السيّد سامي خضرا
للمسجد أهمية خاصة في الإسلام، حيث هو موطن القلوب وأنيس النفوس، ويكفي أنه بيت اللَّه تعالى. ومَن أحب اللَّه تعالى أحب بيوته، وأكثر من زيارتها، قال تعالى:﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ (الجن: 18). وقد ورد الحث العظيم على حضور المساجد، وأنّ مَن كان القرآنُ حديثَه، والمسجدُ بيتَه، بنى اللَّه له بيتاً في الجنة...، وأن بيوت اللَّه في الأرض المساجد، فطوبى لمن تطَّهر في بيته، ثم زار اللهَ في بيته، وحق على المزور أن يكرم الزائر...، وأن مَن مشى إلى مسجد من مساجد اللَّه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشرُ حسنات، ومُحي له عشرُ سيئات، ورفع له عشرُ درجات، وأن أحب البقاع إلى اللَّه المساجد، وأحبَّ أهلِها إلى اللَّه أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها. قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر﴾ (التوبة: 18).
وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيما يرويه عن ربه: "إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمَّارُها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي، فحقّ على المزور أن يُكرم زائره". وللحقيقة نقول: لا شيء يؤثّر في نفسية المسلم كتردده إلى المسجد في كل يوم لإقامة الصلوات، ورؤية المؤمنين والتحادث معهم، والاستفادة من أجواء صلاة الجماعة والدروس والمواعظ. وكل تردد إلى المسجد لا يخلو من فائدة عظيمة للدنيا والآخرة، وهذا ما يلاحظه كل الناس، ولو عجزوا عن وصفه أحياناً. ففيها تارة مجلسُ ذكر لله تعالى، وتلاوةُ القرآن الكريم، وتارة فيها مجلسُ وعظٍ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها، وتتطهر من رذائلها، وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها.. وتارة فيها مجلسُ علم وفقه في الدين.. وتلمُّس عظمة التشريع... وهدي للتعاليم الإلهية... ورد في الحديث الشريف: "ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت اللَّه يتلون كتاب اللَّه، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفّتهم الملائكةُ، وذكرهم اللَّه فيمن عنده". ونظراً لقدسية وموقع المسجد في الإسلام، تعلقت به أحكام خاصة وجوباً واستحباباً... نذكر بعضاً منها تحت عنوان "آداب المسجد"، وهذه وإن كانت مختصرة، إلا أنها "الحد الأدنى" الذي تجب معرفته والعمل به ونشره.
* تقدير المساجد
وهذه بعض الآداب:
محبّةُ المساجد وتقديرُها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت اللَّه تعالى التي بُنيت لذكره وعبادته، وتلاوةِ كتابه وأداء رسالته، ونشرِ تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم. وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ببناء المساجد بين الدور، أي في الأماكن التي تبنى فيها البيوت، وكنسها وتنظيفها وتطييبها، ويتأكد ذلك يوم الخميس وليلة الجمعة. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32). وقال سبحانه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءالزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ (النور: 36 37). وقال سبحانه: ﴿... وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين﴾َ (البقرة: 43). وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: "المسجد بيتُ كل تقيّ، وتكفّل اللهُ لمن كان المسجدُ بيتَه بالرَّوح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان اللَّه إلى الجنة".
* التهيؤ للذهاب إلى المسجد
التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة والغسل وحسن الوضوء والتطيّب والتجمّل وحلق الشعر وقص الأظافر والسواك، ولبس أحسن الثياب وأنظفها. قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد﴾ (الأعراف: 31). وقال النبي صلى الله عليه وآله: "من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت اللَّه، ليقضي فريضة من فرائض اللَّه، كانت خطواتُه إحداها تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة". ويستحب أن يُقدم الداخل إليها رجلَه اليمنى، والخارجُ رجله اليسرى، وأن يتعاهد نعله، ويستعلم حاله، حتى لا يكون تحتَه شيء من النجاسات. وعند الدخول، يدعو بالمأثور وغيره، ويحمد اللَّه تعالى ويثني عليه ويصلي على النبي وآله... ومن المأثور: "بسم اللَّه وباللَّه والسلام على رسول اللَّه وملائكته، السلام على محمد وآل محمد، السلام عليهم ورحمة اللَّه وبركاته، رب أغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك". وعند الخروج من المسجد أن يقف بالباب ويقول: "اللَّهم دعوتني فأجبتُ دعوتك، وصليتُ مكتوبتك، وانتشرتُ في أرضك كما أمرتني، فأسألك من فضلك العملَ بطاعتك، واجتنابَ سخطك، والكفافَ من الرزق برحمتك". ويستحب الخروج منه متأخراً متمهلاً.
* عند سماع الأذان
عدم الإلتفات إلى جميع الأعمال الدنيوية، وترك الأشغال المادية كافة عند سماع الأذان، والمسارعة إلى تلبية النداء، والتوجه إلى المسجد مهما كانت الأعذار. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: 24). وتجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا، والبيع والشراء، وإنشاد الشعر المتضمن فحشاً أو هجاء لمسلم أو ظلماً أو غزلاً، ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيراً. ولنكثر الصلاة في المسجد، وقول "سبحان اللَّه والحمد لله ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم".
* تحية المسجد
وهي صلاة ركعتين تقرباً وزلفى لأداء حق بيت اللَّه المكرَّم، وفي الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع وليدعُ اللَّه عقيبها، وليصلِّ على النبي ويدعو اللَّه ويسأله حاجته". والجلوس مستقبلاً القبلة، يقرأ القرآن أو يذكر الرحمن، وفي الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالةُ القبلة".
* داخل المسجد
تجنب اللَّهو واللعب والجري، واللغو والثرثرة، ورفع الأصوات فيها بغير الأذان والوعظ وتعليم الاحكام، ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم. عن أبي ذر، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في وصيته له قال: يا أبا ذر، الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة. يا أبا ذر، من أجاب داعيَ اللَّه وأحسنَ عمارةَ مساجد اللَّه كان ثوابه من اللَّه الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد اللَّه؟ قال: لا تُرفع الأصوات فيها، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسَك. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: "يكون في آخر الزمان أناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً، ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة".
* في يوم الجمعة
وفي يوم الجمعة خاصة يُبكر في الذهاب إلى المسجد ساعياً إليه بالسكينة والوقار، والتواضع والخشوع، ناوياً إجابة أمر اللَّه سبحانه والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه، وليغتنم ثواب الصف الأول، ولا يكونن مع دينه أقلَّ همة من أصحاب الدنيا، إذ يبكرون إلى أسواقهم ومحافلهم... ويُنصت لخُطبة الإمام إذا تكلم، فيستمع إلى ما يقوله من وعظ وإرشاد وعلم، حتى يستفيد منه، ولا يتكلم مع من بجواره. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون﴾ (الجمعة: 9). اللَّهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وقلوبَنا عامرة بخشيتك وأسرارَنا عامرة بطاعتك ... إنك على ما تشاء قدير ... حسبنا اللَّه ونعم الوكيل...