الشيخ حسن بدوي
قبل عام من نهضته المباركة، اجتمع مع الإمام الحسين عليه السلام، في مكة، جمع غفير ممن حضروا موسم الحج من المهاجرين والأنصار والتّابعين وغيرهم من المسلمين، فكان اجتماعهم أشبه بثورة ثقافيّة أكّد فيها الإمام عليه السلام المفاهيم التي جاء بها جدّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تُدرس ويلفّها النسيان. فتحدّث فيهم وما ترك شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلّا تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبيه وأخيه وفي نفسه وأهل بيته إلّا رواه.
وممّا قال: "أما بعد، فإنّ هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي أريد أن أسألكم عن شيء، فإنْ صدقْت فاصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، من حقنا، فإني أتخوّف أن يدرس هذا الأمر ويغلب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون"(1) وبيّن لهم الخطر الداهم على الدين.
*أصحاب الإمام الحسين عليه السلام والتاريخ
ربما لأن نهضة عاشوراء لم تعامل كغيرها من أحداث التاريخ، عند المؤرّخين، أي بدرجة أقل من العناية، متأثرة بالاتجاه السياسي الذي حرص على طمس تلك الأحداث، لا نجد في التاريخ تحديداً واضحاً لأسماء أنصار سيد الشهداء عليه السلام فضلاً عن أعدادهم. ولولا ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لما استطعنا أن نركن إلى ما سطّره المؤرخون في مجاميعهم، على أن عدد الأصحاب لم يكن ثابتاً في جميع المراحل، منذ الخروج من مكة إلى ما بعد ظهر اليوم العاشر من المحرم في كربلاء، وبدأ عند الخروج من مكة بالعدد الذي ذكره الخوارزمي (اثنين وثمانين رجلاً)(2).
وذكر الشيخ المفيد أنّه "لما أصبح الحسين عليه السلام.. عبّأ أصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً"(3)، ثم ازداد العدد كثيراً في الطريق، ثم تقلّص حتى عاد إلى العدد الأول، وربّما يكون قد نقص عنه قليلاً، ثم ازداد بنسبة صغيرة قبيل المعركة نتيجة لقدوم بعض الأنصار، وتحوّل بعض جنود الجيش الأموي إلى معسكر الحسين عليه السلام(4).
*استخلاص الأصحاب
روي أنّه عليه السلام، لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فأخبر عن مستقبل هذه الحركة المأساوية فيقول: "كأني بأوصالي تقطّعها عسلان (ذئاب) الفلوات"(5).
ثم طلب النصر من المسلمين، ولكن بطريقة فريدة: "مَن كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا"(6).
الإمام عليه السلام لم يطلب من الناس مالاً، ولا زعامة، وإنما طلب منهم أولاً: أن يضحّوا بـمهجهم، أن يبذلوا له مهجهم ودماءهم، بذلاً عن وعي وبطوع إرادتهم واختيارهم.
وأما ثانياً، فقد أراد الإمام عليه السلام لمن يلتحق به أن يقع خياره هذا، ضمن نظام الولاء لله ولرسوله ولأولياء الأمر. وفي هذا الصدد قال الشيخ المجلسي: لما نزل عليه السلام زبالة [اسم مكان في الطريق] أخرج إلى الناس كتاباً فقرأه عليهم فإذا فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد قد أتانا خبرٌ فظيع قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه ذمام، [قالوا] قالوا: فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يُقدمون"(7).
قال الدينوري: وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق، فلما سمعوا خبرَ مسلم - وقد كانوا ظنوا أنه يقدم على أنصار وعَضُد - تفرقوا عنه ولم يبق معه إلّا خاصّته(8).
*كيفية التحاقهم بالإمام عليه السلام
ومهما يكن من شيء فأصحاب الحسين عليه السلام معروفون بأسمائهم وأعيانهم عند أهل البيت عليهم السلام. ولما عُنِّف ابنُ عباس على تركه الالتحاق بركب الإمام الحسين عليه السلام، قال: إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم. وقال محمد ابن الحنفية: وإن أصحاب الحسين عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم(9).
ويمكن تقسيم الأصحاب إلى أربعة أقسام:
الأول: خرج معه من المدينة.
الثاني: التحق به من مكة أو في الطريق.
الثالث: انضم إليه في كربلاء.
الرابع: انتظره في كربلاء.
الأول: خرج معه من المدينة:
الذين خرجوا معه من المدينة هم آل أبي طالب، إخوة الإمام، وأبناؤه، وأبناء عمومته، وبعض الأصحاب وعدد من المَوالي من العبيد.
الثاني: التحق به في الطريق:
وممنِ التحق به في الطريق أو في مكة بصريّون وكوفيّون.
أ- البصريّون
من أهم الشخصيات التي استجابت لدعوة الإمام عليه السلام من البصرة سيف بن مالك العبدي النميري، وهو من جملة الرجالات الذين كانوا يجتمعون في بيت ماريّة بنت منقذ العبدي في البصرة أيّام حركة الإمام الحسين في وجه يزيد(10).
يزيد بن نبيط، ولحق به من أولاده العشرة عبد الله وعبيد الله، وخاف عليه أصحابه أن يدركه الطلب من شرطة ابن زياد، فقال لهم: لو استوت أخفافها بالجدد لهان عليَّ طلب من طلبني(11). واستوى على جواده مع ولديه، وصحبه مولاه عامر، وخرج معه سيف بن مالك والأدهم بن أمية فلحقوا بالإمام في مكة وصحبوه إلى العراق واستشهدوا بين يديه في كربلاء.
ب- الكوفيّون
من أبرز الشخصيّات الكوفية التي لبّت نداء الإمام الحسين عليه السلام الحجّاج بن مسروق الجعفي الذي خرج من الكوفة إلى مكة فالتحق بركاب الحسين، وظل معه يؤذن له في أوقات الصلوات إلى حين استشهاده في كربلاء(12).
أبو ثمامة الصائدي، الذي كان يقبض الأموال ويشتري العتاد والسلاح أيام مسلم بن عقيل في الكوفة وبعد مقتل مسلم خرج، وعلى رواية خرج معه نافع بن هلال الجملي متخفيين إلى الحسين عليه السلام لمّا بلغهما خروجه من مكة إلى العراق فلقياه في الطريق وبقيا معه إلى أن استشهدا(13).
وفي عذيب الهجانات(14)، وافاه أربعة نفر خارجين من الكوفة وهم: عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه ومجمع بن عبد الله المذحجي ونافع بن هلال.
ج- مَن كانت منازلهم في الطريق
قال في الحدائق الوردية: كان مُجَمَّع بن زياد وعبَّاد بن مهاجر في منازل جهينة حول المدينة. فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق مرّ بهما. وتبع مجمّع وعبَّاد من تبع الحسين من الأعراب ولازماه إلى الطف، فقتلا بكربلاء.
قال الطبري: قال أبو مخنف: حدثني أبو جَناب الكلبي، عن عدي بن حرملة الأسدي، عن عبد الله بن سُليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا: لما قضينا الحج لم يكن لنا همة إلّا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه، فلحقا به.
الثالث: التحق واستبصر في كربلاء
في ليلة عاشوراء انحاز إلى أصحاب الحسين عليه السلام من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً حين رأوهم متبتلين متهجدين عليهم سيماء الطاعة والخضوع لله تعالى(15). وكان الحرّ الرياحي على رأس المستبصرين المنحازين إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام. ومنهم مسعود بن الحجاج التميمي، وابنه عبد الرحمن بن مسعود وكانا من الشيعة المعروفين في الكوفة. خرجا إلى الحسين عليه السلام أيام المهادنة، وكانا - في بداية الأمر مع ابن سعد - فازدلفا إلى الحسين وقتلا بين يديه في الحملة الأولى(16).
ومنهم أبو الشعثاء الكندي يزيد بن زياد بن مهاجر خرج مع ابن سعد إلى الحسين فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قُتل(17).
وممن التحق بالإمام في كربلاء الصحابي الجليل أنس بن الحرث، وقد حدّث الغمام بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهده منكم فلينصره، وظلّ أنس ملازماً للإمام حتى رزق الشهادة بين يديه".
ويروي الطبري بقوله: وكان أهل ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر وينتظرونه في كل يوم وليلة.
الرابع: منتظرٌ إمام زمانه
وممنِ التحق بالإمام فور قدومه إلى كربلاء رجل من بني أسد أهمل المؤرخون اسمه، وقد حكى قصته العريان بن الهيثم قال: كان أبي ينزل قريباً من الموضع الذي كانت فيه واقعة الطف، وكنا لا نجتاز في ذلك المكان إلّا وجدنا رجلاً من بني أسد مقيماً هناك، فقال له أبي: إنّي أراك ملازماً هذا المكان. فقال له: بلغني أن حسيناً يقتل ها هنا، فإنما أخرج لعلّي أصادفه فأُقتل معه، ولما قتل الحسين قال أبي: انطلق معي لننظر إلى الأسدي هل قُتل، فأتينا المعركة وطفنا في القتلى فرأينا الأسدي معهم.
هؤلاء الأصحاب فازوا بشهادتين الأولى صدرت عن الإمام الحسين عليه السلام حين قال: "إني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوفى من أهل بيتي"، والثانية من الأعداء، والفضل ما شهدت به الأعداء، كما وصفهم أحد قادة الجيش الأموي عمر بن الحجاج الزبيدي حينما خاطب جيشه بالقول:
"أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر، وقوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلّتهم"(18).
ونختم بالقول: إن سيرة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ستبقى مسيرة مستمرة طالما صوت الإمام الحسين عليه السلام يشق جدار السنين "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد".
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج33، ص182.
2.مقتل الحسين، الخوارزمي، ج1، ص220.
3.الإرشاد، المفيد، ج2، ص95.
4.م.ن.
5.مثير الأحزان، ابن نما الحلّي، ص29.
6.لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص70.
7.بحار الأنوار، م.س، ج44، ص374.
8.الأخبار الطوال، الدينوري، ص247.
9.مناقب ابن شهرآشوب، ج4، ص60.
10.مقتل الحسين، بحر العلوم، ص387.
11.تاريخ الطبري، ج6، ص698.
12.مقتل الحسين، بحر العلوم، ص413.
13.م.ن، ص397.
14.العذيب واد لبني تميم وهو حد السواد وهي مسلحة للفرس بينه وبين القادسية ستة أميال وقيل له عذيب الهجانات؛ لأن خيل النعمان ملك الحيرة وهجائنه من الإبل ترعى فيه.
15.حياة الإمام الحسين، باقر شريف القرشي، ج2.
16.مقتل الحسين، بحر العلوم، ص389.
17.الطبري، ج5، ص445.
18.الإرشاد، م.س، ج2، ص103.