مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: انتشار الظلم والفساد مؤشر للفرج

الشيخ نعيم قاسم

 



تؤكد الروايات عن الرسول صلى الله عليه وآله وآل بيته عليهم السلام، على حصول فساد كبير، وانحراف خطير، مع اقتراب الزمان من آخره، وقرب ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه. ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثنا عن انقلاب المقاييس بين الحق والباطل: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر. فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟فقال: نعم وشر من ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف. فقيل له:يا رسول الله ويكون ذلك؟ فقال: نعم، وشر من ذلك، فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً"(1).

وقال صلى الله عليه وآله في حديث آخر عن تسلط الحكام الظلمة على رقاب العباد: " وإنَّ رحى الإسلام دائرة، وإنَّ الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار، وستكون عليك أئمة، إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم. فقيل: فكيف نصنع يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله:كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام، نُصبوا على الخشب(أي صلبوا)، ونُشروا بالمناشير، موتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية"(2). فإذا فسد السلطان في حكمه، وظلمَ الناس في أعمالهم وحقوقهم وممتلكاتهم، وضاعت البلاد بسبب الخيانة والفساد، وتمَّ تشجيع الانحراف بأشكاله المختلفة، وتسلَّط المستكبرون على المستضعفين، وانتشرت الحروب الطاغية على الأرض، فحلَّ الفساد على جميع المستويات، حتى وصل الأمر إلى حياة الناس الفردية والاجتماعية، فضاعت الحرمات، وزالت الحدود والضوابط، فهذا يعني أن البشرية تتجه نحو خرابها ودمارها. ومع مراقبتنا للتطورات الحاصلة في زماننا، نجد أن الانحراف والطغيان يزدادان بشكل كبير وسريع، وأن المحاولات حثيثة لجر العالم من خلال النظام العالمي الجديد والسيطرة الأمريكية إلى منظومة الثقافة المنحلة والمائعة، والسلوك المشين، وتعميم الرذائل، وهذا ما يوصل البشرية إلى أدنى وأحطِّ مستوياتها.

وبهذا نكون أمام ما نبَّهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله من انتشارٍ للفساد:"يأتي على الناس زمان همَّهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شرار الخلق، لا خَلاقَ لهم عند الله"(3). وسيشهد الواقع ارتفاع الحكم الإسلامي عن إدارة شؤون البلاد بشكل عام، ثم يضعف الارتباط بالحكم الإسلامي الأصيل، إلى أن يصل الأمر لترك الالتزام بالصلاة التي هي عمود الدين، عندها يكون المؤمنون الصادقون قلةً في هذا العالم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لتنقض عرى الإسلام عروة عروة، كلما نقضت عروة تشبَّت الناس بالتي تليها، فأولُّهن نقضُ الحكم، وآخرهُن الصلاة"(4). وسيكون مظهر المسلمين ضعيفاً، على الرغم من كثرتهم، وذلك بسبب انكبباهم على الدنيا، وعدم اهتمامهم بالسعي إلى الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها. قال الحاضرون في المجلس: يا رسول الله، أمِنْ قلةٍ بنا يومئذٍ؟  قال صلى الله عليه وآله:أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينزع المهابة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وآله:حب الدنيا، وكراهية الموت"(5). وهل يعني ذلك أن تنتهي البشرية إلى شقائها الأبدي؟ وهل يؤدي ذلك إلى إخماد صوت العدالة، وإلغاء مقولة الصلاح الإنساني؟  كلاَّ، فإن هذه التطورات المتلاحقة والسريعة نذير وصول الفساد إلى أقصى مداه، بحيث يتآكل وينحدر ويُصاب بانتكاسات كبيرة، وهذا ما يتأكد من خلال أمور عدة، أبرزها:

1- الهلاك الطبيعي للأمم الكافرة بأنبيائها، والشقية بأعمالها وأدائها، والعاصية لهية قائمة على سقوط الظالمين وخسرانهم في الدنيا قبل الآخرة.لربها، فالسنَّة الإ قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(6).

2-حفظُ الله تعالى لدين الإسلام كتاباً وحضوراً، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(7)، ولا يتوقف الحفظ على حفظ صورة الكتاب من خلال أبدية القرآن الكريم وحفظه من التحريف، بل يتعداه إلى حفظ مسيرة الإسلام لتعلو عبر التاريخ مع كل الصعوبات والعقبات، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(8). الهي بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه لينشر العدل ويحكم بدين الله على مستوى3- الوعد الإ الكرة الأرضية، ويكسر شوكة الكفر والانحراف، ويحطم طواغيت الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "كائنٌ في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وأنَّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه، ولا يبقى من القرآن إلاَّ رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارك وتعالى له بالخروج، فيُظهر الله الإسلام به، ويجدده، طوبى لمن أحبهم وتبعهم، والويل لمن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسك بهداهم"(9). فإذا راقبنا بدقة ما يجري على الساحة العالمية اليوم، نجد بروز الاتجاه الإيماني الذي بدأ بالانتشار على مستوى العالم الإسلامي، ببركة حركة الإمام الخميني قدس سره، الذي نهض بهذه الأمة وأعاد لها اعتبارها، وبسبب ما عاناه الناس من الأفكار المنحرفة والضالة ، والممارسات الخاطئة والظالمة، فكان ملجأهم دين الله تعالى، الذي يلائم فطرتهم، ويعيدهم إلى أصالتهم، ويشعرهم بإنسانيتهم، ويحقق لهم آمالهم، ويطمئنهم إلى آخرتهم. هنا نتذكَّر البشارة النبوية للمتمسكين بدين الله تعالى عند فساد البشرية، بأنهم غرباء، لكن طوبى لهم، وهنيئاً لصلاحهم إذا فسد الناس، وسيرجع الحق إلى أهله. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنَّ الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.  فقيل: ومن هم يا رسول الله؟  قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس"(10).  وفي رواية أخرى: "إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟  قال صلى الله عليه وآله: ثم يرجع الحق إلى أهله"(11). إنَّ انتشار الظلم والفساد مؤشر إلى نهايتهما، وكلما كان استعدادنا أكبر لنكون من جند الإمام المهدي عجل الله فرجه كلما عجَّلنا بظهوره الذي يؤدي إلى تحطيم الطغيان على مستوى البشرية جمعاء. ومع البلاء الكبير الذي يسببه الانحراف، يجب أن لا يثنينا أي شيء عن عزمنا للطاعة والجهاد والثبات والانتظار، فإنَّ الفرج قريب بإذن الله تعالى.
 


(1) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص: 177.
(2) المتقي الهندي، كنز العمال، ج1، ص: 216.
(3) المصدر نفسه، ج11، ص: 192.
(4) الشيخ الطوسي، الأمالي، ص: 186./الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج4، ص:92.
(5) مسند أحمد، ج5، ص: 278.
(6) سورة الإسراء، الآية: 16.
(7) سورة الحجر، الآية : 9.
(8) سورة آل عمران، الآية: 139.
(9) القندوزي، ينابيع المودة ، ج3، ص: 283.
(10) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج11، ص: 323.
(11) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص: 218.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع