنا قائلة: "لقد استسلمت
للظروف ولم أتقبّل الفشل مرّة، وبسبب ذلك لم أكمل الدراسة التي أحبُّها، وللآن أتعب
في البحث عن عمل. بالفعل، أندم على تضييعي الوقت، واستسلامي للظروف" وتضيف:
"كان لا بدّ لي أن أواجه وأصبر كي لا أضيّع عليّ فرصة تحقيق حُلمي".
* مواجهة... بحزم!
في المقابل، يحدّثنا ربيع عن تجربة مماثلة، من حيث مواجهته صعوبات وأحداثاً أثقلت
كاهله في طريق تحقيق طموحاته، إلا أنّه أصرّ على مواجهتها بحزم وتمكّن من ذلك، يقول
ربيع: "كنت في الرابعة عشر من عمري عندما توفّي والدي وكان المعيل الوحيد للعائلة، وكنت حينها لا أزال في المدرسة، إلا أنّني كنتُ من المتفوّقين
فقرّرت أن أدرس قبل الظهر، وأعمل بعد الظهر، ثم أتابع دراستي مساء كي لا أخسر
الدراسة وأعيل عائلتي الصغيرة، في الوقت عينه، إلى أنْ تخرّجت من كلية الهندسة بتفوّق".
ويضيف ربيع: "حتّى بعد تخرّجي اعترضتني مشكلة البحث عن عمل كوني لا أملك
"واسطة" إلّا أنّني صمّمت على أن أدخل هذا الميدان بكفاءتي، ونجحت في ذلك. وها أنا
اليوم أعمل في إحدى الشركات في بيروت، وتزوّجت وعندي ثلاثة أولاد".
* صعوبات وحلول
هذان النموذجان يشيران بوضوح إلى أنّ الكفاح والصبر حليفان للنجاح، وغالباً، ما
يكونان السبب في تحقيق ما يصبو إليه الإنسان، في أيّ من ميادين الحياة. كما إنّ
الاستسلام للأمر الواقع تكون نتائجه غالباً عدم تحقيق ما يريده الشباب. وثمّة أسباب
عديدة تحول دون تحقيق تطلعات الشباب وآمالهم. فما هي الحلول العمليّة للمواجهة؟
وأين دور الاهل من كل ذلك؟ أسئلة أجابنا عنها النائب الدكتور بلال فرحات.
1. تحويل التحدّيات إلى فرص نجاح
لا يروق للدكتور فرحات أن تكون الظروف هي المعيار في تحديد فشل الإنسان أو نجاحه،
في الوصول إلى أهدافه وطموحاته. إذ يؤكّد أن كيفيّة تعاطي الإنسان مع المشاكل
والمشقّات هي المعيار الأساس. يقول الدكتور فرحات: "هناك إنسان ينظر إلى مصاعب الحياة التي تواجهه على أنّها حافز، فيما آخر تكون المصاعب بالنسبة إليه
عاملاً مدمّراً ومحبطاً" ويضيف: "بالطبع يعود ذلك إلى شخصيّة الإنسان وطبيعته".
2. الوعي والإيجابيّة
ويشدّد الدكتور فرحات على أنّ العلم جزء منه قدرة الإنسان على التعاطي مع أمور
الحياة بوعيٍ وإيجابيّة.
ويضرب لنا مثالاً عن الشابّ الذي يطمح في الحصول على وظيفة معيّنة، لكنّه لا يحصل
عليها ثم يضع اللّوم على المجتمع وعدم توفّر الواسطة وغيرها من العوامل الخارجية،
ويقول في هذا السياق: "سَعْيُ هذا أحياناً غير مقرونٍ بالجديّة، هناك آلاف الوظائف المتاحة على شبكة الإنترنت، فما عليه سوى أن يقدّم طلباً وأن يُجري مقابلة.
هذا الأمر موجود، ولكنّ فكرة الواسطة أصبحت غالبة على مجتمعنا".
ويؤكّد د. فرحات
أنّ على الشاب التخلّص من هذه الأفكار والبدء من عمل بسيط للانطلاق إلى ما يريده فعلاً، فالأمور بحاجة إلى صبر ولا تخلو من مشقّة.
3. شرط النجاح بذل الجهد
يستشهد د. فرحات بالآية القرآنية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6)، إذ يؤكد الله سبحانه وتعالى في الآية
المباركة على أنّ الطريق لا بدّ محفوف بالتعب، والمشقّة، والسعي.. وهذا الأمر يعترض
كلّ هدف للإنسان.
4. الطموح الناجح: إمكانيات الفرد وحاجة المجتمع
على خط موازٍ يرى د. فرحات أنّ على الشباب أن يعرفوا ماذا يريدون بدقة، وأن تكون
طموحاتهم واقعيّة. فلو أراد الجميع أن يصبحوا أطبّاء لانهار المجتمع. ويشير إلى أنّ
المجتمع تكامليٌّ وبالتالي على الشباب أن يعوا هذا الأمر جيداً. فالشاب واقعاً سيبرع في مجال ما، فيما سيكون عكس ذلك في مجال آخر بحسب إمكانياته.
* دور الأهل
ويعطي الدكتور فرحات دوراً كبيراً ومهمّاً للأهل في مساعدة أبنائهم على بناء مستقبل
زاهر، وتحقيق ما يتمنّونه. ويعزو ذلك إلى قدرتهم على تكوين شخصيّة قوية ومسؤولة لدى
الولد منذ صغره وحتّى الوصول إلى مرحلة الشباب. وهذه الخطوة ترتكز على أمور أساسيّة، تختصر بالتالي:
أوّلاً: عدم إعطاء الطفل جرعة كبيرة من "الدلع" فهذا ينعكس سلباً على بناء
شخصيّة قويّة.
ثانياً: تعزيز مفهوم الاعتماد على النفس.
ثالثاً: تعزيز مفهوم أنّ الفشل مرة لا يعني النهاية، بل هو بداية النجاح.
في مرحلة الشباب، كما يشير د. فرحات، يستطيع الأهل أن يلعبوا دوراً إيجابياً في
تحفيز الولد على الاستمرار في البحث، وتخطّي المصاعب مهما كان حجمها. فهذا الدور
سيكون عاملاً أساسيّاً في النجاح.
خلاصة القول، يريد المجتمع لأبنائه وشبابه مستقبلاً آمناً، وزاهراً وحافلاً
بالإنجازات، إلّا أنّ الخيار الأول والأخير يبقى بيد الشباب أنفسهم، فإمّا أن
يضيئوا شمعة النجاح وإمّا أن ينتظروا هذه الشمعة حتّى تذوب وهم ما زالوا في أوّل
الطريق.