نهى عبد الله
جميعنا بات ينبُذ حفلات إطلاق الرصاص في مناسبات الأفراح والأتراح كافّة، عندما نتحدّث من بعيد، لكن من يطلق النار ليس إنساناً من كوكب آخر، بل قد يكون جارك، قريبك، صديقك، أخاك... بل ربّما أنت أيضاً!! فلنقم بمواجهة صغيرة، مع صاحب الصخب القاتل، هل هو مجرد هاوٍ أم قاتل؟! وهل يعرف حقيقة نفسه؟!
* خلف الرصاص: هاوٍ أم قاتل
1- لمَ تحتفل بالرصاص دائماً؟
- لأنّ الرصاص صاخب ويعلن بسرعة عمّا نريد لفْت النظر إليه دون تعب وكلام كثير. أيّ خبر مفرح يجب أن يعرفه الناس جميعاً ليشاركونا، والجميع يقوم بذلك في هذا البلد، ويكذِب مَن يُنكر.
2- إذاً، أنت تحب أن تُشارك الناس فرحك وحزنك، وهل تحب أن يشاركوك أيضاً؟
- طبعاً، أحبّ أن أظهر سعادتي وفرحي الكبيرين ليشاركني الناس فيهما. لا أستطيع وصْف درجة سعادتي حين أكون أوّل مَن يطلق النار ويبدأ حفلة الفخر لفوز مرشح أو نجاح أحد أبناء المنطقة في امتحانه، فأنا أحبّ الناس.
3- هل فكّرت يوماً في أنّ صوت الرصاص الصاخب بالنسبة إليك، مرعب لبعض الناس الذين تحبّهم؟
- أظنّ أنهم اعتادوا ذلك، جيراني على الأقلّ.
4- ألم تلاحظ بعد كلّ حفلة رصاص كيف يلوذ الناس ببعضهم بعضاً ويُغلقون آذانهم، وقد يعبسون في وجهك؟
- ممكن، الأطفال والنساء نعم، لكن ليس الجميع.
5- ألا يستحقّ هؤلاء (ليس الجميع) مراعاتهم بنظرك وعدم إرعابهم إذا كنت تحبّهم فعلاً؟
- ربّما... لكن السلاح زينة الرجال، صعبٌ أنْ أتخلّى عن شخصيّتي.
6- إذاً، شخصيتك هي سبب احتفالك بالرصاص، لا أن تشارك الناس الذين تحبّهم؟
- نعم أحياناً، أتصور ذلك... وما المشكلة؟ شخصيّتي تفرض عليّ هذا التعبير وأراه جميلاً وقوياً، وأنا أجبر الذين لا يشاركوننا مناسباتنا أن يحترموها و(على عينك يا تاجر).
7- هل تعلم أنّ عدداً من الناس الذين تريد مشاركتهم فرحتك، يسقطون موتى بسبب رصاصاتك الصاخبة؟
- بسببي لم يمُت أحد، لكن نعم هناك مَن لا يحسن استعمال السلاح ولا يملك خبرتي، وهذا (ذنبه على جنبه)، لكن ذلك لم ولن يحصل معي أبداً.
8- تقصد إلى الآن لم يحصل معك. لكن إذا سقطت إحدى رصاصاتك الساخنة -رغم خبرتك- وأصابت أحد جيرانك أو عابر سبيل لا تعرفه، ماذا سيحصل؟ (حاول أن تتخيّل ذلك كحادث عابر).
- يصعب أن أتخيّل ذلك، فأنا ماهر جدّاً في استعمال السلاح، يعرفني وأعرفه، نحن متآخيان، والكلّ معجب باستعراضي وكثير من الشبّان يقلدونني.
9- تحصل الحوادث حتّى للماهرين، ألم تحصل لك في حياتك حادثة ما بسببك أو بسبب غيرك؟!
- بلى، يمكن أن يحصل شيء خاطئ بسبب غيري، لكن أستبعد كثيراً أن أخطئ، فأنا أصوّب سلاحي نحو الأعلى دائماً بطريقة آمنة و.. و.. (أخذ صديقنا يسهب في شرح تفاصيل غير صحيحة عمّا يسمّيه إطلاقاً آمناً للرصاص).
* لنقلب الصورة
10- سمعتَ عن ضحايا إطلاق النار، الذين لم يُعرف قاتلوهم إلى الآن... هل يمكن أن تتخيّل أن ابنك الذي أطلقت النار يوم نجاحه في الشهادة المتوسطة، يمكن أن يقع ضحية لرصاص شخص آخر؟!
- (يسود كثير من الصمت، وتردّد تَفضحه عينا الهاوي المحترف، حتّى يجيب بحذر) نعم ممكن، لكن لن أقبل بذلك.. سأحمل سلاحي و.. و..
11- ماذا تعني بـ (لن أقبل بذلك)؟ وهل سلاحك سيعيد ابنك إلى الحياة؟
- لن أسكت أبداً، سألقّن "قاتله" درساً...
12- هذا إنْ عرفته، لكن ما إنْ تبدأ حفلة الرصاص حتّى يشارك الجميع كما قلت. هل يمكن أن يخطر ببالك لوهلة بأنّ الرصاصة التي أصابت ابنك قد تكون مِن سلاحك أنت؟
- لم هذه الأسئلة المزعجة والاحتمالات السيّئة؟ لن يحصل شيء، فأنا لم أفكّر يوماً في أذيّة أحدهم، لن يؤذيني الله...
13- لمَ أزعجتك الصورة؟ هل تعتقد أنّ أحداً من الأطفال الضحايا قام بأذيّة أحد، أو ذويهم؟
- لا، لكن لا أحتمل خسارة ابني هكذا...
14- لذلك قلت عنه "قاتل"؟
- نعم قاتل، ويجب تلقينه درساً..
15- لن يؤذيك الله؟! هل تعلم أنّ تصرّفك محرّم في شرع الله، فهو لا يرضاه؟ على الأقلّ لن يساعدك!
- الله يعلم بنيّتي و(صمت وانزعاج).
16- سؤال مزعج آخر: هل يمكن أن تكون "قاتلاً" لأب أو أم أو طفل، لم يُعلم قاتله حتّى الآن؟ وهل سينظر لك هؤلاء كهاوٍ محترف أخطأ ذات مرة، أم كـ"قاتل"؟
- (صمت طويل...).
17- ماذا عن نفسك؟ كيف تنظر إليها حينها؟
إلى هنا انتهى الحوار الظاهريّ، والإجابة الأهمّ هي في الحوار الداخليّ، بين الإنسان ونفسه... تلك المساحة التي يعني فيها الصمت إجابة واضحة على وجود إحساسٍ قاتلٍ بالذنب.
والحوار هنا واقعيّ، لكنّ جزءاً صغيراً منه كان افتراضياً... والهدف منه أن يسمح كلّ مستعرض لقواه أن يواجه نفسه فعلاً، ويكبح حماسه واندفاعه قبل حصول حادثة، تحرمه النظر إلى نفسه في المرآة...
* شارك الناس... دون رصاص
بعد حفلة الرصاص، يصبح الكلّ ضحايا، فالمصاب ضحية هاوٍ، والهاوي استحال قاتلاً.. وصحيح أنّه لا يودّ إيذاء أحد، لكنّ استخدام أدوات القتل في غير موضعها الصحيح (الحماية والدفاع) يفتح شهية الحوادث والأخطاء لتحدث هكذا... ببساطة وعبثيّة. لذلك وضع الشرع كثيراً من الضوابط لاستعمال السلاح وصرف الذخيرة، لأنّ الهدف حماية الناس بها، لا قتلهم.
والسؤال: هل يستطيع هؤلاء الأقوياء والهواة المحترفون أن يشاركوا الناس في منع هذه الحوادث؟
نعم بالتأكيد، إذا كنت تحب مشاركة الناس الأفراح والأتراح، ولا تريد أن تصبح قاتلاً في لحظة حماس، ولا تريد أن تشاهد أحداً يتسبّب في قتل من تحب، يمكنك المساعدة عبر:
1- ابتكار بديل آخر تعبّر به عن فرحك الكبير، فلا تؤذي أحداً.
2- حاول أن تشعر بخسارة غيرك وألمه، لأنّ ذلك سيدفعك أكثر إلى حماية من تحبّ.
3- قاوِم رغبتك في استخدام آلة القتل، فهي غير مناسبة للتعبير عن أي شيء.
4- والأمر الأهمّ والمهمّة الأجمل، يمكنك استثمار شخصيتك التي تراها متميزة، ويقلّدها كثير من الشبّان في الحدّ من التعبير بالرصاص، بين أهلك وجيرانك، الذين تشاركهم كل شيء. فالتأثير الحقيقيّ يكون في التصحيح، وهو الاستخدام الوحيد الصحيح للقوّة التي تشعر بها، ويجب أن لا يكون ذلك بالسلاح أيضاً.
* تذكّر وذكّر غيرك
1- الرصاص يرعب كلّ من تحبّ.
2- إطلاق النار العشوائيّ يفتح شهيّة الحوادث واحتمال حصول الأخطاء المصيريّة.
3- إنْ كنتَ تثق بمهارتك، غلطة الشاطر بألف.
4- كلّ استعراض جيد لماهر، سيقلده كثير من الهواة الذين سيتحوّلون إلى قتلة في لحظات.
5- أعداؤنا كثر، وهم يمعنون في قتل الأبرياء، على الأقلّ لا تساعدهم.
6-استخدم رصاصك وذخيرتك للحماية والدفاع، فهما قضيّتان أسمى.
7- كما تُدين تدان. لا تساهم في إيذاء غيرك، فقد تكون مكانه يوماً ما.
8- شارِك من تحبّ، في الحفاظ عليهم وعلى سلامتهم أولاً لتحتفل معهم ولتشاركهم أحزانهم دون جنائز إضافيّة.
9- اسعَ لرضى الله، فالمسلم من سلم جيرانه من أذاه. ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32).
وإنْ كنتَ تعتبر كلّ ما مرّ تنظيراً لا يعنيك، حاول أنْ تكون ذكياً؛ لأنّ مجتمع المقاومة قد اعترضته مشاكل كثيرة، وقد نجح في مقاومتها؛ لأنّه عرف ثمن الدماء والرصاص الذي يستخدمه لقضيّة شريفة، لن يستطيع الهواة تلطيخها.