الشيخ خضر نور الدين
إن موضوع "الموضة" اليوم يحتل المرتبة الأهم عند الكثيرين من أبناء أمتنا، كما العالم. وهو الموضوع الذي تروج له وسائل الإعلام المختلفة في أكثر من مجال من خلال الإعلانات لصالح الشركات التجارية والتركيز على مظاهر مقدمي البرامج من الرجال والنساء، وكل ذلك تحت عناوين اللَّحاق بالحضارة الغربية الباهرة للأنظار على قاعدة أن كل ما في الغرب ناتج عن الرقي والتقدم العلمي. وتتسع دائرة الموضة لتشمل كل ما له علاقة بظاهر الإنسان رجلاً كان أو امرأة صغيراً كان أم كبيراً، تبدأ من شكل الشعر وقصته إلى لونه وتسريحته ومن اللِّباس شكله، ولونه و(موديله) لتصل إلى الأحذية بألوانها وأشكالها ونوعيتها. وقد تصل عند البعض إلى طريقة التكلم كاللَّعب بالألفاظ واللَّعب بنغم الصوت وخلط اللغة بالكلمات الأجنبية، إلى الرقص والجلوس والمشي و... وتتجاوز الإنسان نفسه لتتعداه إلى متعلقاته من مسكن وأثاث، إلى السيارة وغيرها. ومن خلال نظرة تأمل يمكن الإشارة إلى بعض آثارها السلبية بأمور منها:
* إبعاد الناس عن قضاياهم المهمة:
الاهتمام بالموضة يؤدي إلى إشغال الناس بها وهذا هو الهدف الذي يدفع بالأجهزة المعنية عند الدول الاستعمارية والأنظمة المتحكمة بالدول للترويج لها لإبعادهم عن الانشغال بالقضايا الحياتية على الصعد المختلفة من الأمور السياسية أو الفكرية إلى الأمور التربوية والثقافية والاجتماعية. فبدل تسليط الضوء على المشاكل التي يعانون منها ليندفعوا إلى التفكير بالخلاص والتغيير، يُعمل على إلهائهم وإشغالهم بقضايا تافهة تبعد اهتمامهم وتصرفهم عن القضايا المهمة. لتصبح الموضة الشغل الشاغل له. إفراغ جيوب الفقراء وتخريب اقتصاد الدول النامية: الجشع الرأسمالي عند الشركات وأصحاب الأموال يدفع باتجاه البحث عن سبل تدفع الناس للشراء والتخلي عن حاجياتهم لتبديلها على الرغم من بقاء الاستفادة منها تحت شعار اللَّحاق بالموضة. وهذا يؤدي إلى صرف الأموال عليها دون مراعاة للأحوال الاقتصادية التي يمر بها الإنسان الفقير أو المتوسط الحال. هذا على صعيد الفرد أما على صعيد المجتمع فإن الركض وراء الموضة يؤدي إلى إخراج مبلغ كبير من العملات الصعبة من داخل البلد لصالح الدول المستكبرة والمهيمنة على صناعة المنتوجات. وبالتالي تتأثر الدول النامية سلبياً لخروج قدر من العملات الصعبة دون فائدة فيتضرر الإنتاج القومي وتضعف الدورة المالية الداخلية فيها. وهذا يؤثر على الاستثمار الداخلي والنهوض بالنمو الاقتصادي فتبقى مجتمعاتنا تابعة اقتصادياً مع بقاء خلل كبير في العجز للموازنات السنوية مما يدفعها للاستدانة وبالتالي بقائها مرتهنة للسياسات الاستعمارية.
* خسارة المجتمع لطاقات بعض أبنائه:
إن بعض الشباب المندفع تجاه الموضة يغلب عليهم ذلك إلى حد الانصراف عن التحصيل والتعلم من خلال التلهي واللحاق بالصرعات. وهذا يؤدي إلى خسارة المجتمع للعديد من طاقات شبابه الذين يتركون الدراسة أو لا يهتمون بها كثيراً وهذا يؤدي أيضاً إلى قلة عديد الطلاب البارعين في علومهم والخريجين الذين يعوَّل عليهم كثيراً في عملية التغيير الاجتماعي السياسي. سلخ الإنسان عن ماضيه وتراثه: إن منطقتنا زاخرة بالحضارات القديمة فأبناؤنا ينتمون إلى أمة كانت في يوم من الأيام منارة للأمم، والأمة التي تمتلك هكذا تراث يمكنها الانطلاق بشكل أقوى وأسرع إن تخلصت من الموانع التي تقف في وجهها للنهوض فتأتي الموضة بصرعاتها المختلفة لتعمل من خلال توجيه دقيق من الأجهزة الغربية المعنية على سلخنا عن ماضينا وضياعه كيلا نمتلك مرتكزاً يمكن أن يساعدنا على الوقوف في وجه مشاريعه الاستعمارية. نعم إن اللحاق بالموضة يمكن أن يؤثر بعد فترة من الزمن بشكل موضوعي على ثوابتنا الدينية والعرفية والاجتماعية وعلى عاداتنا التي كان لها دور كبير في حفظ وحدة مجتمعنا وعلى قيمنا التي دفعت بنا إلى الأمام في يوم من الأيام... وبنظرة سريعة ومختصرة إلى اهتمامات الكثيرين من شبابنا اليوم يمكن أن نقول أن التدين، والقيم، والعادات، وحتى الوطنية، مسائل ليست فقط غير مهمة لهم بل هي باتت مرمىً لسهامهم ومحطة لحملاتهم وهذا ليس بالصدفة بل نتيجة جهد من قبل جهة ما تريد قتل كل ما عندنا ليسهل عليها السيطرة وبسط السلطة لنتحول إلى اتباع كما هو حال معظم أهلنا في عالمنا الإسلامي الكبير الرازح والمتلوّي تحت سياط الغرب وأعوانه.
* حط قدر المرأة وصرفها عن دورها الأساس:
تنال المرأة اهتماماً كبيراً من قِبل مروّجي الموضة لجعلها أداة إغراء يستفاد منها في حقل الترويج ذاته أولاً، ولدفع كل النساء للِّحاق بها ثانياً وقد طالت الموضة المرأة إلى حد كبير جعلها تبدو وكأنها خلقت لتكون لعبة بجسدها وملبسها. إنَّ هذا الأمر يخدم أكثر من غرض لدى أولئك العابثين في المجتمعات الإنسانية. فإضافة إلى ما ذكر آنفاً يمكننا أن نقول بما ركز عليه البعض "إذا أردت أن تفسد مجتمعاً ما اعمل على إفساد المرأة فيه" تفسد هي من ناحية وتؤدي إلى إفساد الشباب من ناحية أخرى وهذا يؤدي إلى الانحلال الخلقي والأخلاقي وبالتالي إلى التحلل الاجتماعي مع كل ما له من انعكاسات على المستويات الأخرى من سياسية أو تربوية أو ما شابهها. المرأة التي نعوِّل عليها لتكون الصانعة للأجيال والمربية لصانعي المستقبل هي المرأة التي يفترض بها أن تهتم بثقافتها وعلمها وشخصيتها والتي تهتم بتربية أبنائها بالتالي ليكونوا جنوداً أحراراً يدافعون عن مجتمعهم ويعملون على النهوض به على الصعد المختلفة، والمرأة نتيجة الاهتمام الزائد بالموضة تصبح أماً سطحية تبحث عن ملذاتها وشهواتها وتنتج أطفالاً لاهين غير مرتبطين بمجتمعهم بالشكل الذي يساعد على حفظه والنهوض به. وباختصار، تتحول المرأة إلى أداة للدعاية، وتحقيق الشهوات وآلةٍ للرذيلة وعنصر إفساد للمجتمع مع غياب مفهوم المرأة صانعة الأجيال.
* محاربة الموضة لا تلغي الاهتمام بالتجمل والترتيب
عندما نطالب بالعمل على وضع حد لعاصفة الموضة في بلادنا لا نقصد بذلك وضع حدِّ لاهتمامات الناس بأنفسهم وبحياتهم وما يتعلق بهم. حيث أن ذلك مهم لحفظ المظهر العام ولتأمين الراحة. لكن ليكن ذلك مضبوطاً ومدروساً على المستويات المختلفة. والموضوع له علاقة بالأولويات حيث نقول لتنصب الاهتمامات على القضايا العامة والكبرى ولنكتفي بما يحفظ هويتنا وتراثنا وأموالنا وبالتالي مستقبل أجيالنا وأمتنا وليكن الاهتمام بالموضة بشكل تراعى فيه الحاجيات بعيداً عن الصرعات ولنعمل على تشجيع صناعاتنا في هذا المجال مع حفظ القيم والعادات والهوية لحفظ إنساننا الضائع ولصناعة مستقبل له يتفاخر به على الأمم الأخرى ؟