الشيخ نعيم قاسم
الخط المهدوي خطٌ متواصل عبر التاريخ، ورايةٌ مرفوعة في أزمنة مختلفة، فلا فُجأة في بروز أنصار وجند الإمام المهدي عجل الله فرجه، فهم جماعة معروفة بمسارها، أجمعت الروايات على الحديث عنها بعنوان واضح لا لُبس فيه، فهم "حزب الله"، الذين تحدث عنهم القرآن الكريم في سياق متكامل بين التوحيد والنبوة والولاية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون﴾ (المائدة: 55 - 56)، وقال عنهم: ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ (المجادلة: 22).
دعا الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله إلى التمسك بهذا الخط، مخبراً إيانا بغربة الدين في آخر الزمان بسبب انتشار الكفر والفساد، مؤكداً على أن نكون من الذين يتمسكون بالدين الحق، من حزب الله ورسوله، قال صلى الله عليه وآله: "فعليكم بالتمسك بحبل الله وعروته، وكونوا من حزب الله ورسوله، والزموا عهد رسول الله وميثاقه عليكم، فإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً"(1). هذا الاختيار لخط حزب الله يستلزم موالاة الأئمة الأطهار، فهم الخلفاء على الأرض، وهم الحجة على خلقه، والقادة إلى الجنة، فعن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن الرسول صلى الله عليه وآله: "من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال علياً بعدي، وليعاد عدوه، وليأتمّ بالائمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"(2).
وبما أن حزب الله هم الفائزون، فإن الاقتداء بالهداة إلى هذا الطريق يتم بالنصرة والموالاة لهم، بحيث يلتزم أنصارهم بموالاة من والاهم، ومعاداة من عاداهم، لأنهم يمثلون الخط الأصيل الموصل إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه، فهم من شجرة واحدة تبدأ بمحمد صلى الله عليه وآله، ثم علي عليه السلام، ثم الأئمة عليهم السلام، إلى المهدي عجل الله فرجه. فأنصار علي عليه السلام هم أولياء الله وحزبه. قال رسول الله: "يا علي، شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحداً منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني أدخله الله نار جنهم وبئس المصير... يا علي، أنا الشفيع لشيعتك غداً إذا قمت المقام المحمود فبشرهم بذلك، يا علي، شيعتك شيعة الله، وأنصارك أنصار الله، وأولياؤك أولياء الله، وحزبك حزب الله، سعد من تولاك وشقي من عاداك"(3).
إنهم جماعة صابرة مضحية، تعيش المعاناة والآلام، وتخشى على دينها من سطوة السلطان فتدافع وتتحمل وترجو الله تعالى أن يفرج عنها، وتمر عليها مرحلة صعبة في غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولكن "طوبى للصابرين في غيبته" فهم المفلحون، إنهم حزب الله كما ورد في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله عندما تلا الآية الكريمة: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. فقال أحد الصحابة واسمه جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثم قال: طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، وقال: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(4).
المسألة واضحة وضوح الشمس، بعلي عليه السلام يفتح الله، وبالمهدي عجل الله فرجه يختم، ومسيرتهم مسيرة الإسلام، مسيرة حزب الله، وأعداؤهم حزب الشيطان، إنهم يمثلون سبيل الهداية، وغيرهم سبل الضلال. عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مخاطباً أمير المؤمنين علياً عليه السلام قال: "يا علي بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم، عليكم بالصبر، فإن العاقبة للمتقين، أنتم حزب الله، وأعداؤكم حزب الشيطان، طوبى لمن أطاعكم ، وويل لمن عصاكم، أنتم حجة الله على خلقه، والعروة الوثقى، من تمسك بها اهتدى، ومن تركها ضل. أسأل الله لكم الجنة، لا يسبقكم أحد إلى طاعة الله، فأنتم أولى بها"(5).
ها هي زينب عليها السلام تخاطب أهل الكوفة بتحديد مواقع الجهتين، جهة حزب الله وجهة حزب الشيطان، فمن كان مع الحسين عليه السلام فهو من حزب الله الفائز، ومن كان مع يزيد فهو مع حزب الشيطان الخاسر، قالت عليها السلام: "يا أهل الكوفة، سوءة ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم، وأي وزر على ظهوركم حملتم، وأي كريمة أصبتموها، وأي أموال انتهبتموها، قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله، الا ان حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون"(6).
إنَّ قيام الإمام المهدي عجل الله فرجه بمهمته العالمية لنشر القسط والعدل، يتحقق بقيادته للمؤمنين الذين حافظوا على الراية الأصيلة، والذين يمكن اختصار صفاتهم وعلاماتهم بأنهم "حزب الله"، فما في هذا العنوان من مضمون يختصر كل الحديث عن التفاصيل الأخرى، هؤلاء هم جند الإمام المهدي عجل الله فرجه.
(1) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج: 30، ص 79 .
(2) المصدر نفسه، ج: 38 ،ص 92 .
(3) علي الطبرسي، مشكاة الأنوار، ص 151.
(4) الشيخ الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج5، ص 8.
(5) الشيخ المفيد، الأمالي، ص 109.
(6) ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص69.