حسن زعرور
أصحيح ما أسمع؟ لمَ لا تجيب؟ ما لك تشيح بوجهك؟ هل صحيح ما قيل لي؟ أجبني، أبعد هذا العمر وهذه الشيبة وفقد أخيك وأبيك تجازيني وترحل؟ وإلى أين؟ كندا، آخر ماعمَّر اللَّه أهذا أجري؟
- أمّه سآخذك معي.
- تأخذني؟ من قال أنني أريد الذهاب، سألتني؟ أم أنه قرارك تفرضه، لمَ لا تجيب؟
- أمّه لم أعد طفلاً.
- لا تجادل معي، أظننت الرجولة بكبر الجثة وعقفة الشارب؟ وتتركني وتترك أرزاق أبيك، لمن؟ هل سيعود أبوك من قبره؟ أم تظن أن امرأة عجوزاً مثلي بقيت لديها قدرة على العمل؟
- نبيعها يا أماه.
-اخرس، إياك أن تعيد هذه الكلمة، هل سمعت؟ يا إلهي نبيع الأرض، لأجل من مات أبوك وأخوك، لسواد عينيك؟ تريد أن تذلهما في القبر؟
إهدئي يا أمي، ألا ترين؟ لم أعد أحتمل، كل يوم موت وخراب، لمَ لا نكون مثل غيرنا من البشر؟ ألا ترين الرعب في أعين أولادي، يرتجفون من الخوف لأقل صوت، لغلق باب، لطرقة عالية، انظري، أليس من حقهم أن يحييوا؟ لماذا نظل نحن ونحن فقط مسؤولين عما حصل ويحصل؟ لماذا يجب على أطفالنا وحدهم أن يموتوا؟ ملايين العرب والمسلمين يعيشون برفاهية ونحن وحدنا علينا أن نموت، أن نيأس، أن نُذلَّ، أما هم فتلك ليست مسؤوليتهم! أهؤلاء هم إخوتنا؟ بماذا؟ بسفارات اليهود في قلب عواصمهم كيف؟
يعذبني أطفالي يا أمّه يامّه يحزنني أنني أنجبتهم في هذا الزمن، للعذاب والقهر والخوف، جنيت عليهم، لذلك قررت الرحيل إلى كندا، أريد أن أنام دون كوابيس، دون رصاص، دون رعب، دون قلق، لا أقوم كل عدة دقائق خائفاً على أولادي. تلوم العرب والمسلمين، هذه (الطابونة) من تلك العجنة، هم يهربون من عجزهم وأنت تهرب إلى عجزك، أنت ابن فلسطين هم إخوتها، والابن أولى بأمه، أنظر حولك، يجمعون اليهود من كل الأرض، ونحن نفرِّق الفلسطينيين في كل الأرض، كم ولداً لديك: ثلاثة، لِمَ لا يكونون عشرة؟
عشرة أطفال في كل بيت، لتأخذ فلسطين واحداً واثنين وثلاثة. لك في الباقين مودة، الحرب يومان يوم لك ويوم عليك، الدم يا ولدي يطهّر الأرض، دم الشهادة يزكيها يحررها، هل رأيت أمة استعادت أرضها بالاستجداء أنهرب إلى أرض جديدة وهذه أرضنا بأمر اللَّه الواحد القهار وليس بأمر يهوه؟ إنْ هربْنا نجعل من إرادة يهوه فوق إرادة اللَّه الذي نعبد، أليس إيماننا هكذا بني؟ أليس هو ديننا كرامتنا، أمتنا، أرضنا؟ أنسيت ما حصل بلبنان، كم شهيداً كم جريحاً قبل خروج اليهود منه؟ ألم يكن لهم أمهات تبكيهم، أو آباء يحملون همهم كما تحمل هم أولادك، ومع ذلك ضحّوا، وصبروا، وقاتلوا، لم ييأسوا، هل تظن أنهم دون قلب ومشاعر ولم يألموا لفقد أولادهم؟
ألا ترى هناك اليتامى والأرامل والثكالى؟ كل أبٍ يا بني هو أب ينجرح فؤاده. وبدل الدم يخرج الإيمان الواثق باللَّه يشد العزيمة، الإيمان باللَّه يصنع المعجزات، والشوق إلى اللَّه هو الطريق الوحيد إلى فلسطين، قم يا بني عافاك اللَّه مَن لفلسطين إلا نحن؟