مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

"إسرائيل العظمى" السقوط في امتحان تموز 2006!

أمير مصطفى‏

 



حرب تموز 2006 هي واحدة من ضمن صراع لم ينته منذ 1948، لكنها تميزت عن غيرها من الحروب بأنها وضعت هذا الصراع أمام مفصلٍ تاريخي سيؤدي في المستقبل إلى تغيير الثوابت التي فرضت منذ أكثر من 50 عاماً، هذا التغيير الذي بدأت ملامحه تظهر في 25 أيار العام 2000 حيث سجلت أول هزيمة وأول إندحارٍ لإسرائيل عن أرضٍ عربية بفضل المقاومة، ما دفع كل مهتمٍ بالصراع في الشرق الأوسط لدراسة حالة هذه المقاومة. إلاَّ أن الواقع يفرض دراسة كل التحولات والتطورات التي أثرت على مسار الصراع بدءاً من حال الفرد إلى حال المجتمع لدى كلا الطرفين.

* واقع العالم العربي‏
قبل عام النكبة كان العالم العربي يعيش حالة من التخبط في الإنتماء والهوية العقائدية والفكرية، وهو في غالبيته لا يزال كذلك حتى عامنا هذا، ما جعل شخصية الإنسان العربي عرضة للتجاذب عند كل تحول أيديولوجي فكري في المنطقة. فمنذ أن دخل الإنسان العربي حلبة صراع الحضارات لم يتمكن من تقديم نفسه كمالكٍ لنظريات حضارية بل كان في الغالب متلقياً من الشرق أو من الغرب. ولعل أحد أهم أسباب هذا الأمر أن غالبية المفكرين العرب قد قرروا سلخ أنفسهم عن تاريخهم وتبنيهم لأيديولوجيات وعقائد وأفكارٍ شتى لا تتلاءم مع إنتمائهم العربي والإسلامي، ما جعلهم في مواجهة مجتمعاتهم من جهة وعرضة لتجاذبات وتحولات جديدة قد تطرأ على المنطقة العربية من جهة أخرى. في هذه الأثناء كان العامل الديني مغيباً إلى حدٍ ما ولا يجد طريقاً للعب دور في تحديد المصير السياسي وتحول إلى موضوع سجالي كبير تحت عنوان (الدين والدولة) واقتصر دوره على العامل التربوي والإجتماعي وإحياء المناسبات والأعياد وفي بعض الأحيان كان غطاءً للحاكم ليشرع توجهاته كيف ما مالت أهواؤه السياسية. أضف إلى ما سبق ما أنتجه الاستعمار في المنطقة العربية من أنظمة حاكمة وحكام تابعين، والفقر الذي يعتبر العدو الأول للإنسان في العالم وحالة الجهل والتخلف في ظل سباقٍ علمي محموم بين الشرقِ والغرب، كل هذا جعل الإنسان العربي إنساناً فاقداً للمقدس.

* قيام الدولة الغاصبة
في عام 1948 سقطت فلسطين كترجمة فعلية لحالة السقوط العربي على المستوى الاجتماعي والسياسي. سقطت بيد عدوٍ مدججٍ بعوامل عقائدية أججت لديه مشاعر الكراهية والحقد على مجتمعٍ مخترقٍ ومترهل وأثارت فيه الحماسة لتحقيق حلم الدولة الذي يشكل المقدس لديه. وبالرغم من أن اليهود جمعوا شتاتهم من أنحاء العالم ليصطنعوا لأنفسهم دولة فوق أرضٍ عربية إلاَّ أن ما سهل عليهم إعلان نصرهم هو أن حالة الهزيمة العربية سبقت إعلان الحرب. قيام هذه الدولة الغاصبة كان بمثابة باب جهنم الذي فُتح على شعوب المنطقة العربية، فهذه الدولة التي كان قيامها مرحلة من عملية احتلال جغرافي وسياسي وعقائدي واجتماعي واقتصادي للعالم العربي أباحت لنفسها كل محرم وداست كل القيم الإنسانية وارتكبت المجازر وسفكت الدماء بأبشع صور الإرهاب، وفرضت نفسها على شعوب هذه المنطقة وبدعمٍ فاضح من المجتمع الدولي كقدرٍ لا مفر منه.

استمرار هذه الدولة يحتم بناء مجتمع وبناء المجتمع يحتم وجود مناهج تربوية تنشئ الأجيال لخدمة هذه الدولة واستمرارها وبقاءها. والأساس الذي عملت هذه الدولة على تربية أجيالها عليه كان الحلم الذي أصبح حقيقة فوق أرض فلسطين. وبناءً عليه جمع اليهود شتاتهم من العالم وبنوا حاضرهم ومستقبلهم وسخروا لأجلهما المال والنفس، وإذا بهم بعد مرور أكثر من خمسة عقود أمام مروحةٍ من التساؤلات والشكوك بدأت تحدث تصدعاً في الثقة بجنة اللَّه على الأرض:

* لماذا يجب على كل يهودي على وجه الأرض أن يكون في حالة حربٍ دائمة مع المحيط الجغرافي لهذه الدولة ولماذا يجب أن يبقى ساكنو هذه الدولة في حالةِ قلقٍ دائم من هذا المحيط؟
* لماذا يجب على اليهود أن يدفعوا دماءهم ثمناً لجر المياه إلى (جنةٍ بلا ماء)؟
* هل أمَّن التمايز الطبقي والعرقي والطائفي لليهود استقراراً داخل مجتمعهم ودولتهم؟
* كيف يكون حَمَلة الجنسية الإسرائيلية من غير اليهود شركاء في مصير ومستقبل وعد التوراة؟
* ما معنى أن تكون الدولة الإسرائيلية الدولة الوحيدة في العالم التي يحمل أكثر من ثلثي سكانها الجنسية الإسرائيلية كجنسية ثانية؟

* خرافة الحلم المقدس‏
بدأ الإسرائيليون يستفيقون من الحلم ليجدوا أنفسهم أمام حقيقة مذلة: فهم أصبحوا جنوداً في أكبر تجمع عسكري أقامه الغرب وأوروبا لينوب مكانهم كبديل لاستعمارهم للمنطقة العربية وكرأس حربة يهدد بها الأميركيون والأوروبيون العالم العربي للحفاظ على مصالحهم والعمل على نهب ثروات هذه المنطقة ما جعل الإسرائيليين أدوات رخيصة يستعملها الغرب وأوروبا. بعد أن أصبح الحلم المقدس خرافة لا قيمة لها، أصبحت الضمانة التي يملكها الإسرائيليون لاستمرار دولتهم هي التفوق العسكري على محيطهم الذي يتهددهم، ومعاهدات السلام الموقعة مع بعض الأنظمة العربية. لكن هذا التفوق وهذه المعاهدات لم تجنب إسرائيل خطر المواجهة مع المارد الذي استيقظ في العام 1979 عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران معلنة دخول عنصر عقائدي صلب في مواجهة مشاريع الغزو الغربي والأوروبي بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية.

أسقطت الثورة شاه إيران معلنة انتهاء دور الشرطي الأميركي في الخليج العربي ومعلنةً أيضاً قيام معسكرٍ جديد بين المعسكرين الشرقي والغربي. وبالرغم من أن هذا المعسكر كان فتياً إلاّ أنه أثبت قدرته وصلابته في المواجهة: فبعد مضي ثماني سنوات من حربٍ ضروس كان القصد منها إسقاط الثورة في مهدها تمكنت هذه الثورة من لعب دورٍ أكبر في الصراع في منطقة الشرق الأوسط. فأحد أهم ثوابت وأهداف هذه الثورة كان الشعار الذي رفعه الإمام الخميني قدس سره بوجوب زوال إسرائيل من الوجود. وهي كانت بدأت بالعمل لتحقيق هذا الهدف منذ انتصارها ووصلت بأذرعها إلى الحدود الجغرافية لإسرائيل حيث أصبح العنصر الإسرائيلي اليوم فاقداً للمقدس في مواجهة عنصرٍ يمتلك في نفسه عقيدة لا تنهزم وإرادة صلبة قادرة على مواجهة أحدث وأقوى أسلحة الدمار والقتل. أصبح العنصر الإسرائيلي اليوم في مواجهة عدوٍ حقيقي غير مصطنع وغير مهزوم.

إسرائيل اليوم تشهد أفول نجمها فهي بعد تراجعها عن مشروع إسرائيل الكبرى سقطت في حرب تموز 2006 في امتحان إسرائيل العظمى وهي قبل حرب تموز لم تتمكن من الصمود في مواجهة المارد العقائدي في جنوب لبنان وفلسطين وتراجعت أمامه (بانسحابات أحادية). إسرائيل وبرغم عظمتها العسكرية غير قادرة على إلحاق الهزيمة إلاّ بشعوبٍ مهزومة سلفاً. ومسلسل الهزائم الذي يلحق بها اليوم في مقابل مسلسل الانتصارات الذي يحققه عدوها يشكل مراحل تتداعى فيها إسرائيل في طريق زوالها.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع