غادة عيسى
لا شك في أن المرأة هي نصف المجتمع ولها كرامتها واحترامها كإنسان يعيش على ظهر هذا الكوكب. ولقد أعدّها اللَّه عزَّ وجلَّ بتكوينها وبجميع أجزائها لوظائف في الحياة، لن يستطيع أن يقوم بها أقوى الرجال. وبما أن الإسلام دين الحياة، فقد أولى المرأة اهتماماً كبيراً، وشملها برعايته وعطفه وحنانه، فوضع الأحكام الحكيمة والقوانين العادلة لمختلف جوانب حياتها الفردية والزوجية والعائلية والاجتماعية، وترك لها فرصة تمكنها من السمو والوصول إلى الدرجات العالية في الدنيا والآخرة. ويأتي قانون الحجاب في طليعة القوانين الشرعية التي قررها الإسلام وفرضها على المرأة، لضمان سعادتها والحفاظ على عزتها وكرامتها. ونستكشف أهمية الحجاب من الآيات القرآنية التي وردت فيه بصورة مكررة ومتعددة، ومن الآيات التي تناولت الحجاب قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب: 59).
﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: 53).
﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (الأحزاب: 32).
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ (الأحزاب: 33).
إن هذا التأكيد والتكرار والإصرار من اللَّه يدل على أهمية الحجاب وضرورته في حياة المرأة.
* الحجاب من الداخل
والحجاب في أساسه يبدأ من الداخل، من الأعماق العقلية والنفسية للمرأة، ثم يخرج إلى عالم الظاهر فيمثل الغطاء الذي تضعه المرأة على رأسها وباقي جسدها. وهكذا فإن للحجاب بعدين: بعد نفسي داخلي وبعد شكلي ظاهري. والحجاب الداخلي يتألف من مجموعة قواعد ومبادئ فكرية ونفسية يجب أن تتوفر في داخل كل امرأة محجبة، وإلا فإن حجابها يعتبر ناقصاً. ويمكن تلخيص هذه الأسس والقواعد بما يلي:
1 - إلزامية الحجاب: أي أن الحجاب تكليف وفرض إلهي، ليس للمرأة أن تعارضه أو تخالفه، ولا يجوز التعامل معه وكأنه عادة وتقليد اجتماعي متوارث، يكون سبب التزام المرأة به هو العادة التي درج عليها مجتمعها، وسبب عدم خلعه هو الخوف من نقد وذم المجتمع. ففي مثل هذه الحالة، ستتحرر المرأة من هذه العادة القديمة البالية فيما لو وجدت الشجاعة الكافية لذلك.
2 - وعي هدف الحجاب: يجب على المرأة أن تعلم أن تشريع الحجاب لم يأتِ عبثاً، فاللَّه عزَّ وجلَّ في كل تشريعاته أراد تحقيق مصلحة معينة للبشرية مراعياً الفطرة التي جُبل عليها الإنسان، فلم يكن التشريع في الإسلام إلا من أجل التوازن الذي يضمن لهذا الإنسان الاستمرار الصحيح في الحياة.
3 - وعي أبعاد الحجاب: فحجاب المرأة لا يعني أنه يحجب بينها وبين العقل والمعرفة، وهو لا يعني انعدام حريتها واستقلالها الفكري والاجتماعي، كما أنه لا يعني التقيّد والانزواء. وحجابها لا ينطلق من كونه مجرد غطاء للرأس، وإنما يمثل وعيها وإدارتها لمعالم رسالتها الإنسانية، ومعرفتها الكاملة لدورها الرسالي في مختلف شؤون الحياة. فالمرأة عندما تدرك هدف الحجاب والذي هو الحفاظ على إنسانيتها، فإن ذلك يساعدها على الالتزام الدقيق به. ولكننا نلاحظ أن قطاعاً كبيراً من المجتمع النسائي يتعامل مع الحجاب بصورة تكشف عن جهل كامل بهدفه.
4 - وعي القدوة الحسنة: لا يكفي أن تكون المرأة المسلمة محجبة، وتكون قدوتها الحقيقية شخصية سافرة غير محجبة! فمن أجل تكامل الوعي بالحجاب يجب أن ترى الفتاة والمرأة تلك الشخصية النسوية المتكاملة والمتحجبة التي تكون بمستوى القدوة المثالية التي تطمح المرأة للوصول لمستواها. لذلك نحن بحاجة لاستعادة ملامح القدوة من شخصية الزهراء عليها السلام وزينب عليها السلام وكل النساء العظيمات في تاريخ الإسلام. فالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تعتبر المرأة المثالية في الإسلام، والقدوة الصالحة لكل امرأة تبحث عن السعادة في الحياة، فهي سيدة نساء العالمين، وربيبة الوحي والتنزيل، وخريجة مدرسة النبوة والرسالة، وهي بلغت القمة الشاهقة في العظمة حتى قال عنها أبوها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إن اللَّه يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها. من هنا...، فإن على كل امرأة في العالم أن تتخذ هذه السيدة العظيمة قدوة لها في الحياة، وتستنير بنورها الزاهر.
5 - وعي ضرورة الحجاب: يجب على المرأة أن ترتقي بوعيها للضرورة القصوى والملحة للحجاب، وأن تعي كذلك الحجم الهائل لمخاطر التساهل والتسيب في الحجاب ومآسي السفور ومضاعفاته اللامحدودة. فإن السفور والتساهل في الحجاب يمثل البوابة الواسعة لكل الأمراض والمآسي الأخلاقية والاجتماعية. وبنظرة اجتماعية معمقة، سوف نجد أن انعدام الحجاب الإسلامي يؤدي إلى تفكك الأسرة المسلمة! وضعف العلاقات الزوجية بين الزوجين! وضعف الرغبة في الزواج لدى الفتيات والشباب! وبصورة عامة، يؤدي إلى انحراف المجتمع عن مساره الإسلامي الطبيعي.
* محاولة لهدم الحجاب الداخلي
إن المرأة التي تحمل في داخلها حجاباً قوياً متكاملاً وراسخاً، ستكون هي الرقيب على نفسها وستشعر بأن حجابها الداخلي جزء أصيل في كينونتها الإنسانية والربانية، لا يمكن أن تتنازل عنه مهما كانت الأسباب والظروف. أما إذا كانت المرأة لا تملك حجاباً داخلياً أو تملك حجاباً داخلياً ضعيفاً ومهزوزاً، فإن ذلك سيظهر بوضوح على سلوكها الاجتماعي، بحيث إن ضعف وهشاشة الحجاب الداخلي قد يظهر في تسيب اجتماعي أو علاقات غير شرعية! والحجاب الداخلي يحتاج لبناء وتشييد طويل ومتدرج، وعناية دقيقة ورعاية مبكرة ومستمرة، وتوعية وتثقيف عميق، ولا تكفي كما يتصور الكثيرون الفتاوى الشرعية بمفردها للقيام بهذا الدور الخطير، فالفتاوى الشرعية ترتبط أصلاً بالحجاب الظاهري.
كما أن هدم الحجاب الداخلي يكون خفياً ومتدرجاً ولا شعورياً، فتحتاج عملية اكتشافه لتحليل متأمل ووعي كبير. والأسرة بمفردها لا تستطيع القيام بأعباء بناء الحجاب الداخلي، فلا بد أن يتحول لمسؤولية المجتمع ككل، ولعل أخطر الضربات التي تدمر الحجاب الإسلامي هي تدمير وهدم الحجاب الداخلي في جانبي الروح والفكر. وإذا ما تحطم الحجاب الداخلي، فإنها ستكون البداية فقط للانفلات الأخلاقي والسلوكي الذي لن يتوقف عند أي حدود أخلاقية، فماذا نتوقع من فتاة تسمح لنفسها بالجلوس لساعات أو الكلام المتكرر مع شاب لا يربطها به عقد شرعي؟ وماذا يبقى لهذه الفتاة من معاني الاحتشام والعفة الداخلية؟ وماذا يبقى لها من أخلاقية الالتزام والانضباط الداخلي؟ إن مثل هذه العلاقات في ذاتها تهدم كيان الحجاب الداخلي للمرأة بصورة حتمية، خصوصاً إذا طالت وتكررت مثل هذه العلاقة وانتشرت في المجتمعات الإسلامية.
ولكن التساؤل المطروح هو أين دور المجتمع في حماية مقومات شخصيته الإسلامية؟ لماذا نجد ردة الفعل الاجتماعية تجاه التساهل في الحجاب مثلاً دائماً باردة وضعيفة؟ لماذا يعتبر المجتمع أن انحراف الفتاة في حجابها هو شأن يخصها؟ أوليست الفتاة جزء من الأسرة؟ والأسرة جزءً من المجتمع؟ نحن اليوم ربما لا يوجد بيننا دعاة للسفور وخلع الحجاب علناً، وربما كان الأمر أسهل لو حصل ذلك. إلا أن ما يتم هو محاولة هدم كامل للحجاب من الداخل واقتلاعه من الجذور العقلية والنفسية، وكل ذلك يتم من خلال شياطين السفور الذين يتسللون وينتشرون ويعملون ويخططون! فهل نكون نحن في غفلة وسبات عميق!؟
حارة حريك
زهراء القبيسي
2021-04-05 18:49:46
جميل و مهم