الشيخ يوسف سرور
تتمثل القيمة المعنوية التي يمكن أن تُدّعى لأية جهة، سواء أكانت إطاراً أو شخصية معنوية أو حقيقية أو غير ذلك تتمثّل بالمكانة التي يحتلها بين نفوس الأفراد والجماعات التي تحترمها. بيد أن هذه القيمة لن تكون حقيقية إذا لم ترتكز إلى منظومة القيم الإنسانية، التي تسالم عليها عقلاء البشر، وتبانوا عليها في إطار بناء إنساني استغرق تشييده تاريخاً كاملاً هو عمر وجود الإنسان.
ومن المعايير القيمية التي يمكن أن تقاس عليها القيمة الإنسانية، هي الوطنية، أي صدق الانتماء إلى الوطن المكون من شعب ودولة حكم، وطن له قضاياه وهمومه. فإذا كانت الشخصية تحمل هموم الوطن وقضاياه الكبرى تقدم المصلحة الوطنية الكبرى على ما عداها من المصالح الفئوية والشخصية والحزبية وغيرها تكون هذه الشخصية وطنية بحق، ويحق لها أن تكون ذات مكانة عند المواطن وعند الجماعات الوطنية وعند الدولة على حد سواء. لكن إذا بلغت هذه الشخصية في سياق تعبيرها عن الوطنية الصادقة الحدود القصوى ولم تطلب في مقابل ذلك أي مقابل أو ثمن أو مكسب، ولم تدّعِ احتكار الفضل في أي إنجاز وطني كبير، مع العلم أن لها الفضل الأكبر والقسط الأوفر من الدور في تحقيق هذا الانجاز، وفوق ذلك هي تقرّ لكل الآخرين بدورهم وإسهامهم في تحقيق ذلك الإنجاز، مع ضآلة أدوار الكثيرين وكذب دعاوى آخرين.
وإذا بلغت هذه الشخصية في تعبيراتها الوطنية حدود تقديم النفس والولد والصحب وكل غالٍ ونفيس، في الوقت الذي كانت كل رياح الأرض في اتجاه معاكس تماماً، وكانت القوى كل القوى قد أرخت عنها أحمال الوطن ووضعت أوزار الحرب عن كواهلها. إذا كان هناك شخصية تملك هذه التضحية وهذا التفاني، وتملك كل هذا الإقدام وهذه الجرأة، لتقف عنيدة في مقابل عواصف وأعاصير النظام العالمي الجديد، لتثبت حق هذا الوطن في الحرية والسيادة والاستقلال، وحق بنيه في حياة آمنة حرة مستقلة، ولتثبت قدرة هذا البلد ومنعته ورفده لبني جنسه بكل معاني العطاء فإن هذه الشخصية هي بالمعايير الوطنية، تملك قداسة حقيقية.