نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح اللَّه‏: حذارِ من شَرَكِ الرياء

أيها العزيز، كن دقيقاً في أعمالك وحاسب نفسك في كل عمل، واستنطقها عن الدافع في الأعمال الخيرة، والأمور الشريفة. فما الذي يدفعها إلى السؤال عن مسائل صلاة الليل أو على ترديد الأذكار؟ هل تريد أن تتفهم أحكام صلاة الليل وتُعلمها قربة إلى اللَّه، أو تريد أن توحي إلى الناس بأنك من أهل صلاة الليل؟ لماذا تريد أن تخبر الناس بأي أسلوب كان عن الزيارة للمشاهد المشرفة وحتى عن عدد الزيارات؟ لماذا لا ترضى أن لا يطلع أحد على الصدقات التي تعطيها في الخفاء، وتحاول أن تتحدث عنها ليطّلع عليها الناس؟ إذا كان ذلك للَّه، وتريد أن يتأسى به الناس باعتبار أن "الدال على الخير كفاعله"، فإن إظهاره حسن، واشكر اللَّه على هذا الضمير النقي والقلب الطاهر!

* حذار من خداع النفس!
ولكن، ليكن الإنسان حذراً في المناظرة والجدال مع النفس، ولا ينخدع بمكرها، وإظهارها له العمل المرائي بصورة عمل مقدس. ويجب علينا أن نستعيذ باللَّه تعالى من شرِّ مكائد النفس، فإن مكائدها خفية جداً، ولكننا نعلم إجمالاً أن أعمالنا ليست خالصة للَّه، وإلاّ، فإذا كنا عباداً للَّه مخلصين، فلماذا تكون للشيطان علينا هذه السيطرة وبهذا القدر؟ مع أنه أعطى لربِّه عهداً أن ليس له سلطان على عباد اللَّه المخصلين، وأنه لا يمدّ يده إلى ساحتهم المقدسة. وإذا كنت مخلصاً فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك، مع أنك تعمل أربعين سنة قربة إلى اللَّه حسب تصورك؟ في حين أنه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "ما خَلُصَ عبد للَّه عز وجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"(1). إذاً؛ فاعلم أن أعمالنا غير خالصة للَّه، ولكننا لا ندري، وها هنا الداء الذي لا دواء له!

ويل لأهل الطاعة والعبادة والعلم والديانة الذين عندما يفتحون أبصارهم ويقيم سلطان الآخرة قدرته، يرون أنفسهم من أهل كبائر المعاصي، بل وأسوأ من أهل الكفر والشرك، بحيث إن صحيفة أعمالهم تكون أشد سواداً من صحائف الكفار والمشركين. الويل لمن يدخل بصلاته وطاعته جهنم، الويل لمن تكون صورة صدقته وزكاته وصلاته أبشع مما يمكن تصوره. أيها المسكين المرائي، أنت مشرك، وأما العاصي فموحد. إن اللَّه يرحم بفضله العاصي إن شاء، لكنه يقول إنه لن يرحم المشرك إذا رحل من الدنيا بدون توبة(2).

* لا مؤثر إلاّ اللَّه‏
فيا أيها العزيز؛ فكّر لتجد سبيلاً لنجاتك، واعلم أن الشهرة بين هؤلاء الناس وهمٌ باطل. إنها ليست بشي‏ء. إن قلوب هؤلاء التي لو أكلها عصفور لما شبع، إن هي إلاّ قلوب ضعيفة تافهة، ولا طاقة لها على شي‏ء، وإن هذا المخلوق الضعيف لا حول له ولا قوة. القوة هي قوة اللَّه المقدسة، فهو الفاعل المطلق ومسبب الأسباب. ولو اجتمع الناس جميعاً وكان بعضهم لبعض ظهيراً، لما استطاعوا أن يخلقوا ذبابة، وإذا سلبت منهم الذبابة شيئاً لما استطاعوا استرجاعه منها، كما جاء في الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (الحج: 73).

القوة للَّه تعالى وهو المؤثر في جميع الموجودات. أكتب على قلبك بمداد العقل مهما قاسيت في ذلك وعانيت أن: "لا مؤثر في الوجود إلاّ اللَّه"! أَدخل في قلبك بأية وسيلة كانت، التوحيد العملي وهو أول درجات التوحيد، واجعل قلبك مؤمناً ومسلماً، واختم على قلبك بهذه الكلمة المباركة بالختم الشريف "لا إله إلا اللَّه" واجعل صورة القلب صورة كلمة التوحيد، وأوصله إلى درجة "الإطمئنان"، وأفهمه أن الناس لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فاللَّه وحده هو النافع والضار. أزل هذا العمى عن عينك، وإلاّ فستكون ممن يقول: ﴿... رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (طه: 125)، وتحشر يوم كشف السرائر أعمى. واعلم أن إرادة اللَّه تعالى قاهرة لجميع الإرادات، وإذا اطمأن قلبك بهذه الكلمة المباركة وتسلّم لذّة العقيدة، فالأمل أن ينجز عملك، وتستأصل جذور الشرك والرياء والكفر والنفاق من قلبك.

وعلى أي حال؛ أطلب من اللَّه الرحيم في كل حين، وخصوصاً في الخلوات، وبتضرع وعجز وتذلل، أن يهديك بنور التوحيد، وأن ينوّر قلبك ببارقة غيب التوحيد في الإيمان والعبادة، حتى تعلم أن جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شي‏ء، واسأل الذات المقدسة بكل تضرع أن يجعل أعمالك خالصة وأن يهديك إلى طريق الخلوص والولاء.

* راقب وحاسب‏
بعد التذكير بهذه المطالب التي كنت تعرفها ولم تكن جديدة عليك، راقب قلبك وانتبه له، وأخضع أعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة، وفتش في خبايا قلبك، وحاسبه حساباً شديداً مثلما يحاسب شخص من أهل الدنيا شريكه، واترك كل عمل فيه شبهة الرياء والتملق ولو كان عملاً شريفاً جداً. وإذا رأيت أنك لا تستطيع أداء الواجبات بإخلاص في العلن، فأدّها في الخفاء مع أنه يستحب الإتيان بها في العلن. وقليل ما يتفق أن يقع الرياء في أصل الواجب، والأغلب أن يقع في الخصوصيات والمستحبات والإضافات، وعلى أية حال؛ طهّر قلبك من دنس الشرك بجد ومجاهدة شديدتين، لئلا تنتقل من هذا العالم لا سمح اللَّه وأنت بهذه الحال السيئة من دون أن يكون لك أمل بالنجاة أبداً، ويكون الحق المتعال غاضباً عليك.

وفي هذا الحديث الشريف احتمالان: الأول: هو ذلك الذي يظهر للناس الأعمال الصالحة ويخفي الأعمال القبيحة. والآخر: هو ذلك الذي يظهر للناس هيكل العمل وفي الباطن يقصد الرياء، وكلتا الصورتين يشملهما الرياء، لأن الإتيان بالواجبات والمستحبات، بغير قصد الرياء لا يستوجب الغضب، بل يمكن القول إن المعنى الثاني أفضل لأن التجاهر بالأعمال القبيحة أشد، وعلى كل حال؛ لا سمح اللَّه أن يكون مالك الملوك وأرحم الراحمين غاضباً على الإنسان "أعوذ باللَّه من غضب الحليم".


(1) بحار الأنوار، المجلد 70، ص‏242.
(2) إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع