مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبات في شهر رمضان المبارك

الشيخ أحمد خشّاب‏

 



شهر رمضان موسم عبادة ورحمة دعينا فيه إلى ضيافة اللَّه إلا أنه أيضاً شهر المناسبات الكبرى التي تشكِّل أعظم مدرسة ثقافية، فمن نزول القران في ليلة القدر إلى فتح مكة إلى ولادة الإمام الحسن عليه السلام إلى معركة بدر إلى شهادة الأمير عليه السلام ووفاة خديجة وأبي طالب. ولكل واحدة من هذه المناسبات دروسها العظيمة والجليلة التي من الحري بالإنسان أن يعمل على الاستفادة منها وإحيائها "ومن يعظم شعائر اللَّه فإنها من تقوى القلوب".

* 15 رمضان ولادة الإمام الحسن عليه السلام
"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" روي عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وجابر بن عبد اللَّه وسفيان الثوري أن البحرين علي وفاطمة عليها السلام بينهما برزخ محمدا يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما(*). ولد الحسن عليه السلام في الخامس عشر من أيام شهر رمضان وزُفَّت البشرى إلى المصطفى صلى الله عليه وآله فذهب إلى بيت الزهراء عليها السلام. قُدِّم إليه الوليد المبارك، حمله بين يديه، ضمه لصدره، أذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ليكون صوت الحق أول صوت يطرق سمعه. التفت النبي صلى الله عليه وآله لعلي وقال: ماذا سميته؟ فجاء الجواب ما كنت لأسبقك بذلك، ويقول النبي ما كنت لأسبق ربي فنزل جبرائيل يبلغه أن اللَّه سماه شبر باسم ابن هارون، قال: وبالعربية؟ قال: الحسن. ولم يكن هذا الاسم معروفاً. وحين أطل اليوم السابع من ميلاده المجيد عمد النبي إلى كبش فعقه عنه وحلق رأس الوليد وتصدق بزنة شعره فضة. فغدا ذلك سنة عند المسلمين. روى مسلم والبخاري عن البراء قال رأيت رسول اللَّه والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه. ثم إن المتتبع لحياة الحسن عليه السلام يرى أن بصمات الوحي والإعداد الإلهي صارا طابعاً مميزاً لشخصيته في شتى الملامح حتى صار إماماً. روي أنه وهو ابن سبع سنين كان يحضر في مجلس جده ويسمع الوحي فيحفظه ثم يأتي إلى أمه الزهراء عليها السلام فيلقي إليها ما حفظه فكلما دخل عليها علي عليه السلام وجد عندها علماً فسألها قالت من ولدك الحسن. ومن نماذج أخلاقه أنه مر على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها من الطريق وهم يأكلون منها فدعوه لمشاركتهم في أكلها فأجاب دعوتهم قائلاً أن اللَّه لا يحب المتكبرين ولما فرغ من مشاركتهم دعاهم لضيافته. وروي أنه وجد شاة له قد كسرت رجلها فقال لغلام له من فعل هذا؟ قال: أنا قال عليه السلام لِمَ ذاك؟ قال لأجلب لك الهم والغم فتبسم الإمام عليه السلام وقال له لأسرّك فأعتقه وأجزل له العطاء. وأما دوره في الحياة الإسلامية ففي عهد أبيه عليه السلام كان خاضعاً له قدوة وإماماً لا كابن بار فقط بل كجندي مطيع مدرك لمسؤوليته فهو المختار لشحذ همم أهل الكوفة لدعم الموقف الإسلامي المتمثل بعلي في مواجهة تمرد أصحاب الجمل وبغاة أهل الشام.

وبعد مهزلة التحكيم واضطراب معسكر الإمام علي عليه السلام وتصدعه كان لا بد للإمام علي عليه السلام أن يجلي حقيقة الموقف وفساد التحكيم فأُسنِدت المهمة للحسن عليه السلام فوضع النقاط على الحروف. وقد اشترك عليه السلام في جميع حروب والده. وعلى أثر تعرض الأمير للاعتداء الأثيم أوصى الإمام إلى الحسن ودفع إليه الكتب والسلاح تأكيداً لخلافته وإمامته وفي مسجد الكوفة بويع بالخلافة من أهلها. وصل الخبر إلى معاوية فابتدأ بالدسائس. وتفاقم الوضع وأُعلنت الحرب بين الطرفين وحرك معاوية جيشه نحو العراق فدعا الإمام الأمة إلى التجهز للحرب فكانت خيبة الأمل بانكشاف واقع الجماهير الفاقدة لحيويتها والمؤثرة للعافية. وعملت أموال معاوية على إغراء قائد جيشه عبيد اللَّه بن عباس وزعماء القبائل حتى أخذت الدسائس والإشاعات مجالها في الجيش ... فجاء الصلح ليعز المؤمنين ويحافظ عليهم وقد مارس الإمام دوره من المدينة بعد ذلك إلى سنة خمسين للهجرة حيث دُس له السم من قبل زوجته جعدة بنت الأشعث بعد أن وعدها معاوية بأن يزوجها من يزيد ويعطيها الأموال. (ء) تفسير مجمع البيان، ج‏5، ص‏201، الدر المنثور، ابن مردويه.

* 17 رمضان معركة بدر الكبرى أول انتصار للإسلام‏
"ولقد نصركم اللَّه ببدر وأنتم أذلَّة فاتقوا اللَّه لعلكم تشكرون"

في السنة الثانية للهجرة في السابع عشر من شهر رمضان كان أول انتصار للإسلام في معركة بدر بعد زمن طويل من الأذى والصبر والعزلة. ولقد أسس هذا الانتصار لسلسلة من الانتصارات في شبه الجزيرة العربية وخارجها. فقد علم النبي صلى الله عليه وآله أن قافلة كبيرة لقريش قادمة من الشام يقودها أبو سفيان فأرسل عيناً لإخباره عن سير تلك القافلة ورجالها وعندما وصل الخبر بحجمها بادر النبي صلى الله عليه وآله بلا تردد قائلاً لأصحابه "هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل اللَّه ينفلكموها"، فأموال المسلمين المهاجرين إلى المدينة كانت قد صودرت في مكة على أيدي قريش فكان لا بد من فرض حصار اقتصادي على قريش لعلم النبي صلى الله عليه وآله أنها تعتمد على التجارة في دعم مركزها ونفوذها بين القبائل. ومن ثم خرج بعض المسلمين وعددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بقيادتها لمهاجمة القافلة من دون أن يأخذوا أهبتهم الكاملة من السلاح والعتاد. تسرب الأمر إلى أبي سفيان فغيَّر مسار القافلة صوب الساحل وأرسل على جناح السرعة ضمضم بن عمرو الغفاري ليستنفر قريشاً التي بادرت لحماية قافلتها بجيش يفوق المسلمين بثلاثة أضعاف. أفلت أبو سفيان من قبضة المسلمين وأوصل خبر نجاة القافلة إلى قريش لكنها أبت إلا النزول في بدر لتُعلم العرب الذين ينتمون إليها أن الكلمة كلمتها وأن الصحراء ستظل موطن أقدامها بعد أن حققت سرايا المسلمين للدولة الجديدة في المدينة نصراً عسكرياً وإعلامياً ونفسياً. تحرك النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه مستخلفاً على المدينة أبا لبابة ومقيماً عمرواً بن أم مكتوم إماماً على الصلاة وأعطى رايته المسماة بالعقاب لعلي عليه السلام ووزع السبعين بعيراً التي مع المسلمين على أصحابه يتناوب كل ثلاثة على واحد. أدرك النبي صلى الله عليه وآله أن الهدف القريب "القافلة" قد ضاع والمسألة أصبحت إقبال قريش ولا مناص عن خوض معركة رغم قلة السلاح ونقص الاستعداد وإن لم يتصد في أول تحد حاسم فإن نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة.

بكلمة القائد أراد النبي صلى الله عليه وآله اختبار عزيمة أصحابه وقراءة نفوسهم فأكد غالبيتهم على الوقوف إلى جانبه فهذا المقداد يقول يا رسول اللَّه امض لما أراك اللَّه فنحن معك واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون لكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون... وهكذا تكلم سعد بن معاذ عن الأنصار. لقد قرر المؤمنون الصابرون على قلتهم خوض المعركة بقلوب ملؤها الثقة بالنصر والإيمان. التقى الجمعان ببدر وقد وعد اللَّه النبي إحدى الطائفتين (النصر أو القافلة) وكانت المعركة يوم الجمعة، وقدّم النبي صلى الله عليه وآله أقرباءه ليكونوا أول من يباشر الحرب فنزل الحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وكان النصر للمسلمين. وخسر المشركون المعركة وسقط لهم سبعون قتيلاً ومثلهم أسرى واستشهد للمسلمين أربعة عشر شهيداً. وكان من نتائج هذا الانتصار تعزيز الدولة الإسلامية وازدياد تضامن الأنصار والمهاجرين وانفساح المجال لنشر الدعوة الإسلامية بقوة ومن الدروس المستوحاة من معركة بدر انتصار القلة على الكثرة والذي كان من أسبابه:

- القيادة الموحدة وشجاعتها فالرسول هو القائد العام الشجاع: "كنا إذا احمر البأس والتقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".
- طاعة المسلمين له ينفذون أوامره بحرص وأمانة وطيب خاطر.
- العقيدة الراسخة المتجلية بجواب المهاجرين والأنصار.
- عشق الشهادة وإخلاص النية فلا يريدون إلا إعلاء كلمة اللَّه.

* 20 رمضان فتح مكة
لقد صدق اللَّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً. قالوا إن اللَّه تعالى أرى نبيه صلى الله عليه وآله في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة في عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا مكة قال المنافقون ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام فأنزل اللَّه هذه الآية وأخبر أنه أرى رسولها الصدق في منامه لا الباطل وأنهم يدخلونه وأقسم على ذلك(*). من مركز القوة الذي أحرزه المسلمون بعد الخندق قرر النبي صلى الله عليه وآله مهادنة قريش والهدف من ذلك أمور: تجميد الصراع ضد قريش ليتمكن من نشر الدعوة في بقعة أوسع ومنها فصل قريش عن يهود خيبر حيث بلغه أن هناك محاولات للتنسيق بينهما. ومنها الإقرار أن مكة ومقدساتها ليست حكراً على قريش والمسلمون لا زالوا يحنّون إلى ديارهم. وكانت الرؤيا فابتدأ تنفيذ الخطة. تحرك في أشهر الحج وأشهر الحج محترمة عند العرب بحركة سلمية علنية: ثياب إحرام وأسلحة في أغمدتها والسير علني معروف الهدف والعدد ألف وخمسماية وكان الصد من قريش والبيعة من المسلمين ثم المفاوضات وتحقق الهدف فكان صلح الحديبية لمدة عشر سنوات. بعد سنتين في السنة الثامنة ازدادت قريش يقيناً وأدركت أن شروط الصلح لم تكن في صالحها ووجدت نفسها لوحدها في المعركة وستكون في يوم قريب وسط بحر إسلامي جارف. حتى الشرط الذي ظنته لصالحها وظنه بعض المسلمين إذلالاً لهم بإعطاء الحق لقريش في استرداد من يلحق بالمسلمين ويحجب هذا الحق عن المسلمين ألحق بقريش المتاعب فالهاربون من قبضة قريش التحقوا بالجبال مغيرين على قوافل مكة فألغت قريش هذا الشرط وثماني سنوات أخرى ستزيد من اختناقها وعزلتها. ففي شعبان اعتدت قبيلة بني بكر حليفة قريش على خزاعة حليفة الرسولا وداهمتها في ديارها بدعم تام من قريش رجالاً وسلاحاً وأوقعت العديد من القتلى. بعثت خزاعة عمرواً بن سالم إلى الرسول مستنجدة على الغادرين وعارضة تفاصيل العدوان. تأكد الأمر للنبي صلى الله عليه وآله فعزم على أمر لم يشأ أن يكشفه حرصاً على السرية فقريش قد نقضت العهد والصلح حقق أهدافه.

التفتت قريش إلى أنها غير قادرة اليوم على مواجهة قوة المسلمين. أرسلت أبا سفيان علّه يعيد الأمور إلى مجاريها كما كانت. رفض النبي صلى الله عليه وآله ما عرض عليه ولم تنفع الوساطات فعاد أبو سفيان إلى مكة وقد فشل مسعاه. بأمر من النبي صلى الله عليه وآله تهيأ المسلمون للحرب دون أن يعرفوا الوجهة والنبي صلى الله عليه وآله يطلب العون من اللَّه: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبعثها في بلادها. لقد قرر النبي استئصال رأس الوثنية واكتساحها وحرص على كتمان الأمر ليبقى عنصر المفاجأة حاسماً فلا تستطيع قريش مقاومة أو دفاعاً لتحقن الدماء. تحرك الجيش بشهر رمضان والقائد هو الرسول والعدد عشرة آلاف رجل وعميت الأخبار عن قريش. طوقت مكة وأمر الرسولا كل مسلم أن يوقد ناراً فتحول ليل الصحراء إلى نهار وانهارت حينئذ معنويات قريش وأدركت الأغلبية العظمى أنه لا جدوى من المقاومة فدخلت دورها ومسجدها وأغلقت أبوابها واستسلمت أمام الزحف. دخلت قوات المسلمين من جهاتها الأربع بأمر الرسولا تحسباً لأي طارئ مع حرص النبي صلى الله عليه وآله على أن لا تراق قطرة دم. فها هو يخلع سعد بن عبادة ويعطي الراية لعلي لأنه توعد قريشاً: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة. وينادي علي عليه السلام اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة. دخل النبي صلى الله عليه وآله مكة. وقف على باب الكعبة بعد أن طاف خطب يا معشر قريش ماذا تقولون وماذا تظنون أني فاعل بكم قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا أنتم الطلقاء. وتتهاوى الأصنام بهذا الإعلان ويكسب الرسولا القلوب وفتح النفوس على الإسلام فلم يكن على قريش أن تقبل بمصيرها الذي آلت إليه وهي سيدة العرب لو لم تعامل هذه المعاملة السلمية فتقبل على الإسلام طائعة وتحمل رايات الجهاد ويسقط في العشرين من شهر رمضان أقوى حصون المشركين بل عاصمتهم الأكثر تحجراً وتصدق الرؤيا .
(*) تفسير مجمع البيان، ج‏5، ص‏126.


* 21 رمضان أمير المؤمنين عليه السلام شهيد المحراب
يقول جورج جرادق: وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن علياً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره. وكتب شبلي الشميل كلمة تختصر حكاية الإمام وشخصيته: الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم يرَ لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً. ثلاث وستون عاماً حياة علي في هذه الدنيا من السنة العاشرة قبل البعثة إلى سنة أربعين للهجرة ليرتحل هذا العظيم في الواحد والعشرين من شهر رمضان على يد أخي عاقر ناقة ثمود أشقى الأولين والآخرين عبد الرحمن بن ملجم، خارجي جاهل من شرار الناس وممن رمى به الشيطان مراميه. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: انظر للجهل فقد اختاروا هذا التاريخ بادعائهم أن عملنا عبادة كبرى وسيكون الثواب أعظم لو أتينا به في ليلة القدر. قدم ابن ملجم الكوفة ينتظر الليلة الموعودة. يتعرف على فتاة خارجية قتل أبوها وأخوها في معركة النهروان. يعشقها ويتيم بها. يتقدم منها للزواج. توافق لكن بمهر عظيم ليس فوقه مهر. فكر مدة وأنشد هذين البيتين:
 

ولا مهر أغلى من علي وإن علا

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم‏

وقتل علي بالحسام المسمَّم‏


نعم هذا هو المهر وصدق أنه ليس في الدنيا مهر بهذا العلو. عند صلاة الفجر من يوم الجمعة كان الاغتيال بقي في جراحه يومين ثم كان الرحيل. تولى أبناؤه الحسن والحسين عليهما السلام وأبو الفضل ومحمد بن الحنفية وبعض خواص الشيعة الذين لا يتجاوزون الستة أو السبعة تجهيزه وتكفينه ودفنه سراً حتى لا تحصل الجرأة على بدنه في مكان قد عينه لهم دفن فيه بعض الأنبياء العظام. سأل الناس عن محل الدفن لم يرشدوهم. بعد حوالي مائة عام تقريباً سقطت دولة بني أمية وضعف الخوارج وكشف الإمام الصادق عليه السلام عن مرقده وأنه فيما تعرف الآن بالنجف خارج الكوفة "الغري". يصف جبران شهادة الأمير عليه السلام بقوله:

"مات علي بن أبي طالب شهيد عظمته مات والصلاة بين شفتيه قرّت وفي قلبه الشوق إلى ربه. مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلد ليس ببلدهم وإلى قوم ليسوا بقومهم في زمن ليس بزمنهم ولكن لربك شأناً في ذلك هو أعلم به". استشهد وآخر كلماته تشهد على حبه لأمته فكان من جملة وصيته: اللَّه اللَّه في جيرانكم. اللَّه اللَّه في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم قولوا للناس حسناً كما أمركم اللَّه ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتولى ذلك غيركم وتدعون فلا يستجاب لكم. عليكم بالتواضع والتباذل والتبارّ.

* ليلة القدر نزول الفرقان‏
"ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شي‏ء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"

من علامات هذا الشهر البارزة نزول الرسالات التي ربطت الإنسان باللَّه كما هو مروي عن إمامنا الصادق فلقد نزلت التوراة على موسى في ست مضين من شهر رمضان ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة مضت منه ونزل الزبور في ثماني عشرة مضت من شهر رمضان ثم كان فيه أعظم ليلةٍ ليلة القدر أعظم حدث في تاريخ الإنسان الذي ملأ أرجاء الكون بالهدى وهو نزول الفرقان "شهر رمضان الذي أنزل فيه القران"، "إنا أنزلناه في ليلة القدر". لقد قدم كل نبي معجزة على صدق دعواه فكان القران معجزة علمية خالدة لا نظير لها قدمت أقوى الأدلة على صدق نبوة نبينا محمدا حيث تحدّى بلغاء العصر على كثرتهم فانهزموا ولم يأتوا بسورة "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" وتجلى فيه الإعجاز الفكري بتنوع معارفه فاعتبر أساس التشريع ودستوراً فكرياً لتنظيم حياة الإنسان بكل جوانبها وميزاناً بين الحق والباطل. ولقداسته وأهميته استهدفه أعداء الإسلام منذ القدم بالتشكيك في مصدره وأنه من فعل النبي صلى الله عليه وآله وقد أشار اللَّه تعالى في كتابه إلى عمل هؤلاء في سورة الأنبياء "بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر" وفي سورة الدخان "ثم تولوا عنه وقالوا مُعلّم مجنون" وفي سورة الفرقان "وقال الذين كفروا إن هذا إلا أفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون". وفي سورة النحل "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" وغير ذلك من الآيات. قالوا عنه أنه شاعر وأنه معلَّم من رهبان الشام أو بحيرا الراهب وقالوا أنه كان يُعلّم من قين "عبد" حداد بمكة من أهل الروم يعمل السيوف وقالوا افتراه وغير ذلك. وما هذه إلا دعوات ضعيفة لا تقف أمام النقد وبإيجاز بيّن الجليل ضعفها فمن تقولون أنه يعلّم النبي صلى الله عليه وآله فهو بشر أعجمي وهذا القران عربي مبين وأما قولكم افتراه فالتحدي أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات بل فليأتوا بسورة مثله والعرب كانت قد بلغت من البلاغة والفصاحة مبلغاً عظيماً لم يذكره التاريخ لأمة ورغم ذلك لم تستطع أن تأتي بما يعارضه أو يناظره رغم التحدي وطول المدة.

ثم إن الجليل يبين أنه إن ظهر عجزكم فاعلموا أنه أنزل بعلم اللَّه. وبطريقة أخرى موضوعية يظهر اللَّه أن القران من عنده لا من عند النبي أو بشر فيقول "أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً". فالقران قرأه النبي على الناس قطعاً قطعاً في مدة ثلاث وعشرين سنة في أحوال مختلفة من الليل والنهار والحرب والسلم والحضر والسفر ولا يوجد فيه أدنى اختلاف في النظم ولم يقع في معارفه تضاد بل كان بعضه يبين بعضاً. وأما تعلمه من رهبان الشام فمن المعروف في التاريخ أن سفر النبي صلى الله عليه وآله إلى الشام كان مع عمه أبي طالب وكان السفر قبل سن البلوغ والسفر الآخر مع ميسرة مولى خديجة وكان عمر النبي صلى الله عليه وآله خمساً وعشرين عاماً وميسرة بقي ملازماً للنبي صلى الله عليه وآله. والقران يخالف التوراة والإنجيل في بعض الأحداث التاريخية فيذكرها بدقة، ففي قصة موسى التي كفلت موسى امرأة فرعون مع أن سفر الخروج يؤكد أنها ابنته ويذكر غيرة فرعون بشكل دقيق من مسألة نجاة البدن مع موته وهذا لا يوجد في غيره وقضية العجل عندهم أن هارون صنعه وفي قضية ولادة عيسى وغير ذلك مع ما يراه النبي صلى الله عليه وآلهخ وذكر في القران من بطلان وخطأ وجهة النظر اليهودية والنصرانية في قضايا كثيرة ويصفهم بالجهل والتحريف فالقران لم يكن يوماً من عند النبي صلى الله عليه وآله وهو طيلة أربعين عاماً من قبل البعثة لم يتكلم بشعر ولم يدع أحد أنه علمه أو النبي أنه من عنده. "وإذا تتلى عليه آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إئت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن اتبع إلا ما يوحى إليّ" .

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع