السيد سامي خضرا
الموت حق، وهو نازل لا محالة بكل منا، حيث يقدم ابن آدم على ما قدَّمت يداه، ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾.
1- يستحب لِمَنْ ظهرت عليه علامات الموت أن يوصي بشيء من ماله في أبواب البر كالخير والوقف والصدقة والجهاد والأيتام وأهل المسكنة...
2 - كما يستحب له ذلك إذا شفاه اللَّه الشافي(1). ورد في الحديث أن اللَّه جلَّ جلاله يُعاتب عبده، فيقول: "ابن آدم تطوَّلتُ عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعتُ عليك، فاستقرضت منك، فلم تقدم خيراً، وجعلت لك نَظِرَةً عند موتك في ثلثك، فلم تقدم خيراً"(2).
3 - بما أنَّ الشفاء بعد العياء رحمة من اللَّه تعالى، فهو مناسبة للذكرى والموعظة ونصح الآخرين وفعل الخير والكف عن السوء... وإلاَّ، إنْ لم يكن كذلك، لقيت الملائكة بعضُها بعضاً (يعني حَفَظَتَهُ) فقالت بصيغة العتاب: "إنَّ فلاناً داويناه، فلم ينفعه الدواء"(3).
4 - أما إذا فتك به المرض حتى أشرف على الموت، فيُجدِّد التوبة بينه وبين اللَّه تبارك وتعالى، ويُقرُّ بالعقائد الحقَّة عند حضور المؤمنين، ويُحسن الظن ببارئه جلَّ وعلا، ويذكر اللَّه تعالى، وليس لذلك حدٌّ. رُوي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "كل أحد يموت عطشان إلاَّ ذاكر اللَّه". وقال مولانا زين العابدين عليه السلام عند احتضاره: "اللهم ارحمني فإنَّك كريم، اللهم ارحمني فإنك رحيم" فلم يزل يُردِّدُها حتى تُوفي(4).
5 - في هذه الحال، وبعد الوصية بالحقوق والأمانات والخيرات والإنابة، لا ينسَ حبَّ لقاء اللَّه الكريم، بل يقول: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي"(5).
6 - من الأدب عند نزول المصائب، تذكُّر ما أصاب الأنبياء والأولياء والصلحاء من فتن وبلايا... فنقتدي بهم، وإنَّ ما أصابهم لم يكن لبُغضهم أو لبُعدهم بل لعظيم إيمانهم، ولترويض نفوسهم، وامتحان هِمَّتهم. روي عن مولانا الباقر عليه السلام: "إنْ أُصبتَ بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك، فاذكر مصابك برسول اللَّه صلى الله عليه وآله فإنَّ الخلائق لم يُصابوا بمثله قط"(6).
7 - بعد كل هذا، إذا وقع الموت، يستحب التعجيل بتجهيز الميت لدفنه، وهذا من كرامته، وليس صحيحاً تأخيره كما يفعل أهل الأديان الأخرى، أو بعض أهل الدنيا في هذه الأيام. قال السيد اليزدي الطباطبائي رحمة اللَّه تعالى عليه، في مستحبات ما بعد الموت: التعجيل في دفنه، فلا ينتظروا الليل، إن مات في النهار، ولا النهار إن مات في الليل، إلاَّ إذا شُك في موته، فيُنتظر حتى اليقين"(7). حيث شكا الإمام أبو إبراهيم الكاظم عليه السلام من دفن كثير من الناس أحياءاً بمكة في سنة كانت كثيرة الصواعق(8). ورُوي عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قوله: "يا معشر الناس! لا أُلْفِينَّ رجلاً مات له ميتٌ ليلاً، فانتظر به الصبح، ولا رجلاً مات له ميتٌ نهاراً، فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجِّلوا بهم إلى مضاجعهم، يرحمكم اللَّه" فقال الناس: وأنت يا رسول اللَّه، يرحمك اللَّه(9).
(1) وسائل الشيعة، ج2، ص657.
(2) المصدر نفسه، ص658.
(3) المصدر نفسه.
(4) بحار الأنوار، ج78، ص238.
(5) العروة الوثقى، ج1، ص376.
(6) وسائل الشيعة، ج2، ص910.
(7) العروة الوثقى، ج1، ص375.
(8) وسائل الشيعة، ج2، ص677.
(9) المصدر نفسه، ص675.