مقابلة مع سماحة العلاّمة الشيخ علي سائلي
حوار: لنا العزير
قد يشكك البعض في صحة الجزاء الإلهي، وآخر قد يتوقف عند حكمة هذا الجزاء، ولكن الكثير من الذين يؤمنون بكلا الطرحين قد يتساءل عن أشكال هذا الجزاء ولا سيما التكويني منه أي ما يُعرف بالجزاء المعجّل.الصدقة تدفع البلاء، صلة الرحم تطيل العمر، المريض تتحات عنه الذنوب، وغيرها من الأحاديث التي تؤكد على صحة الإعتقاد بالجزاء المعجّل. ولكن يبقى السؤال، ما الحكمة من تعجيل الجزاء، وما هي ماهية الذنوب التي تستدعي جزاءاً معجّلاً والأخرى التي تستدعيه مؤجّلاً؟ وهل هناك فرق بين شخصٍ وآخر بحيث يُعجّل لهذا ويؤجّل لذاك؟ أسئلة تتوارد إلى أذهان الكثيرين ممن يتأملون في مسيرة وحكمة الوجود البشري الذي أراده الله لنا متكاملاً، فصهر بالعقاب غلائف الذنوب عنا وعطّر بالثواب نواصي الخير منا. من هذا المنطلق كانت مقابلتنا مع حجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ علي سائلي مدير حوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله و وسألناه بدايةً:
*ما هو الجزاء التكويني وما المراد به؟
إن مسألة الجزاء التكويني ترتبط بالعدل الإلهي، وهو أصل من أصول الإعتقاد لدينا (الشيعة)، بمعنى أننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى يفعل العدل ولا يرتكب الظلم، فلا يظلم أحداً لا في الدنيا ولا في الآخرة. لا يظلم أحداً في كيفية إدارة هذا العالم، لا في الأحكام التي يكلف الناس بها ولا في كيفية الجزاء في الآخرة. وهنا أودّ أن أعرّف معنى العدل؛ يُقال: العدل هو إعطاء كل ذي حقٍّ حقّه. هذا التعريف في غاية الأهمية، أولاً، ذلك الإنسان ذو الحق من أين جاء حقه؟ ثانياً، عندما نتحدّث عن إعطاء الحقّ لصاحبه نكون بذلك شئنا أم أبينا نتحدّث عن أمرين مختلفين هما العمل والجزاء. وبعد ذلك نسأل هل الجزاء يناسب العمل أم لا؟ إذا قلنا مثلاً: من أوقف سيارته في مكان غير مناسب هل يمكن أن نحكم عليه بالإعدام، يُقال هذا ظلم، لماذا؟ لأن الجزاء لا يتناسب مع العمل. أما إذا كان الجزاء هو نفس العمل، فلا مجال لأن نتحدّث عن العدل لأنه ليس هناك أمران حتى نلاحظ إن كان بينهما ارتباط منطقي وعقلاني أم لا، وبهذا ترتفع فرضية العدل. الله تعالى يقول في كتابه ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ ويقول أيضاً ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ولم يقل بما كنتم تعملون، يعني عملكم هو نفس جزائكم، أي أنكم إنما تجزون عملكم، هذا في الآخرة. أما في الدنيا فقد يكون الجزاء بهذا الشكل أو قد يختلف الجزاء عن العمل كما ورد سابقاً.
*كيف يصل الإنسان إلى مرتبة يكون فيها صاحب حق يطلب حقه؟
هناك تناسب بين العمل والجزاء، فالإنسان يتلقى من الله تبارك وتعالى أو من هذا النظام ما يستحقّه. الله تعالى يقول في سورة الرعد ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ (الرعد: 17)، فهو يقول: هذا الأمر يعود اليكم، على حسب وعائكم تتلقون من الله سبحانه وتعالى فيضه، فإذا تلقّى أحدٌ فيضاً قليلاً فلأن وعاءه صغير. لا يمكن أن ينسب هذا الى الله تعالى. ويقول الله أعطاني قليلاً من الفيض وأعطى صديقي أكثر، هذا غير صحيح. كل شيء في العالم يكون في ظروف خاصة، إذا اجتمعت أجزاء تلك الظروف، بحيث وصلت الى مرحلة العليّة التامة، يوجد لذلك الشخص حقّ، يعطيه الله تبارك وتعالى له. وإذا لم تتشكل العلّة التامة فلا يتحقّق لذلك الشخص حقّ حتى يطالب به. مثلاً إن لم يتزوّج شابٌ من شابة لا يمكن أن نتوقّع وجود طفل، ذلك لأن علّته التامة لم تتحقّق بعد.
*يعترضنا سؤال هنا، أن الطفل المعوّق جسدياً أو عقلياً، ما الذنب الذي ارتكبه كي يولد بهذا الشكل؟ ولو قلنا بنسبية الوعاء الذي تم إعداده لتلقي الفيض فأين بدأ هو بإعداد وعائه قبل الولادة؟
لو فرضنا أن شاباً أسود تزوّج بشابةٍ سوداء، هنا أودّ أن أبيّن كيف أن اجتماع الأسباب والعلل والظروف يعيّن الشيء الذي سيتبعه؛ فبزواج هذا الشاب من هذه الشابة مع توفّر الظروف والشروط، نتوقّع ولادة طفلٍ أسود. أي أن الحقّ الذي يترتّب على هذا الزواج لا يطلب بياض الطفل، لأن البياض له شروطٌ أخرى لم تجتمع من قبل. وهكذا فلو أنه بعد الزواج، وبلحاظ التكوين، لم يحصل بين الزوجين تناسب، كوجود خلل في خلايا الرجل أو كروموزومات المرأة، وتجتمع هذه الأسباب والعلل وتقتضي طفلاً معوّقاً، ليس من حقّ هذا الطفل أن يطلب شيئاً آخر لأن الشيء الآخر بحاجة لاجتماع أسباب أخرى. أما بالنسبة لما هو ذنب الطفل، أنا لا أقول أن الطفل ارتكب ذنباً، ولكن ليس للطفل حق السلامة. فالطفل لم يُذنب أما الوالدان فقد يظلمان وقد لا يظلمان. فنحن نعتقد أن الوالد والوالدة عندما يرتكبان شيئاً ويعرفان أن هذا الشيء سيؤثر على الجنين بشكل سلبي، طبعاً هؤلاء مذنبان ولا سيّما أنهما سببان أصيلان بترتّب هذا الأثر على الجنين. أما إذا لم يعرفا فترتفع عنهما فرضية الظلم.
*أنتم تقولون إن الإعاقة ليست جزاءاً بل هي انسيابٌ طبيعي لتفاعل الأسباب. والبعض يعتقد أنها جزاء لما عرض في عالم النور أو الذر، فماذا تقولون؟
أولاً كما ورد في الحديث "أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها" كل شيء بحاجة الى سبب. فإذا اعتقدنا بعالم النور، يجب أن نتصوّر أن هناك إرادة واختياراً وعملاً ثم نعتقد بترتّب آثارٍ على تلك الأعمال. ولولا العمل لا يستحقّ الشخص ذلك الجزاء، وحينها لأحدٍ أن ينسب إلى الله الظلم لا سمح الله .فالله تعالى يقول ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ وبالعكس يقول "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". يعني بركات السماء والأرض تترتّب على عمل الإنسان كما أن الفساد في البر والبحر يعود إليه. ولولا العمل لما وُجد الجزاء.
*ورد في كتاب الله العزيز ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 179) تبيّن هذه الآية الكريمة دور الجزاء كرادعٍ في الحياة الإنسانية. كيف تتجلى الحكمة من الجزاء التكويني ولا سيما الدنيوي منه؟
هنا نقول لولا الجزاء التكويني لا يتحقّق العدل. فلو فرضنا مملكة لم يكن فيها سلطة قضائية، هل يمكن أن نعتقد أن ذلك البلد بلد عدل؟ السارق يجب أن يتحمّل مسؤولية فعله... فالعدالة تقتضي وجود الجزاء الذي يترتب على العمل سواء كان الجزاء نفس العمل أو مغايراً له. فالحكمة من أن يترتّب الجزاء على العمل هو إيجاد العدالة في الدنيا والآخرة، وإحدى الإستدلالات التي نشير إليها في بحث المعاد هو هذا الدليل. نقول إن العدل لم يتحقّق في الدنيا بعد، وإذا لم نعتقد بالمعاد وأن العدل سيتحقق في عالم الآخرة، يجب أن نقول إن الله تبارك وتعالى ليس حكيماً، لأنه هو من خلق الموجودات، وبعض هذه الموجودات يظلم الآخرين دون أن يوجد العدل الكافي في الدنيا ليُطلب من الظالم حق المظلوم؛ فلا بد من أن يتحقّق العدل في الآخرة. كما أن الجزاء في الدنيا يكون لتأمين العدالة الإجتماعية، الحقوقية، التكوينية، ولكي لا تنفصل الدنيا عن الآخرة كلياً. لأن هذه الدنيا ستنتهي إلى الآخرة فيجب أن يكون هناك تناسب بينهما. فالدنيا بمثابة المرحلة الإبتدائية بالنسبة للآخرة التي تُعدّ المرحلة الجامعية.
*الجزاء التكويني يهدف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية. ولكن يمكن لأحد أن يتظلّم من بعض الأحكام الجزائية، كالفرق في التبعات بين الرجل والمرأة.
هناك فرق بين العدالة الإجتماعية والعدالة التكوينية، وما ورد أعلاه هو العدالة الإجتماعية. فبإجراء القصاص لا يرتكب أحدٌ قتلاً وهكذا ستولد حياةٌ جديدة. أما بالنسبة للرجل والمرأة فهناك معيار آخر، فالله تبارك وتعالى لا يقول إن قيمة الرجل تعدل قيمة امرأتين أبداً. يقول الله تعالى كما ورد في الروايات أنه لا يوجد للإنسان ثمن. وفي كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين يقول عليه السلام: "ليس لأنفسكم ثمنٌ إلا الجنة". فلا يمكن تقييم الإنسان سواء كان رجلاً أو إمرأة بمئة إبل مثلاً أو بمليون إبل. أما التفاوت بين دية المرأة والرجل فتعود الى الإعتبارات الإقتصادية التي يمثلها كلٌّ منهما في مجتمعه. فدور الرجل في العائلة أهم؛ إذ يقع عليه عاتق الإنفاق على الأسرة وعلى هذا الأساس يكون مبدأ ملأ الفراغ الحاصل بمقتل أحدهما، وليس على أساس قيمتهما.
*﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ (الأعراف: 166)، تظهر جلياً هنا عملية الجزاء المباشر والتي لم نعد نراها في أيامنا. لماذا أصبح الجزاء الحاسم مؤجلاً الى يوم المعاد؟
بدايةً، الجزاء الحقيقي والكامل لا يحصل في الدنيا. مثلاً، صدّام، بعملية واحدة قتل عدة آلاف في حلبجة، في المناطق الكردية، فكم مرة نستطيع أن نُعدم صدّام؟! من مرّة واحدة هو يموت فكيف نستطيع أن نجري العدالة على هذا الرجل؟ لا يمكن أن نجري العدالة كاملةً في الدنيا، لأنها ليست ظرفاً ووعاءاً لتحمّل الجزاء الحقيقي، ولكنها صالحة لجزءٍ منه. ثانياً: في الدنيا تفاعل بين الأسباب، أي هناك نوع من الإعطاء والأخذ بين الأسباب والفعل. مثلاً: المطر يهطل، ولكن هناك عدّة أمور، السحاب، الرياح، جميع هذه الظروف تجتمع وتؤدي الى شيء خاص ومعنىً خاص. فأنا لا أعتقد أنه في السابق كان الله سبحانه وتعالى يجازي الناس بشكلٍ كامل وبالعذاب المباشر، وبعصرنا هذا لا يفعل، بل أقول إن عملية التفاعل بين الأسباب في عصرنا قد تغيّرت عن العصور الماضية؛ فلو وُجدت أسباب تلك العصور اليوم، طبعاً يترتّب عليها العذاب المباشر مثل السيل والزلزال والمسخ وغيرها...
*"صلة الرحم تُطيل العمر". هل يُعدّ ترتّب هذه الجزاءات على الأعمال بمثابة مربٍّ للنفس الإنسانية؟
جميع ما وضعه الله تبارك وتعالى وقرّره له عدّة آثار. منها آثار تربوية، ثقافية، علمية... الله تعالى لا يعمل شيئاً يؤثر في بُعد خاص فقط، كل ما يفعله يلعب عدّة أدوار. من هنا نتحدث عن الآثار المترتّبة على صلة الرحم مثلاً وأنها تطيل العمر، طبعاً تترتّب على أحكام الله عدّة أمور. فعندما يزور أخٌ أحداً يجد في نفسه نوعاً من الإرتياح، هذا الإرتياح يؤثّر على نفسية الإنسان وطبعاً بتكاثر هذه الآثار يطول عمر الإنسان. وبالعكس، لو حصل له احتكاك أو عراك مع شخصٍ ما، يجد في نفسه حالةً سلبية تؤذيه دائماً. هذا أمر طبيعي، واليوم يعتقد ذلك علماء النفس ولكن ليس من الزاوية الشرعية بل من الناحية الطبية. يقولون صلوا أرحامكم، لماذا؟ لأن هذا السلم الداخلي الذي يحصل للإنسان جرّاء تواصله يطيل عمره وذلك تبعاً للتفاعل بين الجسد والروح: ونرى اليوم مرض الإكتئاب الذي يعانيه كثيرون جرّاء عدم انسجامهم مع الآخرين.
*هنا نسأل إن كانت تُراعى في الجزاء مسألة العمل فقط أم يُلحظ نفس العامل بذلك أيضاً؟
إذا اختلف الجزاء عن العمل، في هذا المجال لا بد من أن ينطبق الجزاء على العمل وليس على العامل. يعني نبحث في أن العمل الذي تحقّق في العالم كم أجره؟ أي عمل هو؟ ما الدور الذي يلعبه ومدى تأثيره؟ أما العامل في هذا المجال فلا نلحظه باعتبار أن دور العامل يتبلور في عمله. أما بالنسبة للجزاء التكويني، ففي بعض الأمور يكون الجزاء نفس العمل؛ كمن يأكل كثيراً فجزاؤه هو الأمراض والإنزعاج الذي يترتّب على جسده. وفي بعض الأحيان يكون الجزاء مغايراً للعمل، مثل أن يكون العمل من قبيل الكذب أما الجزاء فيكون في عدم ثقة الناس بهذا الشخص.
*وهل يعني أن يكون العمل هو نفس الجزاء أن لا تدخّل للإرادة الإلهية في الجزاء الأخروي، بل أنه بمجرّد انتزاع الصفة الدنيوية عن العمل يتحوّل ليصبح بشكل الجزاء؟
هذا النظام الموجود، وهذه التراتبية، تراتبية الجزاء على العمل، قائمة على أساس إرادة الله سبحانه وتعالى، هو خلق العالم بهذا النظام فكيف نقول أنه لا يتدخّل؟ هذا تدخّل ولكن ليس مباشراً.
* "وبشّر الزاني بالفقر". آية كريمة تتوعّد المذنب بالفقر، فهل هذا الوعد في الدنيا أم في الآخرة؛ خاصةً أن البعض يتظلّم كونه لا ينطبق على كثيرٍ من هؤلاء المذنبين في الدنيا؟
بلحاظ السعادة الأخروية الفقر والغناء ليسا معيارين. في هذا الأمر، قد يكون الشخص غنياً في الدنيا لكن غير سعيد في الآخرة والعكس صحيح. فمرّةً نتحدّث عن سعادة أخروية لا يكون الغناء شرطاً فيها كما أن ليس الفقر مانعاً منها. أما المعيار فهو كيفية إستجابة الإنسان لهذا الإختيار الذي يتجسّد بإحدى المرحلتين، الغناء أو الفقر، أي التزام الإنسان بالأحكام الشرعية والإلتزام بالقرآن. فالغني هو من كان ملتزماً بوظائفه الإنسانية والقرآنية بينما إذا لم يكن ملتزماً بها فهو يفتقر إلى السعادة. والمراد هنا من الفقر هو النقصان المعنوي أي نقصان السعادة.
*تحدثنا عن مظاهر الجزاء ولكن نعود لنسأل أن الجزاء عادةً ما ينطبق تبعاً لأداء فريضة أو القيام بمعصية، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ما هي العبادة التي تصل بالإنسان إلى المرحلة التي يقول عنها الله تعالى "رضي الله عنهم ورضوا عنه" وماذا يترتّب على هذا الرضا من الجزاءات في هذه الدنيا؟
إن خلاصة الكلام في تفسير العبادة أنها إلتزامٌ أمام الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ..﴾ إلا ليلتزموا بما يقوله الله سبحانه وتعالى. والعبادة ليست هي الهدف النهائي من الخلقة، بل هي الهدف الوسطي لأن الله سبحانه يقول في آية أخرى ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾ فيتبيّن أن العبادة هي مقدّمة الإنسان إلى مرحلة اليقين أي أن يرى قلبه لشدّة إيمانه خالقه وصانعه. هذا ما يُعرف بالمشاهدة والمكاشفة. وبعد أن يصبح الإنسان ملتزماً بما يقوله الله تعالى يحصل الرضا الإلهي عن الإنسان، وهذا الرضا يكون مقدّمةً للتوفيقات والفيوضات على الإنسان، مثلاً أن يكون موفقاً في دراسته، في عمله،.. فرضا الله ليس مجرّد مفهوم ذهني فقط بل أمر وجودي يؤثر في ترتب الفيوضات الأخرى.
*الدعاء أو الصدقة تستدرّان فيوضات إلهية كثيرة، إلى أي مدى تخترق هذه الجزاءات اللوح المحفوظ؟
يُدار هذا العالم على أساس نظام العلّية والمعلول، السببية والمسببية. لا يوجد شيء إلا ويجب أن توجد علّته التّامة، إذا عرفنا هذا الأمر جيّداً، نقول إن الصدقة هذه من جملة تلك الأسباب، مثلما يكون الماء سبباً لإطفاء النار، والنار سببٌ أيضاً، ولكن هذا السبب لقوّته يغلب على الآخر وكذلك نعتقد بالنسبة للصدقة. نقول إن الصدقة مع النية الصادقة تؤثر على سائر الأسباب، فهي قد تخطر ببال الإنسان أن يبتعد عن مكانٍ كان ليواجه فيه المتاعب. ومن ناحية أخرى نحن نعتقد بأن الله تعالى عالمٌ، وعلمه مطلق، وهو يعرف قبل حدوث أي شيء بأن ذلك الشيء سيحدث، كيف يتحقّق، وفي أي وقت، وبأية ظروف وشروط يتحقّق. فالله تبارك وتعالى يعلم أن هذا الشخص سيتصدّق ويعلم مدى تأثير هذه الصدقة، وأظهر هذه المعلومات في كتاب مجرّد اسمه اللوح المحفوظ. أما وجود هذه المعلومات في اللوح المحفوظ فلا تعني أن الإنسان مجبرٌ بالصدقة أو بالموت أو بالمرض وما إلى هنالك؛ هذا علمٌ متعلّق بالله تبارك وتعالى لأجل شدّة كماله. أما بالنسبة للإنسان فهو مختار يعمل على أساس رغبته واختياره.
*متى يكون الإنسان بمنأى عن الجزاء وهل عندها يستريح من هول الأقدار؟
لا يستريح الإنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة من انعكاسات عمله التي دائماً ترجع إليه. الله تعالى يقول في سورة (الإسراء: 7): ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾. هذه اللام بمعنى الملكية، يعني إن أحسنتم فهو ملككم يعود إليكم، وكذلك إن أسأتم. كما أن الإنسان يعيش دائماً في عمل إما قلبي أو جوارحي.. وهكذا فلا يمكنه أن يستريح من الجزاء أبداً. وإذا أراد أن يستريح راحةً حقيقية عليه أن لا يعمل إلا عملاً صالحاً وبذلك تعود عليه الانعكاسات الجيدة.