هناء نور الدين
لقد ارتقى الإمام الخميني قدس سره في مستوى خطابه للمرأة ورفعها إلى أعلى مصاف الإنسانية... وقدَّمها في رتبة الصالحين والقادة السياسيين الذين خططوا طوال العقود وما زالوا لمستقبل الأمم والشعوب وإدارة مصالحها... ونزَّهها وكرَّمها أفضل ما يكون التنزيه والتكريم... وأعانها وحذرها بأسلوبه البليغ الذي صاغت حروفه عمق شخصيته وبُعد معرفته المتأصلة والمتجذرة... ونهاها عن الانحراف والاستماع إلى الدسائس والمؤامرات التي يحوكها أعداء الإسلام والإنسانية لطمس هوية الإسلام وخصوصاً تلك المكانة الراقية التي منحها الإسلام للمرأة من أجل إبعادها عن دورها الرئيسي في الحياة وعن ساحة القدسية والطهارة والقذف بها إلى مهاوي الرذيلة والسوء والفساد...
* ظلم المرأة تحت شعارات واهية
عمد الاستكبار العالمي إلى إفساد المرأة وإبعادها عن أغلى واجباتها، مستعملاً الأبواق الإعلامية، بكل ما تزخر به من ضلال ومغريات وضياع القيم والعفاف ومسؤولية تربية الأجيال ورعاية الأبناء. وفي ذلك يقول الإمام قدس سره: "... كانت المرأة مظلومة في فترتين، ففي الجاهلية لحقها ظلم كثير قبل أن يمنَّ الإسلام على الإنسان وينقذ المرأة من الظلم الذي كانت تعانيه في الجاهلية، حيث كان التعامل معها لا يختلف عن التعامل مع الحيوانات... وفي بلادنا ظُلمت المرأة ثانية في هذا العصر إذ ظلموا المرأة تحت شعار المطالبة بتحريرها. لقد ألحقوا بالمرأة ظلماً فادحاً، جرَّدوها من عزِّها وشرفها. حوَّلوها إلى سلعة بعد تلك المكانة المعنوية التي كانت تنعم بها..." ونستشف من كلام الإمام قدس سره الظلم الذي تعانيه المرأة في واقعنا الحاضر حيث استخدمت أداة ووسيلة لتحقيق أهداف القوى الشيطانية...
* المكانة الحقيقية للمرأة:
لقد حفظ الإسلام للمرأة جانباً مهماً في دائرة الحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مغايراً تماماً لما يذاع على ألسنة المنادين بشعارات حقوق المرأة، والذين فهموا منها أن تنزل المرأة إلى الشارع وتسابق الرجال في ميادين أعمالهم متخلية بذلك عن واجباتها الأسرية والزوجية والرعائية. فالموقع الذي أعطاه الإسلام للمرأة، والمكانة العظيمة التي بوَّأها هي أعظم بكثير مما أعطاه للرجل وخصَّها بكرامة تربية الأجيال وصناعة الرجال التي هي مسؤولية كبيرة وعظيمة لا يستطيع الرجل أن يتحملها وفي هذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "القرآن الكريم يصنع الإنسان والمرأة تصنع الإنسان... المرأة مربية البشر". ولم يمنعها الإسلام أبداً من العمل والانخراط في الميادين الاجتماعية والثقافية والسياسية والتواجد في المحافل الأدبية والاهتمام بالشأن العام وغير ذلك... ولكن ضمن حدود مراعاة جانب العفّة والحجاب وأن تخرج إلى المجتمع بإطارها الإنساني لا الأنثوي... وفي هذا يقول الإمام قدس سره: "الإسلام يؤهل المرأة لأن يكون لها دور في جميع الأمور، تماماً كالرجل، وكما ينبغي للرجل أن يتجنب الفساد فكذلك المرأة مطالبة به ولا ينبغي أن تكون النساء ألعوبة بأيدي الشباب التافهين، بل ينبغي للمرأة أن لا تحط من مكانتها ومنزلتها، وتخرج متبرجة... لتطاردها أنظار الفاسدين". إن رؤية الإمام للمرأة هي رؤية الإسلام والقرآن وسيرة المعصومين صلى الله عنه . لكن هذه الحقيقة الناصعة.. طمست معالمها... وخنقت أنوارها... إلى أن أتى الإمام وجلاَّها وأبطل زيغ المنافقين.
* دعوى إلى العلم والتقوى
يؤكد الإمام قدس سره مبدأ الإسلام الذي دعا المرأة إلى أن تتكامل، وأن تسمو بفكرها، وترتفع عن صَغار وحطام الدنيا... وأن تنظر بعين إلهية حتى تصل إلى تهذيب ذاتها وهذا مطلب ليس باليسير تحقيقه بل بحاجة إلى صبر وثبات وقوة إرادة ويقين باللّه عز وجل... فمتى ما هذَّبت ذاتها واستحقت هذا اللقب استطاعت أن تهذِّب وتربي أولادها وتعلم مجتمعها وأمكنها أن تحلق في سماء الطهر والعفاف وهذا لا يأتي إلا بالإيمان والتقوى والتحلي بالعلم النافع والتأسي بسيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، لذلك يخاطب الإمام قدس سره النساء قائلاً لهنَّ: "واجهدن في كسب العلم والتقوى. فالعلم لا يقتصر على أحد، بل هو ملك الجميع والتقوى ملك الجميع، ومن واجبنا جميعاً أن نسعى لطلب العلم والتقوى".
* الجمال في إنسانية المرأة
يشير الإمام قدس سره إلى أدوات الفساد والتبرج التي تستغل في الحرام والتي تستوردها المرأة من الغرب لإبراز أنوثتها وجمالها وصرف اهتمامها إلى هذا الحيز فقط من حياتها يقول الإمام: "... ما دام الشغل الشاغل لهؤلاء النسوة الزي الفلاني والماكياج الكذائي والموضة القادمة من الغرب... ما لم تتخلي عن هذا التقليد الأعمى فليس بإمكانك أن تكوني إنساناً، ولن تحققي استقلالك". وصدق الإمام حين قال إن لم تتخلَّ المرأة المسلمة عن تقليدها للغرب في الأشياء المحرمة التي لا تنتمي إلى القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية فلن تكون إنساناً لأن قيمة الإنسان بعقله وفكره وما يقدمه للبشرية من عطاءات وخدمات، لا بتبعيته وتقليده وخضوعه.
* دور المرأة في التربية
كثيراً ما يؤكد الإمام في خطابه للمرأة على مبدأ التربية والتعليم لأنهما يرفدان المجتمع بأفراد وعناصر صالحين ولأجل هذا أرسل اللّه تعالى الأنبياء والرسل، وقرن الإسلام دور المرأة بدور النبي، فالنبي يربي المجتمع الكبير والمرأة تتولى القيام بتربية المجتمع الصغير الذي هو أسرتها وأفراد عائلتها والتي تتأثر بطبيعة الغذاء الروحي الذي تقدمه لأطفالها وهذا الغذاء عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ والعادات السامية التي بها تستقيم النفوس وترتقي لذلك خصَّ الإمام قدس سره خطابه إلى الأمهات قائلاً: "إن نفوس الأطفال تتأثر بالتربية سريعاً، تتقبل الحسن والقبيح بقوة، وأنتن المسؤول الأول عن أفعال الأطفال وتصرفاتهم، إنهم يترعرعون في أحضانكن... إن طفلاً واحداً يتربى في أحضانكن من الممكن أن يسعد شعباً كاملاً... أما لو كانت تربيته سيئة فقد يفسد مجتمعاً لا سمح اللّه". إن الإمام بكلماته يصور واقع المجتمع الذي نعيش فيه، فكم من الأطفال الذين تربوا في أحضان نساء صالحات قادوا البشرية نحو الهداية والصلاح بعلمهم وإيمانهم... والعكس كذلك! فكم من القادة وزعماء السوء قادوا البشرية نحو الحروب والهلاك! فمن المسؤول عن ذلك؟... أوليست تلك التربية المبنية على الطمع والجشع والأنانية؟... لذلك يخاطب الإمام قدس سره النساء في جميع أنحاء العالم إلى أن يرجعن إلى القدوة الإلهية التي هي للنساء والرجال معاً كي يقتدين بها... ويستضئن بنور علمها المبارك... وأن يتصفحن التاريخ جيداً في سيرة السيدة الزهراء عليها السلام التي كانت مثالاً للتربية ومناراً للتعليم والتي خرّجت من حضنها أئمة الهدى على امتداد البشرية، يقول في حقها الإمام قدس سره: "امرأة ربَّت في حجرة صغيرة وبيت متواضع، أشخاصاً يشع نورهم من بسيطة التراب إلى الجانب الآخر من عالم الأفلاك ومن عالم الملك إلى الملكوت الأعلى، صلوات اللّه وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التي تبوَّأت مركز إشعاع نور العظمة الإلهية، ودار تربية خيرة ولد آدم". أمَّا لماذا ركز الإمام قدس سره على الرجوع لسيرة الزهراء عليها السلام والاقتداء بها... فلأنها عليها السلام جسَّدت الإسلام بكل معانيه واكتسبت من نور العظمة الإلهية مبادئ الحق.
* المرأة في الجهاد السياسي:
إن مسؤولية المرأة في مجال الأخذ بمبادئ الجهاد والدفاع عن الإسلام والتحدِّي السياسي والحضاري لقوى الشرق والغرب تقع في الدرجة الأولى، فهي قطب الرحى وتقع على عاتقها أدوار جليلة وعظيمة ويرفع الإمام من قدرها لما قدمته من خدمات تنحني لها الأجيال حيث شاركت في إيران وبشكل كبير في المظاهرات والاعتصامات وأعلنت موقفها برفض التبعية والاستغلال وانخرطت في الحياة السياسية وساهمت في الانتصار العظيم الذي حققته الثورة الإسلامية، يقول الإمام في هذا الصدد: "لو لم تكن هؤلاء النسوة لما كنَّا خطونا خطوة واحدة... هؤلاء هم الذين يدفعونني لأن أخطو إلى الإمام...". كيف نستفيد من خطاب الإمام قدس سره؟ نلاحظ أن الإمام قدس سره وجه خطابه إلى جميع الشرائح الاجتماعية.. ليس على مستوى إيران فحسب بل إلى جميع الشعوب والدول والقادة والزعماء والرؤساء والسياسيين... ولم ينس المرأة بل اعتنى بها، ورفع من شأنها، كي يرفع الظلم الذي لحق بها وانتشلها من جديد فبيّن ما لها من حقوق وعليها من واجبات وهو إذ يتحدث عن النساء (الزوجة، الأم، المرأة، المربية، العاملة...) يبين خطورة أدوارهنَّ، والمهام العظيمة التي أولاهن اللّه إياها إذا نفذن وصايا الإسلام على أكمل وجه.