نلا الزين
قالوا عن المرأة الكثير وعن المرأة الأم أكثر، فهي التي أوكل إليها مهمة صنع الرجال كما يقول الإمام الخميني قدس سره، والرجال هنا يقصد منها الأجيال التي ترفد المجتمع بأركانه وأعمدته ليبقى زاهراً معطاءً ومستمراً، وقيل أيضاً أن المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها، إشارة إلى الدور الكبير الذي تقوم به المرأة الأم على صعيد التربية والأمومة. وفي هذه المحطة نقف عند المرأة الأم وعلاقتها بابنتها نظراً لخصوصية العلاقة بين الأم والبنت، وما يحكمها من ظروف ونقاطٍ مشتركة بينهما. فكيف تُقرأ هذه العلاقة؟ وما هي العناصر اللازمة لإنجاحها؟ وما هي السلبيات التي تنجم عن سوء العلاقة بين الأم وابنتها في ظل وسائل الاتصال الحديثة التي يلجأ إليها الجيل الجديد للتعويض عن حاجاته العاطفية والفكرية وغيرها؟
* واقع العلاقة بين الأم وابنتها
بداية نقول أنَّ للمرأة في البيت إلى جانب مالها من أدوار أخرى دوراً أساسياً هو دور الأمومة، التربية والجهد، وهو رسالة بحد ذاتها تحملها الأم، ولها مراحل طويلة تكون فيها الأم هي المربية الحقيقية للأولاد من حين انعقاد النطفة وحتى مرحلة دخول الطفل المدرسة وما يليها من مراحل. ولقد أكد الإسلام كثيراً على دور الأم وعظمته، في تقوية عرى النظام العائلي. حيث أنه جاء في الحديث إن علّمتها علَّمت جيلاً كاملاً. أما بالنسبة إلى العلاقة التي نراها بين الأمهات وبناتهن فهي ليست واحدة بمنظار التقييم والتقويم، فهناك علاقة سليمة قائمة على أسس متينة تنعكس على مستقبل الفتاة إيجاباً ونجاحاً. وهناك علاقة يشوبها سوء الفهم وعدم الرضا وتظهر عليها معالم التوتر المتبادل والمشاكل اليومية لأتفه الأسباب، وعندما نقرأ الأسباب نجد أنها أي العلاقة لم تقم على أسس سليمة ووعي متبادل، ويقع العبء الأكبر منه على الأم التي لم تأخذ بالعناصر اللازمة لبناء علاقة قوية مع ابنتها، قائمة على الثقة المتبادلة والصراحة والحضن الدافئ.
* العناصر اللازمة لإنجاح العلاقة بين الأم وابنتها
لا بدَّ من معرفة حاجات الفتاة على أنواعها، وخصوصية المرحلة التي تمر بها، وإذا حاولنا الاقتراب من تحديد العمر نجده بين الثالثة عشرة والتاسعة عشرة، فهذا هو العمر الذي تنتقل فيه الفتاة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج والتكليف والبعض يطلق عليه (عمر المراهقة) فهناك حاجات متنوعة ناجمة عن التغيير الحاصل جسدياً ونفسياً عند الفتاة، ولا ننسى أنها بحاجة للعاطفة والأمان والصدر الواسع الذي يحتمل السؤال مهما كانت أجوبته كبيرة أو حرجة، وإلى القلب الدافئ الذي يتسع للخطأ أو لسوء التصرف من الفتاة. فهذه حاجات أساسية تحتاجها الفتاة في هذا العمر. وهناك مشاكل عديدة تتعرض لها الفتاة عند مفترق الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، ومن تغيير إلى تغيُّر، ومن العناصر الأساسية التي تبني علاقة متينة بين الأم وابنتها:
1- الاستماع والتعاطف الصادق:
من المعروف أنَّ الإنسان معرضٌ في حياته اليومية (نساءً ورجالاً) لكثير من الانفعالات السلبية أو الايجابية، هذه الانفعالات منها ما هو يسير، ويزول مع الوقت القصير، ومنها ما هو صعب ويحتاج لوقت طويل حتى يزول، وهنا يحتاج الواحد منَّا إلى من يستمع إليه ويتعاطف مع انفعالاته أو مشكلته، والفتاة بشكل خاص تحتاج إلى استماع وتعاطف من أقرب الناس إليها ألا وهي الأم لأنها تبوح لها بما لا يمكن أن تبوح به لأحد. ولكن وللأسف نجد أنَّ الفتاة في مجتمعنا عندما تعاني من مشكلة معينة، فهي لا تجد الشخص الذي تتحدث إليه داخل البيت، حتى ولو كان هذا الشخص هو الأم نفسها، لغياب الثقة والصراحة بينهما، فتلجأ للآخرين بحثاً عمن يستمع إليها، وهنا تصبح الأحاديث عما تعاني منه للغرباء هو البديل.
2- بناء جسر المحبة بين الأم وابنتها:
إنَّ اللَّه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأودع فيه أسراراً من أسمائه وصفاته العظيمة، فالرأفة والرحمة والحنان هي من صفاته تعالى ونجدها في المرأة التي أوكل اللَّه تعالى إليها مهمة الإنجاب ورسالية الأمومة وقداسة العاطفة لإيصال الأبناء إلى شاطئ الأمان ولولا الرأفة والرحمة والعاطفة لما كان ذلك ولما تحقق. لذا لا بدَّ للأم من الانتباه إلى حاجة ابنتها للحب، وقد تتنوع أشكاله وألوانه فهناك الحب من الوالدين والإخوة والأهل وهناك الحب الذي يأتي من شريك الحياة، وهنا ومن خلال جسر المحبة بين الأم وابنتها نجد أنَّ هذا الجسر هو معبر الأمان لأي حبٍّ يأتي في المستقبل وتكون الأم حاضرة غير غائبة لتساهم في التوجيه والتنقيح ومعرفة ما وراء الأمور الغائبة عن الفتاة.
3- معرفة بعض المشاكل الخاصة:
هناك بعض الحالات التي تمر بها الفتاة، تجعلها تمر بظروفٍ صحية أو نفسية غير عادية قد تصل إلى حالة من العزلة، من هذه الحالات مثلاً، العادة الشهرية التي يرافقها بعض الأوجاع والظروف الخاصة، وهي مسألة صحية، أو عند حدوث مشكلة ما، سواء على مستوى العائلة أو الحياة الخاصة بها وما شابه ذلك أو حتى على أبواب الارتباط الزوجي مثلاً. إن معرفة الظروف التي تمر بها الفتاة تفسح المجال أمام الأم للتعاطي الايجابي مع ابنتها ومساعدتها في تخطي بعض الحالات الصحية أو النفسية، ولكننا نجد أنَّ الأمهات في الأغلب الأعم لا يعرفن من مشاكل بناتهن إلاَّ القليل وهذا ينعكس سلباً على الفتاة.
* السلبيات الناجمة عن سوء العلاقة بين الأم وابنتها:
عندما تكون العلاقة بين الأم وابنتها غير سوية ولا تقوم على العناصر التي ذكرت، فإنَّ مشاكل عديدة سوف تتعرض لها الفتاة منها:
اللجوء إلى غرباء تظن أنَّهم متنفس لها والبديل عن الأم الحنون والأب الحنون أيضاً، ومن يستمع لها ويرشدها وقد يكون الشخص الذي تلجأ إليه الفتاة لا يمتلك مقومات الإرشاد أو النصيحة فتقع في متاهات لا تحمد عقباها، أو حتى قد تلجأ إلى وسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت عند هذا الجيل أماً وأباً وسيفاً ذا حدين. فقد تقع الفتاة فريسة أشخاص يصطادون في مثل هذه الحالات في الماء العكر، وهناك شباب وفتيات قد سقطوا في مدارك الفتنة والضياع لأنَّهم لم يعيشوا الأمان في أسرهم، ولم يتسلحوا بالوعي الكافي من قبل الأهل، ولم يقدموا على مصارحة الأهل ببعض مشاكلهم خوفاً أو كرهاً.
وفي الختام: لا بُدَّ أن تفتح الأم باباً واسعاً للحوار مع أبنائها وخصوصاً مع بناتها وتعطي هامشاً واسعاً من الحرية لهن وتبني في نفوسهن عناصر الثقة بها واللجوء إليها عند الكبيرة والصغيرة ولو قدمت الأم وقتها لابنتها كما تقدمه لعملها أو حتى لعمل المنزل، لما احتاجت الفتاة إلى أي شيء يفسد حياتها أو إلى أي مرشد ومستمع لا يرقى إلى منزلة الأم.