مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حرب الشائعات: سلاح الاستخبارات

أحمد شعيتو

كان ولا يزال "الاستقواء" بالرأي العام المؤيّد الوسيلة الكبرى لبلوغ أعلى سلّم الأهداف السياسيّة أو السلطويّة أو "كسب جولات" الحروب، على أنواعها، ومنها الحرب الأمنية والاستخباراتية والتكنولوجية. فأيّة سلطة أو دولة تحصل على أكبر قدر من التأييد العامّ من قاعدة عريضة، ولو عبر التضليل يمكنها أن تحقّق السطوة. وينطبق الأمر، كذلك، على الصعيد الاستراتيجي والدولي، فأيّة سياسات دوليّة تحظى بقبول من الرأي العام العالمي تستمرّ في الحياة ولو بالتضليل رغم أن هناك وسائل أخرى معروفة للسطوة العالمية كالتهديد بالقوة أو الاستغلال والضغط على التنظيمات الأمميّة أو الحقوقيّة.

*أسلوب متعدّد الأدوار
والحرب الاستخبارية، تعتبر اليوم من أشدّ الحروب الخفية والمتنامية التأثير عبر سبر خفايا المجتمعات، ثمّ الدخول فيها كعامل مؤثّر، ثمّ تحقيق الأهداف الخفيّة للطرف صاحب المصلحة، لا سيّما في ظلّ سطوة وسائل الاتّصال والتواصل، وفتح فضاءاتها على مصراعيها.
ندخل هنا إلى أسلوب متعدّد الأدوار في هذه الحرب الاستخباراتية وهو "الشائعة"، إذ تعتبر الشائعة وسيلة ناجحة في الحرب النفسيّة أو للتهويل من أجل تحقيق غلبة لسياسات معيّنة أو تضليل من أجل جذب جماهيريّ.
وفي كتاب سيكولوجيا الشائعة للكاتبين "غولدن ألبرت" و"ليو بوستمان" اعتبرا أنّ الشائعة تطلق اصطلاحاً على "رأي موضوعيّ معيّن مطروح كي يؤمن به من يسمعه". وكثيراً ما تنتقل الشائعة عبر وسائط أجهزة الإعلام.

*أمثلة تاريخية
تتلازم الدعاية والشائعة، أحياناً. فقد استخدمتا منذ آلاف السنين، وبطرق بدائية. وفي الحربين العالميّتين، برزتا بشكل أكبر إذ لعبت ألمانيا هذا الدور بشكل كبير عبر وزير الدعاية الألماني المقرّب من هتلر "جوزف غوبلز" الذي كان له دور بثّ الشائعات والدعايات في الحرب من أجل التأثير النفسيّ أو نيل التأييد أو استباق جولات الحرب. ويروي تاريخ الحرب العالمية الثانية أنّه فيما كانت تتقدّم دول المحور جاء خبر في الصحف الإنكليزية عن قدوم مليون جنديّ روسيّ إلى منطقة أبردين لحماية بريطانيا. وقد تلقّف البريطانيون هذه الشائعة وزادوا عليها، فكان لها تأثيرٌ على وقائع الحرب.

*نماذج عن الشائعات الاستخبارية الموجّهة
في صراع الأُمّة مع أعدائها تلعب الشائعات دوراً كبيراً وبشكل مكثّف، موجّه ومدروس. حتّى أنّه ما إن تنتهي شائعة حتّى تحلّ أخرى مكانها، وأغلبها من صنع أياد استخباراتية.

أ- شواهد من حرب تموز 2006:
في حرب تموز 2006، كثُرت الشائعات التي تتحدّث عن تقدّم العدو أو خسائر المقاومين أو إنزالات العدوّ أو أنّ المنطقة الفلانيّة سوف يتمّ قصفها، وذلك للتأثير على صمود الناس وإثارة البلبلة، والدفع باتّجاه خلق جوّ عامّ متململ من الحرب. ولكنّ ذلك لم ينجح، واستمر الشعب خلف المقاومة حتّى الانتصار.

ب- شائعات عن السيّد والمجاهدين:
في السنوات الأخيرة، مع انتشار وسائل التكنولوجيا بين يدي معظم الناس، باتت الشائعات أكثر، وباتت تنتشر بشكل أسرع. ومن الشائعات ما يتعلّق بالمجاهدين في أرض المعركة أو بالصراع بشكل عامّ. ومنذ فترة قريبة تردّدت شائعة كبيرة، تتعلّق بصحة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، فهو شخصية كانت ولا تزال لها دور كبير ضد الكيان الصهيونيّ. وبالمقابل، فالسيّد نصر الله في خطاباته يجيد التأثير النفسيّ على العدوّ خاصّة أنّه تأثير قائم على المصداقيّة المعترف بها حتّى في أوساط العدو نفسه.

ونشهد أيضاً شائعات تتعلّق بميدان المعركة التي يخوضها المقاومون، إذ تنتشر على بعض وسائل الإعلام شائعات كاذبة عن عدد كبير من الشهداء الذين يسقطون في أرض المعركة.

وفي تقرير بعنوان "حرب الشائعة.. سلاح داعش" يقول المركز الخبري لشبكة الإعلام العراقيّ إنّ عصابات داعش اعتمدت الشائعة سلاحاً قبل التقدّم في المدن العراقية، ولا سيّما بعد خسائرها المادية والبشرية، ولجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي لبثّ الأخبار الملفّقة.

ج- شائعات مصدرها أميركا:
أما الشائعة بوجود خطر وهميّ فهي من أكبر الشائعات المستخدمة من قبل مخابرات الولايات المتحدة، وذلك عندما تحدّثت أميركا عن:

1- وجود خطر من أسلحة دمار شامل في العراق تهدّد مصالح أميركا. وتبيّن فيما بعد أنها شائعة وهميّة بُنيت عليها حرب واحتلال من أجل تحقيق مصالح ماديّة واستراتيجيّة ونفطيّة.
2- وجود خطر محتمل ممّا يسمّى داعش على الداخل الأميركي والأوروبي، وذلك لتبرير قيام تحالف دُولي للتدخّل في المنطقة وليس الهدف منه القضاء على داعش أبداً. وهذه شائعة مخابراتية تعتمد تضخيم خطر داعش من أجل تبرير القرارات العسكريّة والاستراتيجيّة الأميركيّة.

*كيف تجري الاستفادة من هذه الشائعات؟

يقول الخبراء النفسيّون: تلعب الشائعة دوراً نفسياً في إثارة البلبلة وقت الحرب أو وقت السلم، وتستعمل للسيطرة على الاتجاهات الشعبيّة، وزعزعة الوحدة والانتماء والتماسك في المجتمع.

ليس هدف الاستخبارات نقل المعلومات فقط، بل أن تكون عاملاً مؤثّراً في الدفع نحو الفتن أو تأجيج الصراعات، من خلال:
1- زرع عملاء للاستخبارات في أماكن عامّة لبثّ شائعات تسعى للتخريب أو التهويل وكسر الإرادة.
2- بثّ الشائعات لمعرفة ردود الفعل لدى عامة الناس، ودراستها للحصول على معلومات حول المجتمعات وتركيبتها النفسية، والمجتمعية، وجهات تأييدها، وصلابتها ونقاط ضعفها وقوّتها.
3- بثّ شائعة للحصول على دراسات أمنيّة ونفسيّة تفيد في الحروب، ومنها الحرب الأمنية، وفي التدخّل بشؤون الدول لتحقيق المصالح.
4- إطلاق شائعات على مواقع التواصل الاجتماعيّ كي تصل إلى أكبر عدد من الناس، لسهولة انتشارها عبر الإنترنت، وسهولة مراقبة نتائجها، ودراسة النتائج ومراقبتها من أجل الحصول على دراسات موسعة تفيد في تحقيق تصوّر أمني أو معلومات واسعة.

*كيفية المواجهة
هناك أدوار عديدة يجب تفعيلها في مواجهة الخطر المتنامي للشائعات في مجتمعاتنا. ولا شك في أنّ هناك مواجهة تحصل في ميادين عديدة: إعلامية، وسياسية، وفكرية، وثقافية ودينية. ولكن، بالمقابل، فإنّ الأموال الطائلة والإمكانيات الهائلة التي لدى الدول الكبرى تُحَتِّم علينا تفعيل الدور المتوجّب علينا بشكل أكبر، ومن ذلك:

1- نشر الوعي العام في المجتمعات، لأنّ ذلك يقلّل كثيراً من حجم الشائعات المتداولة التي إذا نقلت تتنقل بين الوسائط والناس بشكل انتشار تصاعديّ.
2- نشر كيفية التدقيق عبر مختصّين، وكيفية معرفة الوقائع من الأوهام والشائعات المخططة.
3- دور الناشطين على الشبكات الاجتماعيّة له أهميّة كبرى في إيصال الأفكار وتصويب الشائعات المشكوك بها.
4- العمل على التقليل من آفة حبّ البروز والظهور ونشر الأخبار التي تبدو بارزة ومهمة دون التدقيق المسبق بها.
5- دور الأهل والمربّين في تربية جيل واع وقارئ ومدقّق للتعاطي بوعي مع التحدّيات، والوقائع التي تهدّد مجتمعاتنا.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع