السيد سامي خضرا
للجهاد أهمية استثنائية، فهو طريق لنيل أعظم الأجر وأفضل الثواب، ويكفيه أنَّه باب من أبواب الجنَّة، وحسبنا أنَّ اللَّه جلَّ جلاله يُحبّ أهله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف: 4)، والإسلام جعل له تشريعاتٍ وقوانين وحدوداً نتقيَّد بها ونراعيها لنصل إلى الهدف المنشود. وبما أنَّ الجهاد عبادة، ففيه آداب وأخلاقيات وسُنن لا بُدَّ أنّ نُحْييها، ومن جملتها:
1- التذكير بتقوى اللَّه سبحانه:
من السُّنَّة الشريفة أن يقوم وليُّ الأمر أو مَنْ يقوم مقامه بتذكير المجاهدين بتقوى اللَّه سبحانه في سائر حلِّهم وترحالهم، وبأهدافِ الجهاد أيضاً. فالجهاد فيه خطر وجرح وقتل وتعرُّض لأموال النَّاس وأعراضهم وحرماتهم وأرواحهم وأَمْنهم وخصوصياتهم، فلا بُدَّ من التحذير من التصرُّفات الطائشة، لا سمح اللَّه، الناتجة عن الانفعال أو التسرُّع... وهذا ما نراه كثيراً عند غير المسلمين في حروبهم، مبرِّرين ذلك بأنَّه من ضرورات الحرب! وكان النَّبي صلى الله عليه وآله إذا بعث أميراً له على سريَّة، أمره بتقوى اللَّه عزَّ وجلَّ في خاصة نفسه، ثم في أصحابه عامة... ويقول: "أُغْزُ بسم اللَّه، وفي سبيل اللَّه، قاتلوا مَنْ كفر باللَّه... لا تحرقوا النَّخلَ، ولا تُغرُقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً"(1).
2- التذكير بأنَّ الجهاد لا يُقدِّم أجلاً ولا يُؤخِّرْه:
وذلك من علامات اليقين والتسليم، وهذا يمنع الخوف أو الجبن أو الفرار لا سمح اللَّه، فيبقى المجاهد مقداماً، ثابتَ الجنان. وفي حضِّ أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه على القتال، يقول: "... وأيمُ اللَّه، لو فررتم من سيف العاجلة، لا تَسلمون من سيف الآخرة... وإنَّ الفارَّ غيرُ مزيدٍ في عمره، ولا محجوب بينه وبين يومه"(2).
3- صفات المسؤولين العسكريين:
لا بُدَّ عند اختيار القادة الميدانيين، ومسؤولي المجموعات القتالية، أن تُلحظ فيهم صفاتُ الإخلاص، والطاعة، والتديُّن، والذين لا يغضبون لأنفسهم، ويتواضعون في سائر حالاتهم، لكي لا يستغلُّوا مواقعهم العسكرية لمآرب شخصية، وأن يكونوا مرهفي الحس تجاه الفقراء والمستضعفين. قال أميرُ المؤمنين عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر: "فولِّ من جنودك، أنصحهم في نفسك للَّه ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً، وأفضلَهم حلماً، مِمَّنْ يُبْطىء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، ومِمَّنْ لا يُثيره العنف، ولا يقعد به الضَّعف"(3).
4 - المحافظة على الصلاة في أوَّل وقتها:
وهذه صفة ينبغي أن تكون نهجاً يومياً لكل مسلم، أمَّا التأكيد عليها في خصوص الجهاد، فلكي لا يتذرَّع المجاهدون بما يُحيط بهم، فيُهملونها. ورد عن الإمام عليٍ عليه السلام: "تعاهدوا الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرَّبوا بها، فإنَّها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"(4).
5- عدم الخوف من الأعداء:
وذلك لأنَّهم يُقاتلون في سبيل دنيا زائلة أو طاغوت فانٍ، والشيطانُ وليُّهم، أمَّا الذين امنوا فيُقاتلون في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وللآخرة، واللَّه تعالى وليُّهم. يقول اللَّه سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76).
6- جعلُ الراية مع المعروفين بشجاعتهم:
فالراية شعار وعنوان، ودليلُ ثباتٍ ونصرٍ، ورفعها تحدٍ لأعداء اللَّه سبحانه، وإغاظة لهم. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا تميلوا براياتكم، ولا تُزيلوها، ولا تجعلوها إلاَّ مع شجعانكم"(5).
7- عدمُ المُثْلَةِ بالقتلى، أو هَتْكِ أستارهم:
فعندما يُقتل أعداء اللَّه تبارك وتعالى، فقد طهُرت الأرضُ من لوثِ وجودهم، كما عبَّر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله... وعندئذٍ، النار أولى بهم، فليس من أخلاقنا، ما يفعله الأعداء من المُثْلة بالجثث وتشويهها وتقطيعها. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا تُمثِّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال قومٍ، فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم، إلاَّ ما وجدتم في عسكرهم"(6). فتكون غنائم حرب عندها.
8- عدم التعرُّض لإمرأةٍ وإن كانت سفيهة:
لعلَّ بعض نساء المشركين أو الأعداء يتجرَّأن على رجال المسلمين لأنهنَّ يعرفْنَ أنَّ المجاهدين ذوو أخلاقٍ عالية، ومِنْعةٍ مسلكية... فتنساقُ بعضُهُن مع عاطفتها ووقاحتها، وتُطلق العنان لِلِسانها مستفزَّة المجاهدين، فنتركها لشأنها، تموت في كيدها، ولا نتلهَّى بها وبوقاحتها، عمَّا هو أجلُّ وأثوب. رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا تُهيِّجوا امرأةً بأذى، وإنْ شَتَمْنَ أعراضكم، وسبَبْن أمراءكم وصلحاءكم، فإنَّهنَّ ناقصاتُ القوى والأنفس والعقول، وقد كُنَّا نُؤمر بالكف عنهنَّ وهُنَّ مشركات، وإن كان الرجل ليتناولُ المرأة، فيُعيَّر بها وعقبُه من بعده..."(7).
* تبصرة:
كل هذا طبعاً، إن لم تحمل السلاح أو لم تكن عيناً للأعداء، كالجاسوسة تنقل الأخبار، أو لم تُساعد ميدانياً... وإلاَّ، فلها حساب آخر، يُنظر إليه في الكتب الفقهيَّة.
9- مؤازرةُ الإخوان بعضهم بعضاً في ساحة المعركة:
المؤمن قوي بإخوانه، ومَثَلُهم كَمَثَلِ البنيان المرصوص، فأيُّ مصابٍ لإخواننا، مُصاب لنا، وفَرَجُهم فرج علينا. من هنا وجب حمايةُ الأخ، حتى لا يُحاصر ويُسْتفرد... بل إذا أُصيب في ساحة المعركة أو فُجع بعزيز لاَ نتركه، صيانةً له من كيد المشركين. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "رحم اللَّه امرءاً، واسى أخاه بنفسه، ولم يَكِلْ قِرْنَه إلى أخيه (ولم يترك خصمه لأخيه)، فيجتمع عليه قِرْنُه وقِرْنُ أخيه (يجتمع على أخيه خصمان، عدوَّه وعدوَّ أخيه)، فيكتسب بذلك اللائمة..."(8).
10- المرابطة على الصبر في كافة المواطن:
فلا يُنال شيء دون الاستعانة بالصبر في سائر المواطن. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "واصبروا وصابروا واسألوا النصَّر، ووطِّنوا أنفسكم على القتال..."(9).
11- حملُ الرايات واتَّخاذُ الشِّعار:
كل جيش في العالم أو دولة، له شعار أو راية يُعرف به... ومن آداب الإسلام، أن يحمل المسلمون في ساحة المعركة رايةً أو شعاراً يرمز إليهم، ويدلُّ عليهم، مُعبِّراً عن عقيدتهم أو مقدَّساتهم أو رموزهم، كالإشارة إلى التوحيد مثلاً أو القران... أو اسم أو نداء. رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "... وأول مَنْ اتَّخذ الرايات إبراهيم عليه السلام، عليها: لا إله إلاَّ اللَّه"(10). وبعث رسولُ اللَّه عز وجل علياً عليه السلام يوم بني قريظة بالراية، وكانت سوداء، تُدعى العُقاب، وكان لواؤه أبيض"(11).
12- تعلُّم الرماية:
على كل مسلم، والأولى بالمجاهدين منهم، أن يرموا بين وقت وآخر، ليُحافظوا على لياقتهم وكفاءتهم القتالية، وعلى الأقل بالمسدَّسات والرشاشات الخفيفة المتداولة اليوم. وقد فسَّر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله آية الإعداد (الأنفال: 60) "بالرَّمي"، وعنه: "اركبوا وارموا، وأن ترموا أحبَّ إليَّ من أن تركبوا، ثم قال: كلُّ لهوِ المؤمنِ باطل، إلاَّ في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبةِ امرأته، فإنَّهن حق، ألا إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ ليُدخلُ بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: عاملَ الخشبة، والمقوي به في سبيل اللَّه، والرامي به في سبيل اللَّه"(12).
13- تركُ التشبِّه بأعداء الإسلام:
يُلاحَظ أحياناً أنَّ البعض يهوى التشبُّه بأعداء الدين في حمله للسلاح، وتصرُّفاته، ونزقه... تأثُّراً بالأفلام الأمريكية التي تُثير الاشمئزاز والسُّخْرية، وفيها الكثير من التعالي والكِبْر... رُوي عن مولانا الباقر عليه السلام: "أوحى اللَّه إلى نبي من الأنبياء، أنْ قُلْ لقومك، لا تلبَسوا لباسَ أعدائي، ولا تطعَموا طعام أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"(13).
14- مدح الشجاع منهم:
فَمَدْحُهُ يحثُّه على تكرار مواقفه الشجاعة، ويحثُّ إخوانَه على التمثُّل به، ولعلَّ توزيع الأوسمة والرُّتب والتنويهات في جيوش العالم اليوم، تعبير عمَّا نحن بصدده. عن الإمام علي عليه السلام: "مَنْ خذَّل جُنْده، نصر أضداده".
15- تذكيرهم بأنَّهم جُنْدُ اللَّه عزَّ وجلَّ:
فهم جند اللَّه سبحانه في الأرض، كما جنوده في السماء... فيُراعوا حقَّ الانتماء، ويتحمَّلوا مسؤوليته، ويُخلِصوا لأهدافه. قال اللَّه جلَّ جلاله: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الفتح: 4).
16- دعوتهم إلى طاعة القيادة والوثوق بها:
وإن كان ذلك على خلاف ما يرونه، لأنَّ إطَّلاع القيادة، وعلمها وخبرتها أوسع وأشمل. رُوي عن عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام: "آفة الجند مخالفة القادة".
17- تعويدهم على عدم استضعاف الخصم أبداً:
وهذه إستراتيجيَّة منهجيَّة دائمة في عدم الإستخفاف به، لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى ضعف الهمَّة والتثاقل. رُوي عن قدوة المجاهدين علي عليه السلام: "افة القوي، استضعاف الخصم".
18- جواز المِشْية التي تُغيظ الأعداء:
المعروف أنَّ المؤمن متواضع في مشيته، فلا يمشي في الأرض مرحاً، ولا يختال... ويُسْتثنى من ذلك، ما إذا كان أمام الأعداء، وأراد أن يتفاخر عليهم ويُظهر عزَّه، من هنا كان جواز المشية على طريقة "النظام المرصوص" وما شاكلها ممَّا هو شائع اليوم في الجيوش المختلفة. روى الصادقُ عليه السلام أنَّ أبا دجانة الأنصاري اعتمَّ يومَ أُحُد بعمامة له، وأرخى عَذَبَةَ العمامة من خلفه بين كتفيه، ثم جعل يتبختر بين الصَّفين، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إنَّ هذه لمِشْية يُبْغضها اللَّه تعالى، إلاَّ عند القتال في سبيل اللَّه".
(1 - 13) وسائل الشيعة، ج11.
(3) نهج البلاغة.